مِنْهُ: دلجة، بِالضَّمِّ وَالْفَتْح، وَمِنْهُم من يَجْعَل الإدلاج السّير فِي اللَّيْل كُله. قَوْله: (ثمَّ يسرح) أَي: ثمَّ يذهب بهَا إِلَى المرعى، يُقَال: سرحت الْمَاشِيَة تسرح فَهِيَ سارحة، وسرحتها أَنا لَازِما ومتعدياً. قَوْله: (فَلَا يفْطن بِهِ) أَي: فَلَا يدْرِي بِهِ (أحد من الرعاء) وَهُوَ جمع راعٍ. قَوْله: (فَلَمَّا خرجا) أَي: النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَبُو بكر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ (خرج مَعَهُمَا) أَي: خرج عَامر بن فهَيْرَة مَعَهُمَا إِلَى الْمَدِينَة. قَوْله: (يعقبانه) بِضَم الْيَاء، وَقَالَ بَعضهم، يعقبانه، وَفِيه: يركبانه عقبَة، وَهُوَ أَن ينزل الرَّاكِب ويركب رَفِيقه ثمَّ ينزل الآخر ويركب الْمَاشِي. وَقَالَ الْكرْمَانِي: أَي يردفانه بالنوبة، يَعْنِي: كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يردف عَامِرًا نوبَة وَأَبُو بكر يردفه نوبَة. قلت: الَّذِي قَالَه الْكرْمَانِي أولى وأوجه، لِأَن الَّذِي قَالَه الْبَعْض يسْتَلْزم أَن يمشي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، ويركب عَامر. وَهَذَا لَا شكّ أَن عَامِرًا كَانَ لَا يرضى بذلك وَلَا أَبُو بكر وَلَا هُوَ من الْأَدَب والمروءة، وَيُؤَيّد مَا قَالَه الْكرْمَانِي مَا قَالَه ابْن إِسْحَاق: لما ركب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَأَبُو بكر أرْدف أَبُو بكر عَامِرًا مَوْلَاهُ خلقه ليخدمهما فِي الطَّرِيق. قلت: هَذَا لَا يُنَافِي إِلَّا عِقَاب. قَوْله: (فَقتل عَامر بن فهَيْرَة يَوْم بِئْر مَعُونَة) وَكَانَ يَوْم بِئْر مَعُونَة فِي صفر سنة أَربع، وَقد مر بَيَانه.
وعَنْ أبِي أُسَامَةَ قَالَ قَالَ لي هِشامُ بنُ عُرْوَةَ فَأَخْبرنِي أبي قَالَ لَمَّا قُتِلَ الَّذِينَ بِبِئْرِ مَعُونَةَ وأُسِرَ عَمْرُو بنُ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيُّ قَالَ لَهُ عامِرُ بنُ الطُّفَيْلِ مَنْ هاذَا فأشَارَ إلَى قَتيلٍ فَقال لَهُ عَمْرُو بنُ أُمَيَّةَ هاذا عامِرُ بنُ فُهَيْرَةَ فَقال لَقَدْ رأيْتُهُ بعدَ مَا قُتِلَ رُفِعَ إِلَى السَّماءِ حتَّى إنِّي لأنْظُرُ إِلَى السَّمَاءِ بيْنَهُ وبَيْنَ الأرْضِ ثُمَّ وُضِعَ فأتَى النَّبِيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خبرُهُمْ فنَعَاهُمْ فَقال إنَّ أصْحَابَكُمْ قَدْ أُصِيبُوا وإنَّهُمْ قدْ سألُوا ربَّهُمْ فَقَالُوا ربَّنَا أخْبِرْ عَنَّا إخْوَانَنَا بِمَا رَضِينَا عَنْكَ ورَضيتَ عَنَّا فأخْبَرَهُمْ عَنْهُمْ وأُصِيبَ يَوْمَئِذٍ فيهِمْ عُرْوَةُ بنُ أسْمَاءَ بنِ الصَّلْتِ فسُمِّيَ عُرْوَةُ بِهِ ومُنْذِرُ بنُ عَمْرٍ ووسُمِّيَ بِه مُنْذِراً
وَعَن أبي أُسَامَة، مَعْطُوف على قَوْله: حَدثنَا عبيد الله بن إِسْمَاعِيل حَدثنَا أَبُو أُسَامَة وَإِنَّمَا فَصله ليميز الْمَوْصُول من الْمُرْسل، لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي قصَّة بِئْر مَعُونَة ذكر عَائِشَة، بِخِلَاف قصَّة الْهِجْرَة. فَإِن فِيهَا ذكر عَائِشَة، كَمَا مضى الْآن قبل هَذَا. قَوْله: (لما قتل الَّذين ببئر مَعُونَة) ، وهم الْقُرَّاء الَّذين سبق ذكرهم. قَوْله: (وَأسر عَمْرو بن أُميَّة) ، بَين ذَلِك عُرْوَة فِي (الْمَغَازِي) من رِوَايَة الْأسود عَنهُ، بعث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، الْمُنْذر بن عَمْرو السَّاعِدِيّ إِلَى بِئْر مَعُونَة وَبعث مَعَه الْمطلب السّلمِيّ ليدلهم على الطَّرِيق، فَقتل الْمُنْذر ابْن عَمْرو وَأَصْحَابه إِلَّا عَمْرو بن أُميَّة، فَإِنَّهُم أسروه واستحيوه، وَفِي رِوَايَة ابْن إِسْحَاق فِي (الْمَغَازِي) : أَن عَامر بن الطُّفَيْل اجتز ناصيته وَأعْتقهُ عَن رَقَبَة كَانَت على أمه، وَعند العسكري: بعث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْمُنْذر بن عمروا اميرا على أَرْبَعِينَ من الْأَنْصَار لَيْسَ فيهم غَيرهم الأعمر بن أُميَّة وَذَلِكَ ان أَبَا برَاء بعث ابْن أَخِيه إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي عِلّة وجدهَا فَدَعَا لَهُ بالشفاء وَبَارك فِيمَا أنفذه إِلَيْهِ، فبرىء، فَبعث إِلَى رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن إبعث إِلَى أهل نجد من شِئْت فَإِنِّي جارٍ لَهُم، وَفِي (الْمَغَازِي) لأبي معشر: كَانَ أَبُو برَاء كتب إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إبعث إِلَيّ رجَالًا يعلمُونَ الْقُرْآن وهم فِي ذِمَّتِي وجواري، فَبعث إِلَيْهِ الْمُنْذر بن عَمْرو وَفِي أَرْبَعَة عشر رجلا من الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار، فَلَمَّا سَارُوا إِلَيْهِم بَلغهُمْ أَن أَبَا برَاء مَاتَ، فَبعث الْمُنْذر إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يستمد فأمده بِأَرْبَعِينَ نَفرا أَمِيرهمْ عَمْرو بن أُميَّة، وَقَالَ: إِذا اجْتمع الْقَوْم كَانَ عَلَيْهِم الْمُنْذر، فَلَمَّا وصلوا بِئْر مَعُونَة كتبُوا إِلَى ربيعَة بن أبي الْبَراء: نَحن فِي ذِمَّتك وَذمَّة أَبِيك، فنقدم عَلَيْك أم لَا؟ قَالَ: أَنْتُم فِي ذِمَّتِي فاقدموا. وَفِي آخِره: قدم عَلَيْهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خبر بِئْر مَعُونَة وَأَصْحَاب الرجيع، وَبعث مُحَمَّد بن مسلمة فِي لَيْلَة وَاحِدَة، وَقَالَ ابْن سعد: كَانَت سَرِيَّة الْمُنْذر بن عَمْرو السَّاعِدِيّ الْمُعْتق للْمَوْت إِلَى بشر مَعُونَة فِي صفر على رَأس سِتَّة وَثَلَاثِينَ شهرا من الْهِجْرَة، قَالُوا: قدم عَامر بن مَالك بن جَعْفَر أَبُو برَاء ملاعب الأسنة الْكلابِي على رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأهْدى لَهُ فَلم يقبل مِنْهُ، وَعرض عَلَيْهِ الْإِسْلَام فَلم يسلم وَلم يبعد، وَقَالَ: لَو بعثت معي نَفرا من أَصْحَابك إِلَى قومِي لرجوت أَن يجيبوا دعوتك، فَقَالَ: إِنِّي أَخَاف عَلَيْهِم أهل نجد، قَالَ: أَنا لَهُم جارٍ، فَبعث مَعَه سبعين من الْأَنْصَار شبيبة يسمون الْقُرَّاء وأمَّر عَلَيْهِم الْمُنْذر، فَلَمَّا نزلُوا بِئْر مَعُونَة قدمُوا حرَام بن ملْحَان بِكِتَاب سيدنَا رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى عَامر
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute