الْقِرَاءَة فِي السَّبْعَة وَلَا فِي الْمَشْهُورَة فِي غَيرهَا، وَقد أغفلها أَبُو عبيد فِي كتاب الْقرَاءَات لَهُ من قِرَاءَة الْأَعْمَش. وَقَالَ النَّوَوِيّ: أَكثر نسخ البُخَارِيّ وَمُسلم: وَمَا أُوتُوا. وَذكر مُسلم الِاخْتِلَاف فِي هَذِه اللَّفْظَة عَن الْأَعْمَش، فَرَوَاهُ وَكِيع على الْقِرَاءَة الْمَشْهُورَة. وَرَوَاهُ عِيسَى بن يُونُس عَنهُ: وَمَا أُوتُوا. قَالَ القَاضِي عِيَاض: اخْتلف المحدثون فِيمَا وَقع من ذَلِك، فَذهب بَعضهم إِلَى أَن الْإِصْلَاح على الصَّوَاب، وَاحْتج أَنه إِنَّمَا قصد بِهِ الِاسْتِدْلَال على مَا سيقت بِسَبَبِهِ، وَلَا حجَّة إلَاّ فِي الصَّحِيح الثَّابِت فِي الْمُصحف. وَقَالَ قوم: تتْرك على حَالهَا وينبه عَلَيْهَا، لِأَن من الْبعيد خَفَاء ذَلِك على الْمُؤلف وَمن نقل عَنهُ وهلم جرا، فلعلها قِرَاءَة شَاذَّة. قَالَ عِيَاض: هَذَا لَيْسَ بِشَيْء لِأَنَّهُ لَا يحْتَج بِهِ فِي حكم وَلَا يقْرَأ فِي صَلَاة. قَالَ: وَاخْتلف أَصْحَاب الْأُصُول فِيمَا نقل آحادا، وَمِنْه الْقِرَاءَة الشاذة كمصحف ابْن مَسْعُود وَغَيره، هَل هُوَ حجَّة أم لَا؟ فنفاه الشَّافِعِي، وأثبته أَبُو حنيفَة وَبنى عَلَيْهِ وجوب التَّتَابُع فِي صَوْم كَفَّارَة الْيَمين بِمَا نقل عَن مصحف ابْن مَسْعُود من قَوْله: (ثَلَاث أَيَّام مُتَتَابِعَات) . وَبقول الشَّافِعِي قَالَ الْجُمْهُور، وَاسْتَدَلُّوا بِأَن الرَّاوِي لَهُ إِن ذكره على أَنه قُرْآن فخطأ وإلَاّ فَهُوَ مُتَرَدّد بَين أَن يكون خَبرا أَو مذهبا لَهُ، فَلَا يكون حجَّة بِالِاحْتِمَالِ وَلَا خَبرا، لِأَن الْخَبَر مَا صرح الرَّاوِي فِيهِ بِالتَّحْدِيثِ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَيحمل على أَنه مَذْهَب لَهُ. وَقَالَ أَبُو حنيفَة، إِذا لم يثبت كَونه قُرْآنًا فَلَا أقل من كَونه خَبرا. وَقَالَ الْغَزالِيّ وَالْفَخْر الرَّازِيّ: خبر الْوَاحِد لَا دَلِيل على كَونه كذبا، وَهَذَا خطأ قطعا، وَالْخَبَر الْمَقْطُوع بكذبه لَا يجوز أَن يعْمل بِهِ، وَنَقله قُرْآنًا خطأ. قلت: لَا نسلم أَن هَذَا خطأ قطعا، لِأَنَّهُ خبر صَحَابِيّ أَو خبر عَنهُ، وَأي دَلِيل قَامَ على أَنه خبر مَقْطُوع بكذبه، وَقَول الصَّحَابِيّ حجَّة عِنْده؟ .
٤٨ - بابُ مَنْ تَرَكَ بَعْضَ الإِخْتِيَارِ مَخَافَةَ أنْ يَقْصُرَ فَهْمُ بَعْض النَّاسِ عَنْهُ فَيقعُوا فِي أشَدَّ مِنْهُ
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان من ترك ... الخ. وَكلمَة: من، مَوْصُولَة، وَأَرَادَ بِالِاخْتِيَارِ: الْمُخْتَار، وَالْمعْنَى: من ترك فعل الشَّيْء الْمُخْتَار أَو الْإِعْلَام بِهِ، و: مَخَافَة، نصب على التَّعْلِيل أَي لأجل خوف أَن يقصر. و: أَن، مَصْدَرِيَّة فِي مَحل الْجَرّ بِالْإِضَافَة، و: فهم بعض النَّاس، بِالرَّفْع فَاعل يقصر. قَوْله: (فيقعوا) عطف على قَوْله: (يقصر) ، فَلذَلِك سقط مِنْهُ النُّون عَلامَة للنصب. قَوْله: (فِي أَشد مِنْهُ) أَي من ترك الِاخْتِيَار، وَفِي بعض النّسخ: (فِي أشر مِنْهُ) وَفِي بَعْضهَا: (فِي شَرّ مِنْهُ) .
وَجه الْمُنَاسبَة بَين الْبَابَيْنِ من حَيْثُ إِن الْمَذْكُور فِي الْبَاب الأول ترك الْجَواب للسَّائِل لحكمة اقْتَضَت ذَلِك، وَهَهُنَا أَيْضا ترك بعض الْمُخْتَار لحكمة اقْتَضَت ذَلِك، وَهُوَ أَن بِنَاء الْكَعْبَة كَانَ جَائِزا، وَلكنه ترك إِعْلَام جَوَازه لكَوْنهم قريب الْعَهْد بالْكفْر، فخشي أَن تنكر ذَلِك قُلُوبهم، فَتَركه.
٦٧ - (حَدثنَا عبيد الله بن مُوسَى عَن إِسْرَائِيل عَن أبي إِسْحَاق عَن الْأسود قَالَ قَالَ لي ابْن الزبير كَانَت عَائِشَة تسر إِلَيْك كثيرا فَمَا حدثتك فِي الْكَعْبَة قلت قَالَت لي قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَا عَائِشَة لَوْلَا قَوْمك حَدِيث عَهدهم قَالَ ابْن الزبير بِكفْر لنقضت الْكَعْبَة فَجعلت لَهَا بَابَيْنِ بَاب يدْخل النَّاس وَبَاب يخرجُون فَفعله ابْن الزبير الحَدِيث مُطَابقَة الحَدِيث للتَّرْجَمَة من جِهَة الْمَعْنى وَهُوَ أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ترك نقض الْكَعْبَة الَّذِي هُوَ الِاخْتِيَار مَخَافَة أَن تَتَغَيَّر عَلَيْهِ قُرَيْش لأَنهم كَانُوا يعظمونها جدا فيقعون بِسَبَب ذَلِك فِي أَمر أَشد من ذَلِك الِاخْتِيَار (بَيَان رِجَاله) وهم سِتَّة تقدم ذكرهم مَا خلا إِسْرَائِيل وَالْأسود أما إِسْرَائِيل فَهُوَ ابْن يُونُس بن أبي اسحق السبيعِي الْهَمدَانِي الْكُوفِي أَبُو يُوسُف قَالَ أَحْمد كَانَ شَيخا ثِقَة وَجعل يتعجب من حفظه سمع جده أَبَا إِسْحَق عَمْرو بن عبد الله السبيعِي بِفَتْح السِّين الْمُهْملَة وَكسر الْبَاء الْمُوَحدَة نِسْبَة إِلَى سبيع ابْن سبع بن صَعب بن مُعَاوِيَة بن كثير بن مَالك بن جشم بن حاشد ولد إِسْرَائِيل فِي سنة مائَة وَمَات فِي سنة سِتِّينَ وَمِائَة وَأما الْأسود فَهُوَ ابْن يزِيد بن قيس النَّخعِيّ خَال إِبْرَاهِيم أدْرك زمن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلم يره مَاتَ سنة خمس وَسبعين بِالْكُوفَةِ سَافر ثَمَانِينَ حجَّة وَعمرَة وَلم يجمع بَينهمَا وَكَذَا ابْنه عبد الرَّحْمَن بن الْأسود سَافر ثَمَانِينَ حجَّة وَعمرَة وَلم يجمع بَينهمَا قَالَ ابْن قُتَيْبَة كَانَ يَقُول فِي تلبيته لبيْك أَنا الْحَاج ابْن الْحَاج وَكَانَ يُصَلِّي كل يَوْم سَبْعمِائة رَكْعَة وَصَارَ عظما وجلدا وَكَانُوا يسمون آل الْأسود أهل الْجنَّة مَاتَ سنة خمس وَتِسْعين روى لَهُ الْجَمَاعَة وَفِي الصَّحِيحَيْنِ الْأسود جمَاعَة غير هَذَا مِنْهُم الْأسود بن عَامر شَاذان.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute