مَا نَقَصَ عِلْمِي وَعِلْمَكَ مِنْ عِلْمِ اللَّهِ إلاّ كَنَقْرةِ هَذَا العُصْفُورِ فِي البَحْرِ، فَعَمَدَ الخَضِرُ إِلَى لوْحٍ منْ ألْوَاحِ السَّفِينَةِ فَنَزَعَهُ، فقالَ مُوسَى: قَوْمٌ حَمَلُونَا بغيْر نَوْلٍ عَمَدْتَ إِلَى سفينَتهم فَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أهْلَها؟ قالَ: {أَلَمْ أَقُلْ إنَّكَ لَنْ تَسْتَطيعَ مَعِيَ صَبْرا} (الْكَهْف: ٧٢) قالَ لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نسِيتُ، فَكانَتِ الأُولَى مِنْ مُوسَى نِسْيَانا فانْطَلَقَا، فإذَا غُلَامٌ يَلْعَبُ مَعَ الغِلْمَانِ، فأَخَذ الخَضِرُ برَأْسه مِنْ أعْلَاهُ فاقْتَلَعَ رَأْسَهُ بيدِهِ فقالَ مُوسَى: {أَقْتَلْتَ نَفْسا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ} (الْكَهْف: ٧٤) {قالَ: أَلَمْ أقلْ لَكَ أنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرا} (الْكَهْف: ٧٥) . قالَ ابنُ عُيَيْنَةَ: وَهَذَا أوْكَد فانْطَلَقَا حَتَّى إِذا أتَيَا أهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أهْلَهَا فأبَوْا أنْ يُضِيِّفُوهُما، فَوَجَدَا فِيها جِدَارا يُرِيدُ أنْ يَنْقضَّ. فأقَامَهُ. قَالَ الخَضِرُ بِيَدِهِ فأقامَهُ، فقالَ لَهُ موسَى: {لوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أجْرا! قالَ: {هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنَكَ} (الْكَهْف: ٧٧ ٧٨) قَالَ النَّبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (يَرْحَمُ الله مُوسَى، لَودِدْنَا لَوْ صَبَرَ حتَّى يُقَصَّ عَلَيْنا مِنْ أمْرهمَا) .
مُطَابقَة الحَدِيث للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.
بَيَان رِجَاله: وهم سَبْعَة. الأول: عبد الله بن مُحَمَّد الْجعْفِيّ المسندي، بِفَتْح النُّون، وَقد تقدم. الثَّانِي: سُفْيَان بن عُيَيْنَة. الثَّالِث: عَمْرو بن دِينَار. الرَّابِع: سعيد بن جُبَير. الْخَامِس: عبد الله بن عَبَّاس. السَّادِس: نوف، بِفَتْح النُّون وَسُكُون الْوَاو وَفِي آخِره فَاء: ابْن فضَالة، بِفَتْح الْفَاء وَالضَّاد الْمُعْجَمَة: أَبُو يزِيد، وَيُقَال: أَبُو رشيد الْقَاص الْبكالِي، كَانَ عَالما فَاضلا إِمَامًا لأهل دمشق. وَقَالَ ابْن التِّين: كَانَ حاجبا لعَلي، رَضِي الله عَنهُ، وَكَانَ قَاصا، وَهُوَ ابْن امْرَأَة كَعْب الْأَحْبَار على الْمَشْهُور، وَقيل: ابْن أَخِيه، والبكالي، بِكَسْر الْبَاء الْمُوَحدَة وَتَخْفِيف الْكَاف: نِسْبَة إِلَى بني بكال، بطن من حمير. وَقَالَ الرشاطي. الْبكالِي فِي حمير ينْسب إِلَى بكال بن دغمي بن عَوْف بن عدي بن مَالك بن زيد بن سدد بن زرْعَة بن سبأ الْأَصْغَر. قَالَ الْهَمدَانِي: وَقيد دغميا بالغين الْمُعْجَمَة، قَالَ: وَسَائِر مَا فِي الْعَرَب بِالْعينِ الْمُهْملَة، وَضبط، بكالاً، بِفَتْح الْبَاء. وَأَصْحَاب الحَدِيث يَقُولُونَ بِالْفَتْح وَالْكَسْر. وَقَالَ صَاحب (الْمطَالع) : ونوف الْبكالِي أَكثر الْمُحدثين يفتحون الْبَاء ويشددون الْكَاف وَآخره لَام، وَكَذَا قيدناه عَن أبي بَحر، وَابْن أبي جَعْفَر عَن العذري، وَكَذَا قَالَه أَبُو ذَر، وَقيد عَن الْمُهلب بِكَسْر الْبَاء، وَكَذَلِكَ عَن الصَّدَفِي وَأبي الْحُسَيْن بن سراج بتَخْفِيف الْكَاف وَهُوَ الصَّوَاب نِسْبَة إِلَى بكال من حمير. . وَقَالَ أَبُو بكر بن الْعَرَبِيّ فِي شرح التِّرْمِذِيّ لَهُ: إِنَّه مَنْسُوب إِلَى بكيل، بطن من هَمدَان، ورد عَلَيْهِ بِأَن الْمَنْسُوب إِلَى بكيل إِنَّمَا هُوَ أَبُو الوداك جبر بن نوف وَغَيره، وَأما هَذَا نوف بن فضَالة فَهُوَ مَنْسُوب إِلَى بكال بطن من حمير. السَّابِع: أبي بن كَعْب الصَّحَابِيّ، رَضِي الله عَنهُ.
بَيَان لطائف إِسْنَاده: مِنْهَا: أَن فِيهِ التحديث والإخبار بِصِيغَة الْإِفْرَاد وَالسُّؤَال. وَمِنْهَا: أَن فِيهِ رِوَايَة تَابِعِيّ عَن تَابِعِيّ، وهما: عَمْرو وَسَعِيد. وَمِنْهَا: أَن فِيهِ رِوَايَة صَحَابِيّ عَن صَحَابِيّ، وَقد مر فِي بَاب: مَا ذكر فِي ذهَاب مُوسَى، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، فِي الْبَحْر إِلَى الْخضر، أَن البُخَارِيّ أخرج هَذَا الحَدِيث فِي أَكثر من عشرَة مَوَاضِع.
بَيَان اللُّغَات: قد مر فِي الْبَاب الْمَذْكُور تَفْسِير: بني إِسْرَائِيل ويوشع بن نون والصخرة والقصص. قَوْله: (فِي مكتل) ، بِكَسْر الْمِيم وَفتح التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق، وَهُوَ الزنبيل، وَيُقَال: القفة. وَيُقَال: فَوق القفة والزنبيل. وَفِي (الْعباب) : المكتل يشبه الزنبيل يسع خَمْسَة عشر صَاعا. قَوْله: (فانسل الْحُوت) من: سللت الشَّيْء أسله سلاً فانسلّ. وأصل التَّرْكِيب يدل على مد الشَّيْء فِي رفق وخفة. قَوْله: (سربا) أَي: ذَهَابًا، يُقَال: سرب سربا فِي المَاء إِذا ذهب فِيهِ ذَهَابًا. وَقيل: أمسك الله جرية المَاء على الْحُوت فَصَارَ عَلَيْهِ مثل الطاق، وَحصل مِنْهُ فِي مثل السرب، وَهُوَ ضد النفق، معْجزَة لمُوسَى أَو للخضر، عَلَيْهِمَا الصَّلَاة وَالسَّلَام. والسرب فِي الأَصْل حفير تَحت الأَرْض، والطاق: عِنْد الْبناء وَهُوَ الأزج، وَهُوَ مَا عقد أَعْلَاهُ بِالْبِنَاءِ وَترك تَحْتَهُ خَالِيا. وَجَاء: فَجعل المَاء لَا يلتئم حَتَّى صَار كالكوة، و: الكوة، بِالضَّمِّ وَالْفَتْح: الثقب فِي الْبَيْت. قَوْله: (نصبا) بِفَتْح النُّون وَالصَّاد أَي: تعبا. قَوْله: (إِذْ أوينا) من أَوَى إِلَى منزله لَيْلًا أَو نَهَارا، إِذا أَتَى. قَوْله: (نبغي) أَي: نطلب، من: بغيت الشَّيْء: طلبته. قَوْله: (فارتدا) أَي: رجعا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute