الله بتبليغه حَيْثُ قَالَ {وَإِذ أَخذ الله مِيثَاق الَّذين أُوتُوا الْكتاب ليبيننه للنَّاس وَلَا يكتمونه} وَقَالَ الْجَوْهَرِي تأثم أَي تحرج عَنهُ وكف قلت هَذَا من بَاب تفعل وَله معَان مِنْهَا التجنب يَعْنِي ليدل على أَن الْفَاعِل جَانب أصل الْفِعْل نَحْو تأثم وتحرج أَي جَانب الْإِثْم والحرج (بَيَان الْإِعْرَاب) قَوْله ومعاذ بِالرَّفْع مُبْتَدأ أَو رَدِيف خَبره أَو الْجُمْلَة حَال قَوْله على الرحل حَال أَيْضا قَوْله قَالَ يَا معَاذ فِي مَحل الرّفْع لِأَنَّهُ خبر إِن أَعنِي أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَوْله يَا معَاذ بن جبل يجوز فِي معَاذ وَجْهَان من الْإِعْرَاب أَحدهمَا النصب على أَنه مَعَ مَا بعده كاسم وَاحِد مركب والمنادى الْمُضَاف مَنْصُوب وَالْآخر الرّفْع على أَنه منادى مُفْرد علم وَأما ابْن فَهُوَ مَنْصُوب بِلَا خلاف وَاخْتَارَ ابْن الْحَاجِب النصب فِي معَاذ وَقَالَ ابْن مَالك الِاخْتِيَار فِيهِ الضَّم لِأَنَّهُ لَا يحْتَاج إِلَى اعتذار وَقَالَ ابْن التِّين يجوز النصب على أَن قَوْله معَاذ زَائِد فالتقدير يَابْنَ جبل وَفِيه مَا فِيهِ قَوْله لبيْك من المصادر الَّتِي يجب حذف فعلهَا ونصبها وَكَانَ حَقه أَن يُقَال لبالك كَمَا ذكرنَا وَلكنه ثنى على معنى التَّأْكِيد وَكَذَا قَوْله وَسَعْديك مثله وَقَالَ الْأَزْهَرِي معنى لبيْك أَنا مُقيم على طَاعَتك إِقَامَة بعد إِقَامَة أَصْلهَا لبين فحذفت النُّون للإضافة قَالَ الْفراء نصب على المصدرية وَقَالَ ابْن السّكيت كَقَوْلِك حمدا وشكرا قَوْله ثَلَاثًا يتَعَلَّق بقول كل وَاحِد من النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ومعاذ أَي ثَلَاث مَرَّات يَعْنِي النداء والإجابة قيلا ثَلَاثًا وَصرح بذلك من رِوَايَة مُسلم وَقَالَ الْكرْمَانِي وَيحْتَمل أَن يتَعَلَّق بقول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَا معَاذ ثَلَاث مَرَّات وَقَالَ معَاذ لبيْك ثَلَاث مَرَّات فَيكون من بَاب تنَازع العاملين قلت لَا معنى لذكر الِاحْتِمَال بل الْمَعْنى على مَا ذكرنَا وَأَرَادَ بتنازع لفظ قَالَ فِي الْمَوْضِعَيْنِ أَعنِي قَوْله قَالَ يَا معَاذ وَقَوله قَالَ لبيْك فَإِن كلا مِنْهُمَا يَقْتَضِي الْعَمَل فِي ثَلَاثًا قَوْله مَا من أحد كلمة مَا للنَّفْي وَكلمَة من زَائِدَة لتأكيد النَّفْي وَاحِد اسْم مَا وَيشْهد خَبَرهَا وَكلمَة أَن مفسرة قَوْله صدقا يجوز فِي انتصابه وَجْهَان أَحدهمَا أَن يكون حَالا بِمَعْنى صَادِقا وَالْآخر أَن يكون صفة مصدر مَحْذُوف أَي شَهَادَة صدقا قَوْله من قلبه يجوز أَن يتَعَلَّق بقوله صدقا فالشهادة لفظية وَيجوز أَن يتَعَلَّق بقوله يشْهد فالشهادة قلبية قَوْله إِلَّا حرمه الله اسْتثِْنَاء من أَعم عَام الصِّفَات أَي مَا أحد يشْهد كَائِنا بِصفة التَّحْرِيم قَوْله أَفلا أخبر الْهمزَة للاستفهام ومعطوف الْفَاء مَحْذُوف تَقْدِيره أقلت ذَلِك فَلَا أخبر وَبِهَذَا يُجَاب عَمَّا قيل أَن الْهمزَة تَقْتَضِي الصدارة وَالْفَاء تَقْتَضِي عدم الصدارة فَمَا وَجه جَمعهمَا وَاعْلَم أَن همزَة الِاسْتِفْهَام إِذا كَانَت فِي جملَة معطوفة بِالْوَاو أَو بِالْفَاءِ أَو بثم قدمت على العاطف تَنْبِيها على أصالتها فِي التصدر نَحْو {أولم ينْظرُوا} {أفلم يَسِيرُوا} {أَثم إِذا مَا وَقع آمنتم بِهِ} وَأَخَوَاتهَا وتتأخر عَن حُرُوف الْعَطف كَمَا هُوَ قِيَاس جَمِيع أَجزَاء الْكَلِمَة المعطوفة نَحْو {وَكَيف تكفرون} {فَأَيْنَ تذهبون} {فَأنى تؤفكون} {فَهَل يهْلك إِلَّا الْقَوْم الْفَاسِقُونَ} {فَأَي الْفَرِيقَيْنِ} {فَمَا لكم فِي الْمُنَافِقين فئتين} هَذَا مَذْهَب سِيبَوَيْهٍ وَالْجُمْهُور قَوْله النَّاس بِالنّصب لِأَنَّهُ مفعول أخبر قَوْله فيستبشروا بِحَذْف النُّون لِأَن الْفِعْل ينصب بعد الْفَاء المجاب بهَا بعد النَّفْي والاستفهام وَالْعرض وَالتَّقْدِير فَإِن يستبشروا وَفِي رِوَايَة أبي ذَر يستبشرون بِإِثْبَات النُّون وَالتَّقْدِير فهم يستبشرون قَوْله إِذا جَوَاب وَجَزَاء أَي إِن أَخْبَرتهم يتكلوا كَأَنَّهُ قَالَ لَا تخبرهم لأَنهم حِينَئِذٍ يتكلون على الشَّهَادَة الْمُجَرَّدَة فَلَا يشتغلون بِالْأَعْمَالِ الصَّالِحَة قَوْله تأثما نصب على أَنه مفعول لَهُ أَي مَخَافَة التأثم (بَيَان الْمعَانِي) قَوْله ومعاذ هُوَ معَاذ بن جبل رَضِي الله عَنهُ قَوْله صدقا من قلبه احْتَرز بِهِ عَن شَهَادَة الْمُنَافِقين وَقَالَ بَعضهم الصدْق كَمَا يعبر بِهِ قولا عَن مُطَابقَة القَوْل الْمخبر عَنهُ قد يعبر بِهِ فعلا عَن تحري الْأَفْعَال الْكَامِلَة قَالَ الله تَعَالَى {وَالَّذِي جَاءَ بِالصّدقِ وَصدق بِهِ} أَي حقق مَا أوردهُ قولا بِمَا تحراه فعلا قلت أَشَارَ إِلَى هَذَا الْمَعْنى أَيْضا الطَّيِّبِيّ حَيْثُ قَالَ قَوْله صدقا هُنَا أقيم مقَام الاسْتقَامَة وَأَشَارَ بِهَذَا إِلَى دفع مَا قيل فِي أَن ظَاهر الْخَبَر يَقْتَضِي عدم دُخُول جَمِيع من شهد الشَّهَادَتَيْنِ النَّار لما فِيهِ من التَّعْمِيم والتأكيد وَذَلِكَ لِأَن الْأَدِلَّة القطعية قد دلّت عِنْد أهل السّنة وَالْجَمَاعَة أَن طَائِفَة من عصاة الْمُوَحِّدين يُعَذبُونَ ثمَّ يخرجُون من النَّار بالشفاعة قَالَ الطَّيِّبِيّ وَلأَجل خَفَاء ذَلِك لم يُؤذن لِمعَاذ رَضِي الله عَنهُ فِي التبشير بِهِ وَقد أُجِيب عَن هَذَا بأجوبة أُخْرَى مِنْهَا أَن هَذَا مُقَيّد بِمن يَأْتِي بِالشَّهَادَتَيْنِ تَائِبًا ثمَّ مَاتَ على ذَلِك وَمِنْهَا أَنه أخرج مخرج الْغَالِب إِذْ الْغَالِب أَن الموحد يعْمل الطَّاعَة ويجتنب الْمعْصِيَة وَمِنْهَا أَن المُرَاد بِتَحْرِيمِهِ على النَّار تَحْرِيم خلوده فِيهَا لَا أصل دُخُوله فِيهَا وَمِنْهَا أَن
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute