قَوْله: (فِي سور من الْمفصل) أَي: مَعَ سور من الْمفصل، وَهُوَ السَّبع الْأَخير من الْقُرْآن. فَإِن قلت: قَوْله حَتَّى قَرَأت {سبح اسْم رَبك الْأَعْلَى} (الْأَعْلَى: ١) . يدل على أَنَّهَا نزلت بِمَكَّة، وَذكروا أَن قَوْله تَعَالَى: {قد أَفْلح من تزكّى وَذكر اسْم ربه فصلى} (الْأَعْلَى: ٩ ١٠) . نزلت فِي صَلَاة الْعِيد وَصدقَة الْفطر فِي السّنة الثَّانِيَة من الْهِجْرَة. قلت: لَا يبعد أَن تكون السُّورَة مَكِّيَّة وَتَكون الْآيَتَانِ مدنيتان، وَجَوَاب آخر، وَهُوَ الْأَوْجه: أَن نزُول السُّورَة كلهَا كَانَ بِمَكَّة، وَلَكِن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بيَّن أَن المُرَاد من الْآيَتَيْنِ صَلَاة الْعِيد وَصدقَة الْفطر، وَلَا شكّ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، مُبين للشرائع وَالْأَحْكَام.
٣٩٢٦ - حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ يُوسُفَ أخْبرنَا مالِكٌ عنْ هِشامِ بنِ عُرْوَةَ عنْ أبِيهِ عنْ عائِشَةَ رَضِي الله تَعَالَى عنهَا أنَّها قالَتْ لَما قَدِمَ رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم المَدِينَةَ وُعِكَ أبُو بَكْرٍ وبِلالٌ قالَتْ فَدَخَلْتُ عَلَيْهِمَا فقُلْتُ يَا أبَتِ كَيْفَ تَجِدُكَ وَيَا بِلَالُ كَيْفَ تَجِدُكَ قالَتْ فَكانَ أبُو بَكْرٍ إذَا أخَذَتْهُ الحُمَّى يَقُولُ:
(كلُّ امْرِىءٍ مُصَبَّحٌ فِي أهْلِهِ ... والمَوْتُ أدْنَى مِنْ شِرَاكِ نَعْلِهِ)
وكانَ بِلالٌ إذَا أقْلَعَ عنْهُ الحُمَّى يَرْفَعُ عَقِيرَتَهُ ويَقُولُ:
(ألَا لَيْتَ شِعْرِي هَلْ أبِيتَنَّ لَيْلَةًبِوَادٍ وحَوْلِي إذْخِرٌ وجَلِيلُ)
(وهَلْ أرِدَنْ يَوْماً مياه مَجَنَّةٍ وهَلْ يَبْدُوَنْ لِي شَامَةٌ وطَفِيلُ)
قالَتْ عائِشَةُ فَجِئْتُ رَسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فأخْبَرْتُهُ فَقَالَ اللَّهُمَّ حَبِّبْ إلَيْنَا المَدِينَةَ كَحُبِّنَا مَكَّةَ أوْ أشَدَّ وصَحِّحْها وبارِكْ لَنَا فِي صاعِها ومُدِّها وانْقُلْ حُمَاهَا فاجْعَلْهَا بالجُحْفَةِ. .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. والْحَدِيث مر فِي كتاب الْحَج فِي آخر الْأَبْوَاب، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ: عَن عبيد بن إِسْمَاعِيل عَن أبي أُسَامَة عَن هِشَام عَن أَبِيه عَن عَائِشَة ... إِلَى آخِره، وَفِيه: أللهم الْعَن شيبَة ... إِلَى قَوْله: إِلَى أَرض الوباء، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.
قَوْله: (وعك) على صِيغَة الْمَجْهُول أَي: حم. قَوْله: (قَالَت) أَي: عَائِشَة. قَوْله: (عَلَيْهِمَا) أَي: على أبي بكر وبلال. قَوْله: (كَيفَ تجدك) بتاء الْخطاب، أَي: كَيفَ تَجِد نَفسك، وَمثله: تجدك الثَّانِي. قَوْله: (مصبح) بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة، أَي: مصاب بِالْمَوْتِ صباحاً، وَقيل: المُرَاد يُقَال لَهُ: صبحك الله بِالْخَيرِ، وَقد يفجؤه الْمَوْت فِي بَقِيَّة النَّهَار. قَوْله: (أدنى) أَي: أقرب، والشراك، بِكَسْر الشين الْمُعْجَمَة وَتَخْفِيف الرَّاء: سير النَّعْل على وَجههَا. قَوْله: (إِذا أقلع) أَي: الْكَفّ وَزَالَ قَوْله: (عقيرته) بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَكسر الْقَاف، وَهُوَ الصَّوْت بالبكاء أَو بِالْغنَاءِ. قَوْله: (بواد) أَي: بوادي مَكَّة، وَالْوَاو فِي: (وحولي) للْحَال. قَوْله: (وجليل) بِالْجِيم، وَهُوَ نبت ضَعِيف يحشى بِهِ خصاص الْبيُوت. قَوْله: (أردن) مُتَكَلم الْمُضَارع بالنُّون الْخَفِيفَة. قَوْله: (مجنة) بِفَتْح الْمِيم وَالْجِيم وَالنُّون: اسْم مَوضِع على أَمْيَال من مَكَّة، وَكَانَ بِهِ سوق فِي الْجَاهِلِيَّة. قَوْله: (وَهل يبدون) أَي: وَهل يظهرن، وَهُوَ بالنُّون الْخَفِيفَة. قَوْله: (شامة) بالشين الْمُعْجَمَة وَتَخْفِيف الْمِيم (وطفيل) بِفَتْح الطَّاء الْمُهْملَة وَكسر الْفَاء، وهما جبلان بِقرب مَكَّة. وَقَالَ الْخطابِيّ، كنت أَحسب أَنَّهُمَا جبلان حَتَّى ثَبت عِنْدِي أَنَّهُمَا عينان، وَقَالَ بَعضهم: زعم بَعضهم أَن الصَّوَاب بِالْمُوَحَّدَةِ يَعْنِي: شَابة بِالْبَاء الْمُوَحدَة بدل الْمِيم، وَالْمَعْرُوف بِالْمِيم. قلت: الْقَائِل بِهِ هُوَ الصغاني:
(إِذا قَالَت حذام فصدقوها)
قَوْله: (فِي صاعها) ويروى: وصاعنا. قَوْله: (بِالْجُحْفَةِ) بِضَم الْجِيم وَسُكُون الْحَاء الْمُهْملَة وَفتح الْفَاء على سبع مراحل من الْمَدِينَة، وَبَينه وَبَين الْبَحْر سِتَّة أَمْيَال، وَهُوَ مِيقَات أهل مصر الْآن، وَأما فِي ذَلِك الْوَقْت فَكَانَ مسكن الْيَهُود، لعنهم الله تَعَالَى.
٣٩٢٧ - حدَّثني عَبْدُ الله بنُ مُحَمَّدٍ حدَّثنا هِشامٌ أخبرَنا مَعْمَرٌ عنِ الزُّهْرِيِّ حدَّثني