لَا تأتوها حَتَّى يضحى النَّهَار، فَمن جاءها فَلَا يمس من مَائِهَا شَيْئا حَتَّى آتِي، فَهَذَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سَمَّاهَا تَبُوك قبل أَن يَأْتِيهَا. وَفِي رِوَايَة ابْن إِسْحَاق؛ فَقَالَ، يَعْنِي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من سبق إِلَيْهَا؟ قَالُوا: يَا رَسُول الله {فلَان وَفُلَان وَفُلَان، وَفِي رِوَايَة الْوَاقِدِيّ: سبقه إِلَيْهَا أَرْبَعَة من الْمُنَافِقين: معتب بن قُشَيْر والْحَارث بن يزِيد الطَّائِي ووديعة بن ثَابت وَيزِيد بن لصيت، وَبَينهَا وَبَين الْمَدِينَة نَحْو أَربع عشرَة مرحلة، وَبَينهَا وَبَين دمشق إِحْدَى عشرَة مرحلة، وَقَالَ الْكرْمَانِي: تَبُوك مَوضِع بِالشَّام. قلت: فِيهِ نظر، لِأَن أهل تَقْوِيم الْبلدَانِ قَالُوا: تَبُوك بُلَيدة بَين الْحجر وَالشَّام وَبِه عين ونخيل، وَقيل: كَانَ أَصْحَاب الأيكة بهَا، وَالْمَشْهُور ترك الصّرْف للتأنيث والعلمية، وَجَاء فِي البُخَارِيّ: حَتَّى بلغ تَبُوكا، تَغْلِيبًا للموضع، وغزوة تَبُوك هِيَ آخر غَزْوَة غَزَاهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِنَفسِهِ، وَقَالَ ابْن سعد: خرج إِلَيْهَا رَسُول الله فِي رَجَب سنة تسع يَوْم الْخَمِيس، قَالُوا: بلغه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن الرّوم قد جمعت جموعاً كَثِيرَة بِالشَّام، وَأَن هِرقل قد رزق أَصْحَابه لسنة وأجلبت مَعَه لخم وجذام وعاملة وغسان وَقدمُوا مقدمائهم إِلَى البلقاء، فندب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم النَّاس إِلَى الْخُرُوج، وأعلمهم بِالْمَكَانِ الَّذِي بريد لِيَتَأَهَّبُوا لذَلِك، وَذَلِكَ فِي حر شَدِيد، واستخلف على الْمَدِينَة مُحَمَّد بن مسلمة، وَهُوَ أثبت عندنَا. وَقَالَ أَبُو عمر: أَلا ثَبت عندنَا عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَقَالَ ابْن سعد: فَلَمَّا سَار تخلف ابْن أبي وَمن كَانَ مَعَه فَقدم صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تَبُوك فِي ثَلَاثِينَ ألفا من النَّاس كَانَت الْخَيل عشرَة آلَاف، وَأقَام بهَا عشْرين يَوْمًا يقصر الصَّلَاة ولحقه بهَا أَبُو ذَر وَأَبُو خَيْثَمَة ثمَّ انْصَرف رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلم يلق كيداً، وَقدم فِي شهر رَمَضَان سنة تسع، وَقَالَ ابْن الْأَثِير فِي (كتاب الصَّحَابَة) : عَن أبي زرْعَة الرَّازِيّ: شهد مَعَه تَبُوك أَرْبَعُونَ ألفا، وَفِي كتاب الْحَاكِم: عَن أبي زرْعَة: سَبْعُونَ ألفا، وَيجوز أَن يكون عد مرّة الْمَتْبُوع وَمرَّة التَّابِع، وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَقد رُوِيَ فِي سَبَب خُرُوجه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى تَبُوك وَسبب رُجُوعه خبر إِن صَحَّ، ثمَّ ذكر من حَدِيث شهر بن حَوْشَب عَن عبد الرَّحْمَن بن غنم: أَن الْيَهُود أَتَوا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالُوا: يَا أَبَا الْقَاسِم} إِن كنت صَادِقا أَنْت نَبِي فَالْحق بِالشَّام فَإِنَّهَا أَرض الْمَحْشَر، وَأَرْض الْأَنْبِيَاء، عَلَيْهِم السَّلَام، فَصدق مَا قَالُوا، فغزا غَزْوَة تَبُوك لَا يُرِيد إلَاّ الشَّام، فَلَمَّا بلغ تَبُوك أنزل الله عَلَيْهِ آيَات من سُورَة بني إِسْرَائِيل: {وَإِن كَادُوا ليستفزونك من الأَرْض ليخرجوك مِنْهَا} إِلَى قَوْله: {تحويلاً} (الْإِسْرَاء: ٧٦) ، وَأمره تَعَالَى بِالرُّجُوعِ إِلَى الْمَدِينَة، وَقَالَ: فِيهَا محياك وفيهَا مماتك وَمِنْهَا تبْعَث ... الحَدِيث، وَهُوَ مُرْسل بِإِسْنَاد حسن.
وهْيَ غَزْوَةُ العُسْرَةِ
أَي: غَزْوَة تَبُوك غَزْوَة الْعسرَة، بِضَم الْعين وَسُكُون السِّين الْمُهْمَلَتَيْنِ، مَأْخُوذ من قَوْله تَعَالَى: {الَّذين اتَّبعُوهُ فِي سَاعَة الْعسرَة} (التَّوْبَة: ١١٧) وروى ابْن خُزَيْمَة من حَدِيث ابْن عَبَّاس، قيل لعمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: حَدثنَا عَن بَيَان سَاعَة الْعسرَة؟ قَالَ: خرجنَا إِلَى تَبُوك فِي قيظ شَدِيد فأصابنا عَطش ... الحَدِيث، وَفِي تَفْسِير عبد الرَّزَّاق عَن معمر عَن أبي عقيل، قَالَ: خَرجُوا فِي قلَّة من الظّهْر وَفِي حر شَدِيد حَتَّى كَانُوا ينحرون الْبَعِير فيشربون مَا فِي كرشه من المَاء، فَكَانَ ذَلِك عسرة فِي المَاء وَفِي الظّهْر وَفِي النَّفَقَة، فسميت: غَزْوَة الْعسرَة.
٤٤١٥ - ح دّثني مُحَمَّدُ بنُ العَلاءِ حَدثنَا أبُو أُسامَةَ عنْ بُرَيْدِ بنِ عبْدِ الله بن أبي بُرْدَةَ عنْ أبي بُرْدَة عنْ أبي مُوساى رَضِي الله عنهُ قَالَ أرْسَلني أصْحابي إِلَى رسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أسألُهُ الحُمْلَانَ لهُمْ إذْ هُمْ معَهُ فِي جَيْشِ العُسْرَةِ وهْيَ غزْوَةُ تَبُوكَ فقُلْتُ يَا نَبيَّ الله إنَّ أصْحابي أرسَلُونِي إليْك لِتَحْمِلَهُمْ فَقال وَالله لَا أحْمِلُكُمْ عَلى شَيْءٍ وَوافَقْتُهُ وهْوَ غَضْبانُ وَلَا أشْعرُ ورَجَعْتُ حَزِيناً مِنْ مَنْع النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ومِنْ مَخافَةٍ أنْ يكُونَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وجَدَ فِي نَفْسِهِ عَلَيَّ فَرَجَعْتُ إِلَى أصْحابي فأخْبَرْتُهُمُ الَّذِي قَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فلَمْ ألْبَثْ إلَاّ سُوَيْعَةً إذْ سَمِعْتُ بلَالاً يُنادِي أيْ عبْدَ الله بنَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute