للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

جنبا، وأصابهم الظمأ ووسوس إِلَيْهِم الشَّيْطَان، وَقَالَ: تَزْعُمُونَ أَن فِيكُم نَبِي الله وأنكم أَوْلِيَاء الله وَقد غَلَبَكُمْ الْمُشْركُونَ على المَاء وَأَنْتُم تصلونَ جنبا ومحدثين؟ فَكيف ترجون أَن تظهروا عَلَيْهِم؟ فَأرْسل الله عَلَيْهِم مَطَرا من السَّمَاء سَالَ مِنْهُ الْوَادي، فَشرب مِنْهُ الْمُسلمُونَ وَاغْتَسلُوا وَسقوا الركاب. وملأوا الأسقية وَأَطْفَأت الْغُبَار وَاشْتَدَّ الرمل حَتَّى ثبتَتْ عَلَيْهِ الْأَقْدَام وزالت وَسْوَسَة الشَّيْطَان، فَذَلِك قَوْله تَعَالَى: {وَينزل عَلَيْكُم} الْآيَة. قَوْله: (إِذْ يوحي رَبك) بدل ثَالِث من: {إِذْ يَعدكُم} (الْأَنْفَال: ٧) . وَأَنه نصب: بيثبت بِهِ الْأَقْدَام. قَوْله: (إِنِّي مَعكُمْ) ، مفعول يوحي، وقرىء: إِنِّي: بِالْكَسْرِ على إِرَادَة القَوْل. قَوْله: (فثبتوا الَّذين آمنُوا) الْمَعْنى: أَنِّي معينكم على التثبيت فثبتوهم، وَقَالَ ابْن إِسْحَاق: فآزروهم، وَقيل: قَاتلُوا مَعَهم، وَقيل: كَثُرُوا سوادهم. قَوْله: (الرعب) ، أَي: الْخَوْف والمذلة وَالصغَار، فاضربوا فَوق الْأَعْنَاق، وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيّ أَرَادَ أعالي الْأَعْنَاق الَّتِي هِيَ المذابح لِأَنَّهَا مفاصل، فَكَانَ إِيقَاع الضَّرْب فِيهَا حزاً وتطييراً للرؤوس، وَقيل: أَرَادَ الرؤوس لِأَنَّهَا فَوق الْأَعْنَاق. قَوْله: (كل بنان) ، قَالَ الزَّمَخْشَرِيّ: البنان الْأَصَابِع، يُرِيد الْأَطْرَاف، وَقيل: كل مفصل. قَوْله: (ذَلِك) إِشَارَة إِلَى مَا أَصَابَهُم من الضَّرْب وَالْقَتْل وَالْعِقَاب العاجل، وَمحله الرّفْع على الِابْتِدَاء، وَقَوله: (بِأَنَّهُم) خَبره أَي: ذَلِك الْعقَاب وَقع عَلَيْهِم بِسَبَب مشاقهم. قَوْله: (شاقوا الله وَرَسُوله) أَي: خالفوهما. قَوْله: (شَدِيد الْعقَاب) أَي: هُوَ الطَّالِب الْغَالِب لمن خَالفه وناواه، لَا يفوتهُ شَيْء وَلَا يقوم لغضبه شَيْء.

٣٩٥٢ - حدَّثنا أبُو نُعَيْمٍ حدَّثنا إسْرَائِيلُ عنْ مُخارِقٍ عنْ طارِقِ بنِ شِهَاب قَالَ سَمِعْتُ ابنَ مسْعُودٍ يقُولُ شَهِدْتُ مِنَ المِقْدَادِ بنِ الأسْوَدِ مَشْهَدَاً لأنْ أكُونَ أنَا صاحِبَهُ أحَبَّ إليَّ مِمَّا عُدِلَ بهِ أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وهْوَ يدْعُو علَى المُشْرِكِينَ فَقال لَا نَقُولُ كَمَا قَالَ قَوْمُ مُوساى إذْهَبْ أنْتَ ورَبك فقَاتِلَا ولاكِنَّا نُقاتِلُ عنْ يَمِينِكَ وعنْ شِمالِكَ وبَيْنَ يَدَيْكَ وخَلْفَكَ فرَأيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أشْرَقَ وجْهُهُ وسَرَّهُ يَعْني قَوْلَهُ. (الحَدِيث ٣٩٥٢ طرفه فِي: ٤٦٠٩) .

ذكر فِي هَذَا الْبَاب حديثين: أَحدهمَا: هَذَا، وَهُوَ فِي بَيَان مَا وَقع قبل الْوَقْعَة. وَالْآخر: حَدِيث ابْن عَبَّاس فِيهِ بَيَان الاستغاثة، وكل مِنْهُمَا مُتَعَلق بِمَا ذكر فِي الْآيَات الْكَرِيمَة والمطابقة بِهَذَا الْمِقْدَار تَكْفِي. وَأَبُو نعيم الْفضل بن دُكَيْن، وَإِسْرَائِيل هُوَ ابْن يُونُس بن أبي إِسْحَاق السبيعِي، ومخارق، بِضَم الْمِيم وَتَخْفِيف الْخَاء الْمُعْجَمَة وَكسر الرَّاء وَفِي آخِره قَاف: ابْن عبد الله ابْن جَابر البَجلِيّ الأحمسي، بالمهملتين، وَيُقَال: اسْم أَبِيه عبد الرَّحْمَن، وَيُقَال: خَليفَة، وَهُوَ كُوفِي ثِقَة عِنْد الْجَمِيع، وَقيل: لَيْسَ لَهُ رِوَايَة عَن غير طَارق بن شهَاب بن عبد شمس بن سَلمَة البَجلِيّ الأحمسي الْكُوفِي، يكنى أَبَا عبد الله، رأى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وغزا فِي خلَافَة أبي بكر وَعمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ أَو ثَلَاثًا وَأَرْبَعين غَزْوَة، سمع جمَاعَة من الصَّحَابَة وَمَات سنة ثَلَاث وَثَمَانِينَ.

والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي التَّفْسِير عَن أبي نعيم أَيْضا، وَعَن حمدَان بن عَمْرو، وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي التَّفْسِير عَن أبي بكر بن النَّضر.

قَوْله: (شهِدت من الْمِقْدَاد) ، بِكَسْر الْمِيم: ابْن الْأسود، وَفِي الْحَقِيقَة اسْم أَبِيه عَمْرو، وَالْأسود كَانَ تبناه فَصَارَ ينْسب إِلَيْهِ. قَوْله: (لِأَن أكون أَنا) اللَّام فِيهِ مَفْتُوحَة، وَلَفْظَة: أَنا، وَقعت فِي رِوَايَة الْكشميهني: وعَلى هَذِه الرِّوَايَة يجوز فِي قَوْله: (صَاحبه) الرّفْع وَالنّصب، وعَلى رِوَايَة غَيره يتَعَيَّن النصب. قَوْله: (صَاحبه) ، أَي: صَاحب المشهد. قَوْله: (مِمَّا عدل بِهِ) ، على صِيغَة الْمَجْهُول، أَي: مِمَّا وزن بِهِ من شَيْء يُقَابله، وَقَالَ الْكرْمَانِي: أَي: من الثَّوَاب الَّذِي عدل ذَلِك المشهد بِهِ، وَهَذَا فِيهِ مُبَالغَة وإلَاّ قدره من الثَّوَاب خير من الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا، وَالْأولَى أَن يُقَال: أَي من كل شَيْء يُقَابل ويوازن بِهِ من الدنيويات. قَوْله: (وَهُوَ يَدْعُو) الْوَاو فِيهِ للْحَال. قَوْله: (فَقَالَ) ، أَي: الْمِقْدَاد، قَوْله: (لَا نقُول) ، بنُون الْجمع. قَوْله: (كَمَا قَالَ قوم مُوسَى) ، أَي: كَقَوْل قوم مُوسَى لمُوسَى، عَلَيْهِ السَّلَام، وأصل ذَلِك مَا رَوَاهُ ابْن مرْدَوَيْه، حَدثنَا عَليّ بن الْحسن حَدثنَا أَبُو حَاتِم الرَّازِيّ حَدثنَا مُحَمَّد بن عبد الله الْأنْصَارِيّ حَدثنَا حميد عَن أنس: أَن رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، لما سَار إِلَى بدر اسْتَشَارَ الْمُسلمين، فَأَشَارَ عَلَيْهِ عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، ثمَّ استشارهم،

<<  <  ج: ص:  >  >>