هُوَ مَوْصُول بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُور، وَأَرَادَ قَتَادَة بذلك اعتضاد كَلَامه الأول.
قَوْله:(قتل مِنْهُم) أَي: من الْأَنْصَار، هَذَا ظَاهر الْكَلَام إلَاّ أَن الَّذِي قتل من الْمُهَاجِرين قَلِيل، وهم: حَمْزَة بن عبد الْمطلب وَعبد الله بن جحش وشمسا بن عُثْمَان وَمصْعَب بن عُمَيْر، وَهَؤُلَاء ذكرهم ابْن إِسْحَاق لِأَنَّهُ ذكر من اسْتشْهد من الْمُسلمين بِأحد فبلغوا خَمْسَة وَسِتِّينَ مِنْهُم أَرْبَعَة من الْمُهَاجِرين وهم الَّذين ذَكَرْنَاهُمْ، وروى ابْن مَنْدَه من حَدِيث أبي بن كَعْب، قَالَ: قتل من الْأَنْصَار يَوْم أحد أَرْبَعَة وَسِتُّونَ وَمن الْمُهَاجِرين سِتَّة، وَصَححهُ ابْن حبَان، وَقد ذكر مُوسَى بن عقبَة سَعْدا مولى حَاطِب وَالسَّادِس ثَقِيف بن عَمْرو الْأَسْلَمِيّ حَلِيف بني عبد شمس. قَوْله:(وَيَوْم بِئْر مَعُونَة) ، أَي: قتل يَوْم بِئْر مَعُونَة، بِفَتْح الْمِيم وَضم الْعين الْمُهْملَة وبالنون، وَهُوَ مَاء لبني سليم وَهُوَ بَين أَرض بني عَامر وَأَرْض بني سليم، وَذكر الْكِنْدِيّ أَن بِئْر مَعُونَة من جبال ليلى فِي طَرِيق المصعد من الْمَدِينَة إِلَى مَكَّة، وَقَالَ ابْن دحْيَة: هِيَ بِئْر بَين مَكَّة وَعُسْفَان وَأَرْض هُذَيْل، وَجزم ابْن التِّين: بِأَنَّهَا على أَربع مراحل من الْمَدِينَة، وَقَالَ ابْن إِسْحَاق: أَقَامَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَعْنِي بعد أحد بَقِيَّة شَوَّال وَذَا الْقعدَة وَذَا الْحجَّة وَالْمحرم ثمَّ بعث أَصْحَاب بِئْر مَعُونَة فِي صفر على رَأس أَرْبَعَة أشهر من أحد، وَقَالَ مُوسَى بن عقبَة: وَكَانَ أَمِير الْقَوْم الْمُنْذر بن عَمْرو، وَيُقَال: مرْثَد بن أبي مرْثَد، وَأغْرب مَكْحُول حَيْثُ قَالَ: إِنَّهَا كَانَت بعد الخَنْدَق، وَسَيَأْتِي أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أرسل سبعين رجلا لِحَاجَتِهِ يُقَال لَهُم: الْقُرَّاء، فتعرض لَهُم حيَّان من بني سليم: رعل وذكوان عِنْد بِئْر مَعُونَة فَقَتَلُوهُمْ، فَدَعَا عَلَيْهِم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، شهرا فِي صَلَاة الْغَدَاء، وَذَاكَ بَدْء الْقُنُوت. قَوْله:(وَيَوْم الْيَمَامَة) ، أَي: قتل يَوْم الْيَمَامَة سَبْعُونَ، واليمامة مَدِينَة من الْيمن على مرحلَتَيْنِ من الطَّائِف، وَلما تولى أَبُو بكر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، الْخلَافَة بعد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أرسل جَيْشًا إِلَى قتال مُسَيْلمَة الْكذَّاب الَّذِي ادّعى النُّبُوَّة، وَجعل خَالِد بن الْوَلِيد، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، أَمِيرا عَلَيْهِم، وقصته طَوِيلَة، وملخصها أَن خَالِدا لما قرب من مُسَيْلمَة وتواجه الْفَرِيقَانِ وَقع حَرْب عَظِيم وصبر الْمُسلمُونَ صبرا لم يعْهَد مثله حَتَّى فتح الله عَلَيْهِم، وَولى الْكفَّار الأدبار وَدخل أَكْثَرهم الحديقة وأحاط بهم الصَّحَابَة، ثمَّ دخلوها من حيطانها وأبوابها فَقتلُوا من فِيهَا من الْمُرْتَدَّة من أهل الْيَمَامَة حَتَّى خلصوا إِلَى مُسَيْلمَة لَعنه الله فَتقدم إِلَيْهِ وَحشِي بن حَرْب قَاتل حَمْزَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فَرَمَاهُ بِحَرْبَة فأصابته وَخرجت من الْجَانِب الآخر، وسارع إِلَيْهِ أَبُو دُجَانَة سماك بن حَرْب فَضَربهُ بِالسَّيْفِ فَسقط، وَكَانَ جملَة من قتلوا فِي الحديقة وَفِي المعركة قَرِيبا من عشرَة آلَاف مقَاتل، وَقيل: أحد وَعِشْرُونَ ألفا، وَقتل من الْمُسلمين سِتّمائَة، وَقيل: خَمْسمِائَة، وَالله أعلم. وَفِيهِمْ من الصَّحَابَة سَبْعُونَ رجلا، وَيُقَال: كَانَ عمر مُسَيْلمَة يَوْم قتل مائَة وَأَرْبَعين سنة.
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله:(كَانَ يجمع بَين الرجلَيْن من قَتْلَى أحد) . والْحَدِيث مضى فِي كتاب الْجَنَائِز فِي: بَاب من يقدم فِي اللَّحْد، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن ابْن مقَاتل عَن عبد الله عَن لَيْث بن سعد عَن ابْن شهَاب ... إِلَخ، وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.
٤٠٨٠ - وقَالَ أبُو الوَلِيدِ عنْ شُعْبَةَ عنِ ابنِ الْمُنْكَدِرِ قَالَ سَمِعْتُ جابِرَاً قَالَ لَمَّا قُتِلَ أبِي جَعَلْتُ أبْكِي وأكْشِفُ الثَّوْبَ عنْ وَجْهِهِ فجَعَلَ أصْحَابُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَنْهَوْنِي والنَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَمْ يَنْهَ وَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا تَبْكِيهِ أوْ مَا تَبْكِيهِ مَا زَالَتِ المَلَائِكَةُ تُظِلُّهُ بأجْنِحَتِهَا حتَّى رُفِعَ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، فَإِن وَالِد جَابر هُوَ عبد الله مِمَّن قتل بِأحد، وَأَبُو الْوَلِيد هُوَ هِشَام بن عبد الْملك الطَّيَالِسِيّ، وَابْن الْمُنْكَدر