الرجز الْمَذْكُور، وَقَالَ لأبي سُفْيَان بن الْحَارِث: ناولني تُرَابا فَنَاوَلَهُ، وَكَانَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، على بغلته الْبَيْضَاء الَّتِي أهداها لَهُ فَرْوَة بن نفاثة، وَقَالَ ابْن هِشَام: قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، حِينَئِذٍ لبغلته الشَّهْبَاء الْبَدِيِّ، فَوضعت بَطنهَا على الأَرْض فَأخذ حفْنَة فَضرب بهَا وُجُوه هوَازن وَعند ابْن سعد: هَذِه البغلة هِيَ دُلْدُل، وَفِي مُسلم: بغلته الشَّهْبَاء يَعْنِي: دُلْدُل الَّتِي أهداها لَهُ الْمُقَوْقس، وَيجوز أَن يكون ركبهما يومئذٍ مَعًا، وَالله أعلم.
قَوْله: (ثمَّ أنزل الله سكينته) أَي: الأمنة والطمأنينة بعد الْهَزِيمَة. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيّ: رَحمته الَّتِي سكنوا بهَا وآمنوا. قَوْله: (وَانْزِلْ جُنُودا لم تَرَ) قَالَ ابْن عَبَّاس: يَعْنِي الْمَلَائِكَة، وَكَانُوا ثَمَانِيَة آلَاف، وَقيل: خَمْسَة آلَاف، وَقيل: سِتَّة عشر ألفا، وَكَانَ سِيمَاهُمْ عمائم حمراً قد أرخوها بَين أكتافهم. قَوْله: (وعذب الَّذين كفرُوا) أَي: بِالْقَتْلِ والهزيمة، وَقيل: بالخوف، وَقيل: بالأسر وَسبي الْأَوْلَاد، وَسبي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، مِنْهُم سِتَّة آلَاف رَأس، وَمن الْإِبِل أَرْبَعَة وَعشْرين ألف بعير، وَمن الْغنم أَكثر من أَرْبَعِينَ ألفا، وَمن الْفضة أَرْبَعَة آلَاف أُوقِيَّة. قَوْله: (وَذَلِكَ جَزَاء الْكَافرين) أَي: مَا ذكر من الْقَتْل والأسر جَزَاء الْكَافرين. قَوْله: (ثمَّ يَتُوب الله من بعد ذَلِك على من يَشَاء فيهديه إِلَى الْإِسْلَام وَلَا يؤاخذه بِمَا سلف مِنْهُ وَالله غَفُور رَحِيم) وَقد تَابَ الله على بَقِيَّة هوَازن وَأَسْلمُوا وَقدمُوا مُسلمين وَلَحِقُوا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَقد قَارب مَكَّة عِنْد الْجِعِرَّانَة، وَذَلِكَ بعد الْوَقْعَة بقريب من عشْرين يَوْمًا، فَعِنْدَ ذَلِك خيّرهم بَين سَبْيهمْ وَأَمْوَالهمْ، فَاخْتَارُوا سَبْيهمْ وَقسم أَمْوَالهم بَين الْغَانِمين، وَنفل نَاسا من الطُّلَقَاء لتتألف قُلُوبهم على الْإِسْلَام فَأَعْطَاهُمْ: مائَة مائَة من الْإِبِل، وَكَانَ من جملَة من أعْطى مائَة مَالك بن عَوْف النضري فَاسْتَعْملهُ على قومه، كَمَا كَانَ، وَقَالَ أَبُو عمر: مَالك بن عَوْف بن سعد بن ربيعَة بن يَرْبُوع بن وَاثِلَة بن دهمان بن نضر بن بكر بن هوَازن النضري، انهزم يَوْم حنين كَافِرًا وَلحق بِالطَّائِف، فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَو أَتَانِي مُسلما لرددت إِلَيْهِ أَهله وَمَاله، فَبَلغهُ ذَلِك فلحق برَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَقد خرج من الْجِعِرَّانَة فَأسلم وَأَعْطَاهُ من الْإِبِل كَمَا أعْطى سَائِر الْمُؤَلّفَة قُلُوبهم وَهُوَ أحدهم، وَحسن إِسْلَامه فامتدحه بقصيدته الَّتِي يَقُول فِيهَا.
(مَا إِن رَأَيْت وَلَا سَمِعت بِمثلِهِ ... فِي النَّاس كلهم بِمثل مُحَمَّد)
(أوفى وَأعْطى للجزيل إِذا إحتدى ... وَمَتى يَشَاء يُخْبِرك عَمَّا فِي غَد)
(وَإِذا الكتيبة غردت أنيابها ... بالسمهري وَضرب كل مهند)
(فَكَأَنَّهُ لَيْث على أشباله ... وسط الْمِيَاه جاذر فِي مرصد)
٤٣١٥ - حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ كَثِيرٍ حَدثنَا سُفْيَانُ عنْ أبي إسْحاق قَالَ سَمِعْتُ البَرَاءَ رَضِي الله
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute