هاذَا منْ أهْلِ النَّارِ فلَمَّا حَضَرَ القِتَالُ قاتَلَ الرَّجُلُ أشَدَّ القِتَالِ حتَّى كَثُرَتْ بهِ الجِرَاحَةُ فَكادَ بَعْضُ النَّاسِ يَرْتَابُ فوَجَدَ الرَّجُلَ ألَمَ الجِرَاحَةِ فأهْوَى بِيَدِهِ إلَى كِنانَتِهِ فاسْتَخْرَجَ مِنْهَا أسْهُمَاً فنَحَرَ بِهَا نَفْسَهُ فَاشْتَدَّ رِجالٌ مِنَ المُسْلِمِينَ فَقالُوا يَا رسُولَ الله صَدَقَ الله حَدِيثَكَ انْتَحَرَ فُلَانٌ فقَتَلَ نَفْسَهُ فَقالَ قُمْ يَا فُلَانُ فأذِّنْ أنَّهُ لَا يَدْخُلُ الجَنَّةَ إلَاّ مُؤْمِنٌ إنَّ الله يُؤَيِّدُ الدِّينَ بالرَّجُلِ الفَاجِرِ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَأَبُو الْيَمَان الحكم بن نَافِع وَشُعَيْب بن أبي حَمْزَة. والْحَدِيث مضى فِي الْجِهَاد فِي: بَاب إِن الله يُؤَيّد الدّين بِالرجلِ الْفَاجِر، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ بأتم مِنْهُ من طَرِيقين.
قَوْله: (لرجل) اللَّام فِيهِ بِمَعْنى، عَن. كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {وَقَالَ الَّذين كفرُوا للَّذين آمنُوا} (مَرْيَم: ٧٣) . وَيجوز أَن يكون بِمَعْنى: فِي كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {وَنَضَع الموازين الْقسْط ليَوْم الْقِيَامَة} (الْأَنْبِيَاء: ٤٧، العنكبوت: ١٢، يس: ٤٧، الْأَحْقَاف: ١١) . وَالْمعْنَى: قَالَ فِي شَأْنه. قَوْله: (فَاشْتَدَّ) أَي: أسْرع فِي الجري قَوْله: (انتحر) أَي: نحر نَفسه. قَوْله: (يرتاب) ، أَي: يشك فِي صدق الرَّسُول وَحَقِيقَة الْإِسْلَام، وَفِي رِوَايَة معمر فِي الْجِهَاد: أَن يرتاب، وَدخُول: أَن، على خبر: كَاد، جَائِز مَعَ قلَّة. قَوْله: (قُم يَا فلَان) هُوَ بِلَال، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، كَمَا وَقع صَرِيحًا فِي الْجِهَاد. قَوْله: (يُؤَيّد) وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: ليؤيد. قَوْله: (بِالرجلِ الْفَاجِر) ، يحْتَمل أَن يكون: اللَّام للْجِنْس فَيعم كل فَاجر أيد الدّين وساعده بِوَجْه من الْوُجُوه، وَيحْتَمل أَن تكون للْعهد عَن ذَلِك الشَّخْص الْمعِين، وَهُوَ قزمان الْمَذْكُور فِي الحَدِيث السَّابِق، وَلكنه إِنَّمَا يكون للْعهد إِذا كَانَ الحديثان متحدين فِي الأَصْل، وَالظَّاهِر التَّعَدُّد، وَالله أعلم.
تابَعَهُ مَعْمَرٌ عنِ الزُّهْرِيِّ
أَي: تَابع شعيباً معمر بن رَاشد عَن الزُّهْرِيّ فِي هَذَا الْإِسْنَاد، وَقد مرت هَذِه الْمُتَابَعَة مَوْصُولَة فِي الْجِهَاد فِي الْبَاب الَّذِي ذَكرْنَاهُ.
٤٢٠٤ - وقَالَ شَبِيبٌ عنْ يُونُسَ عنِ ابنِ شِهَابٍ أخْبَرَنِي ابنُ المُسَيَّلِ وعَبْدُ الرَّحْمانِ بنُ عَبْدِ الله بنِ كَعْبٍ أنَّ أبَا هُرَيْرَةَ قَالَ شَهِدْنَا مَعَ النِّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خَيْبَرَ.
شبيب بِفَتْح الشين الْمُعْجَمَة وَكسر الْبَاء الْمُوَحدَة الأولى: ابْن سعيد، مر فِي الاستقراض، وَيُونُس هُوَ ابْن يزِيد، وَابْن شهَاب هُوَ مُحَمَّد بن مُسلم الزُّهْرِيّ، وَهَذَا تَعْلِيق وَصله النَّسَائِيّ عَن عبد الْملك بن عبد الحميد الْمَيْمُونِيّ عَن مُحَمَّد بن شبيب عَن أَبِيه عَن يُونُس، فَذكره.
وَقَالَ ابنُ المُبَارَكِ عنْ يُونُسَ عنْ الزُّهْرِيِّ عنْ سَعِيدٍ عنِ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
ابْن الْمُبَارك هُوَ عبد الله الْمروزِي، هَذَا تَعْلِيق ومرسل أَرَادَ بِهَذَا أَن ابْن الْمُبَارك وَافق شبيباً فِي لفظ حنين، وَخَالفهُ فِي الْإِسْنَاد فَأرْسلهُ، وَقد مر طَرِيق ابْن الْمُبَارك فِي الْجِهَاد، وَلَيْسَ فِيهِ تعْيين الْغَزْوَة.
تابَعَهُ صالِحٌ عنِ الزُّهْرِيِّ
أَي: تَابع ابْن الْمُبَارك صَالح بن كيسَان عَن الزُّهْرِيّ، وَقد روى البُخَارِيّ هَذِه الْمُتَابَعَة فِي (تَارِيخه) ، قَالَ: قَالَ لي عبد الْعَزِيز الأويسي عَن إِبْرَاهِيم بن سعد عَن صَالح بن كيسَان عَن ابْن شهَاب: أَخْبرنِي عبد الرَّحْمَن بن عبيد الله بن كَعْب بن مَالك أَن بعض من شهد مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: إِن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ لرجل مَعَه: (هَذَا من أهل النَّار) الحَدِيث، قَالَ بَعضهم: فَظهر من هَذَا أَن المُرَاد بالمتابعة فِي ترك ذكر اسْم الْغَزْوَة لَيْسَ إلَاّ. قلت: لَا نسلم ذَلِك، لِأَن ابْن الْمُبَارك تَابع شبيباً فِي لفظ: حنين، وَصَالح بن كيسَان تَابع ابْن الْمُبَارك، وَالظَّاهِر أَن الْمُتَابَعَة أَعم من أَن تكون فِي لفظ: حنين، وَفِي غَيره من الْمَتْن والإسناد، وَلَا يلْزم من عدم ذكر لفظ: حنين، فِي رِوَايَة البُخَارِيّ فِي (تَارِيخه) أَن لَا يكون المُرَاد من قَوْله: مِمَّن شهد مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، شُهُوده فِي حنين لاحْتِمَال طي بعض الروَاة ذكره.