بن عبد الله بن عَمْرو بن مَخْزُوم، كَانَت عِنْد أبي سَلمَة فَتوفي عَنْهَا، فَتَزَوجهَا النَّبِي، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، رُوِيَ لَهَا عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثَلَاثمِائَة وَثَمَانِية وَسَبْعُونَ حَدِيثا، اتفقَا مِنْهَا على ثَلَاثَة عشر حَدِيثا. هَاجَرت إِلَى الْحَبَشَة وَإِلَى الْمَدِينَة. وَقَالَ ابْن سعد: هَاجر بهَا أَبُو سَلمَة إِلَى الْحَبَشَة فِي الهجرتين جَمِيعًا. فَولدت لَهُ هُنَاكَ زَيْنَب، ثمَّ ولدت بعْدهَا سَلمَة وَعمر ودرة. تزَوجهَا رَسُول الله، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، فِي شَوَّال سنة أَربع، وَتوفيت سنة تسع وَخمسين، وَقيل: فِي خلَافَة يزِيد بن مُعَاوِيَة، وَولي يزِيد فِي رَجَب سنة سِتِّينَ وَتُوفِّي فِي ربيع سنة أَربع وَسِتِّينَ وَكَانَ لَهَا حِين توفيت أَربع وَثَمَانُونَ سنة، فصلى عَلَيْهَا أَبُو هُرَيْرَة، رَضِي الله عَنهُ، فِي الْأَصَح، وَاتَّفَقُوا أَنَّهَا دفنت بِالبَقِيعِ، روى لَهَا الْجَمَاعَة.
بَيَان لطائف إِسْنَاده: مِنْهَا: أَن فِيهِ التحديث والإخبار والعنعنة. وَمِنْهَا: أَن فِيهِ ثَلَاثَة من التَّابِعين فِي نسق. وَمِنْهَا: أَن فِيهِ رِوَايَة صحابية عَن صحابية على قَول من قَالَ: إِن هندا صحابية إِن صَحَّ. وَمِنْهَا: أَن فِيهِ رِوَايَة الأقران فِي موضِعين: أَحدهمَا ابْن عُيَيْنَة عَن معمر، وَالثَّانِي: عَمْرو وَيحيى عَن الزُّهْرِيّ.
بَيَان اخْتِلَاف الرِّوَايَات: قَوْله: (عَن هِنْد) فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: (عَن امْرَأَة) . وَقَوله: عَن امْرَأَة فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين. وَفِي رِوَايَة أبي ذَر: عَن هِنْد، وَالْحَاصِل أَن الزُّهْرِيّ رُبمَا كَانَ سَمَّاهَا باسمها، رُبمَا أبهمها. قَوْله: (وَعَمْرو) بِالْجَرِّ عطف على معمر، يَعْنِي: ابْن عُيَيْنَة، يروي عَن معمر بن رَاشد وَعَن عَمْرو بن دِينَار وَعَن يحيى بن سعيد، ثَلَاثَتهمْ يروون عَن الزُّهْرِيّ، وَقد روى الْحميدِي هَذَا الحَدِيث فِي (مُسْنده) عَن ابْن عُيَيْنَة، قَالَ: حَدثنَا معمر عَن الزُّهْرِيّ قَالَ: حَدثنَا عَمْرو وَيحيى بن سعيد عَن الزُّهْرِيّ، فَصرحَ بِالتَّحْدِيثِ عَن الثَّلَاثَة، وَيجوز وَعَمْرو بِالرَّفْع، وَرُوِيَ بِهِ، وَوَجهه أَن يكون استئنافا. وَقد جرت عَادَة ابْن عُيَيْنَة يحدث بِحَذْف صِيغَة الْأَدَاء. قَوْله: (وَيحيى) عطف على عَمْرو فِي الْوَجْهَيْنِ. وَقَالَ الشَّيْخ قطب الدّين: وَقد أخرجه البُخَارِيّ فِي السَّنَد الأول مُتَّصِلا، فَذكر فِيهِ هندا، وَفِي السَّنَد الثَّانِي عَن امْرَأَة لم يسمهَا، وَقد سَمَّاهَا فِي بَقِيَّة الْأَبْوَاب، والاعتماد فِيهِ على الْمُتَّصِل. وَقَالَ الْكرْمَانِي: وَيحْتَمل أَن يكون أَي الْإِسْنَاد الثَّانِي تَعْلِيقا من البُخَارِيّ عَن عَمْرو، ثمَّ قَالَ: وَالظَّاهِر الْأَصَح هُوَ الأول أَي الْإِسْنَاد الأول قلت: كِلَاهُمَا صَحِيحَانِ متصلان كَمَا ذكرنَا.
بَيَان تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره: أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي صَلَاة اللَّيْل عَن مُحَمَّد بن مقَاتل عَن عبد الله بن الْمُبَارك عَن معمر، وَفِي اللبَاس عَن عبد الله بن مُحَمَّد عَن هِشَام بن يُوسُف عَن معمر، وَفِي عَلَامَات النُّبُوَّة فِي موضِعين من (كتاب الْأَدَب) عَن أبي الْيَمَان عَن شُعَيْب وَفِي الْفِتَن عَن إِسْمَاعِيل عَن إخيه عَن سُلَيْمَان بن بِلَال عَن مُحَمَّد بن أبي عَتيق، كلهم عَن الزُّهْرِيّ عَن هِنْد بِهِ. قَالَ الْحميدِي: هَذَا الحَدِيث مِمَّا انْفَرد بِهِ البُخَارِيّ عَن مُسلم. وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي الْفِتَن عَن سُوَيْد بن نصر عَن ابْن الْمُبَارك بِهِ، وَقَالَ: صَحِيح، وَأخرجه مَالك عَن يحيى بن سعيد عَن ابْن شهَاب مُرْسلا.
بَيَان الْإِعْرَاب والمعاني: قَوْله: (اسْتَيْقَظَ) بِمَعْنى تيقظ. وَلَيْسَ السِّين فِيهِ للطلب، كَمَا فِي قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام: (إِذا اسْتَيْقَظَ أحدكُم من مَنَامه) . وَمَعْنَاهُ انتبه من النّوم، وَهُوَ فعل، وفاعله النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. قَوْله: (ذَات لَيْلَة) أَي: فِي لَيْلَة، وَلَفْظَة: ذَات، مقحمة للتَّأْكِيد. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيّ: هُوَ إِضَافَة الْمُسَمّى إِلَى اسْمه. وَقَالَ الْجَوْهَرِي: أما قَوْلهم: ذَات مرّة، و: ذُو صباح، فَهُوَ من ظروف الزَّمَان الَّتِي لَا تتمكن تَقول: لَقيته ذَات يَوْم وَذَات لَيْلَة. قلت: إِنَّمَا لم يتَصَرَّف: ذَات مرّة. وَذَات يَوْم، و: ذُو صباح، و: ذُو مسَاء، لأمرين: أَحدهمَا: أَن إضافتها من قبيل إِضَافَة الْمُسَمّى إِلَى الِاسْم، لِأَن قَوْلك: لقيتك ذَات مرّة وَذَات يَوْم، قِطْعَة من الزَّمَان ذَات مرّة وَذَات يَوْم، أَي: صَاحِبَة هَذَا الِاسْم، وَكَذَا: ذُو صباح وَذُو مسَاء. أَي: وَقت ذُو صباح أَي صَاحب هَذَا الِاسْم، فحذفت الظروف وأقيمت صفاتها مقَامهَا فأعربت بإعرابها، وَإِضَافَة الْمُسَمّى للإسم قَليلَة لِأَنَّهَا تفيده بِدُونِ الْمُضَاف مَا تفِيد مَعَه. الثَّانِي: أَن ذَات وَذُو من ذَات مرّة وَأَخَوَاتهَا لَيْسَ لَهما تمكن من ظروف الزَّمَان لِأَنَّهُمَا ليسَا من أَسمَاء الزَّمَان. وَزعم السُّهيْلي أَن ذَات مرّة وَذَات يَوْم لَا يتصرفان فِي لُغَة خثعم وَلَا غَيرهَا. قَوْله: (فَقَالَ) عطف على: اسْتَيْقَظَ. قَوْله: (سُبْحَانَ الله) مقول القَوْل، وَسُبْحَان، علم للتسبيح: كعثمان، علم للرجل، وانتصابه على المصدرية، وَالتَّسْبِيح فِي اللُّغَة التَّنْزِيه، وَالْمعْنَى هُنَا: أنزه الله تَنْزِيها عَمَّا لَا يَلِيق بِهِ، واستعماله هُنَا للتعجب، لِأَن الْعَرَب قد تستعمله فِي مقَام التَّعَجُّب. قَوْله: (مَاذَا) فِيهِ أوجه: الأول: أَن يكون مَا، استفهاما، و: ذَا، إِشَارَة، نَحْو: مَاذَا الْوُقُوف؟ ، الثَّانِي: أَن تكون مَا، استفهاما، وَذَا، مَوْصُولَة بِمَعْنى: الَّذِي. الثَّالِث: أَن تكون: مَاذَا كلمة اسْتِفْهَام على التَّرْكِيب، كَقَوْلِك: لماذا جِئْت؟ الرَّابِع: أَن تكون: مَا، نكرَة مَوْصُوفَة بِمَعْنى شَيْء. الْخَامِس: أَن تكون: مَا، زَائِدَة، و: ذَا للْإِشَارَة. السَّادِس: أَن تكون: مَا، استفهاما
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute