هممتم بِمَا هممتم بِهِ من الْغدر، وَقد أجَّلتكم عشرا، فَمن رئي بعد ذَلِك فقد ضربت عُنُقه، فَمَكَثُوا أَيَّامًا يَتَجَهَّزُونَ، فَأرْسل إِلَيْهِم ابْن أبي فَثَبَّطَهُمْ، فأرسلوا إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِنَّا لَا نخرج فَاصْنَعْ مَا بدا لَك، فَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: الله أكبر حَارَبت يهود، فَخرج إِلَيْهِم صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فاعتزلتهم قُرَيْظَة، فَلم تعنهم وخذلهم ابْن أبي وحلفاؤهم من غطفان فَحَاصَرَهُمْ خَمْسَة عشر يَوْمًا، وَقَالَ ابْن الطلاع: ثَلَاثَة وَعشْرين يَوْمًا، وَعَن عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا: خَمْسَة وَعشْرين يَوْمًا، وَقَالَ ابْن سعد: ثمَّ أجلاهم فَتَحملُوا على سِتّمائَة بعير وَكَانَت صفياً لَهُ حبسا لنوائبه، وَلم يخمسها وَلم يُسهم مِنْهَا لأحد إلَاّ لأبي بكر وَعمر وَابْن عَوْف وصهيب بن سِنَان وَالزُّبَيْر بن الْعَوام وَأبي سَلمَة بن عبد الْأسد وَأبي دُجَانَة، وَقَالَ ابْن إِسْحَاق: فاحتملوا إِلَى خَيْبَر وَإِلَى الشَّام، وَقَالَ: فَحَدثني عبد الله بن أبي بكر أَنهم خلوا الْأَمْوَال من الْخَيل والمزارع لرَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خَاصَّة، وَقَالَ إِبْنِ إِسْحَاق: لم يسلم مِنْهُم إلَاّ يَامِين بن عُمَيْر، وَأَبُو سعيد ابْن وهب، فأحرزا أموالهما.
قَالَ الزُّهْرِيُّ عنْ عُرْوَةَ بنِ الزُّبَيْرِ كانَتْ عَلَى رأسِ سِتَّةِ أشْهُرٍ مِنْ وَقْعَةِ بَدْرٍ قَبْلَ أحُدٍ أَي: قَالَ مُحَمَّد بن مُسلم الزُّهْرِيّ عَن عُرْوَة بن الزبير بن الْعَوام: كَانَت غَزْوَة بني النَّضِير على رَأس سِتَّة أشهر من وقْعَة غَزْوَة بدر قبل غَزْوَة أحد، وَهَذَا التَّعْلِيق وَصله الْحَاكِم عَن أبي عبد الله الْأَصْبَهَانِيّ: حَدثنَا الْحُسَيْن بن جهم حَدثنَا مُوسَى بن الْمسَاوِر حَدثنَا عبد الله بن معَاذ عَن معمر عَن الزُّهْرِيّ بِهِ.
وَقَول الله، بِالْجَرِّ عطفا على قَوْله: ومخرج رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، هَذِه الْآيَة من سُورَة الْحَشْر، قَالَ أَبُو إِسْحَاق: أنزل الله تَعَالَى هَذِه السُّورَة بكمالها فِي بني النَّضِير، فِيهَا مَا أَصَابَهُم بِهِ من نقمة وَمَا سلط عَلَيْهِم رَسُوله وَمَا عمل بِهِ فيهم. قَوْله:(لأوّل الْحَشْر) أَي: الْجلاء، وَذَلِكَ أَن بني النَّضِير أول من أخرج من دِيَارهمْ، وروى ابْن مرْدَوَيْه قصَّة بني النَّضِير بِإِسْنَاد صَحِيح مُطَوَّلَة، وَفِيه: أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَاتلهم حَتَّى نزلُوا على الْجلاء، وَكَانَ جلاؤهم ذَلِك أول حشر النَّاس إِلَى الشَّام، وَكَذَا رَوَاهُ عبد بن حميد فِي (تَفْسِيره) : عَن عبد الرَّزَّاق، وَفِيه رد على ابْن التِّين حَيْثُ زعم أَنه لَيْسَ فِي هَذِه الْقِصَّة حَدِيث بِإِسْنَاد.
أَي: جعل مُحَمَّد بن إِسْحَاق صَاحب (الْمَغَازِي) قتال بني النَّضِير بعد بِئْر مَعُونَة، فَكَانَت فِي صفر من سنة أَربع من الْهِجْرَة، وَقَالَ إِبْنِ إِسْحَاق: أَقَامَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بعد أحد بَقِيَّة شَوَّال وَذَا الْقعدَة وَذَا الْحجَّة وَالْمحرم، ثمَّ بعث بأصحاب بِئْر مَعُونَة فِي صفر على رَأس أَرْبَعَة أشهر من أحد، وَقَالَ مُوسَى بن عقبَة: كَانَ أَمِير الْقَوْم الْمُنْذر بن عَمْرو، وَيُقَال: مرْثَد بن أبي مرْثَد، وَوَقع فِي رِوَايَة الْقَابِسِيّ: وَجعله إِسْحَاق، قَالَ عِيَاض: وَهُوَ وهم، وَالصَّوَاب ابْن إِسْحَاق، وَهُوَ: مُحَمَّد بن إِسْحَاق ابْن يسَار، وَقَالَ الْكرْمَانِي: مُحَمَّد بن إِسْحَاق بن نصر، بِفَتْح النُّون وَسُكُون الْمُهْملَة، وَلَيْسَ كَذَلِك، وَالصَّوَاب: ابْن يسَار، وَهُوَ مَشْهُور لَيْسَ فِيهِ خَفَاء.