للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

لأجل التَّصَدُّق، وَيجوز أَن يكون حَالا بِمَعْنى: متصدقاً. قَوْله: (إِلَى الله) كلمة: إِلَى بِمَعْنى اللَّام، أَي: صَدَقَة خَالِصَة لله تَعَالَى وَلِرَسُولِهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. قَوْله: (أمسك عَلَيْك بعض مَالك) ، إِنَّمَا أمره بذلك خوفًا من تضرره بالفقر وَعدم صبره على الْفَاقَة، وَلَا يُخَالف هَذَا صَدَقَة أبي بكر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، بِجَمِيعِ مَاله لِأَنَّهُ كَانَ صَابِرًا رَاضِيا. قَوْله: (أبلاه الله) ، أَي: أنعم عَلَيْهِ. قَوْله: (أَن لَا أكون) ، بدل من قَوْله: (من صدقي) أَي: مَا أنعم أعظم من عدم كذبي ثمَّ عدم هلاكي. قَالَ النَّوَوِيّ رَحمَه الله: قَالُوا لَفْظَة: لَا، زَائِدَة وَمَعْنَاهُ: أَن أكون كَذبته نَحْو مَا مَنعك أَن لَا تسْجد. قَوْله: (فَأهْلك) بِالنّصب أَي: فَإِن لَك، بِكَسْر اللَّام وَفتحهَا. قَوْله: (كَمَا هلك الَّذين) أَي: كهلاك الَّذين، (كذبُوا) قَوْله: للَّذين أَي: لأجل الَّذين كذبُوا. قَوْله: (شَرّ مَا قَالَ لأحد) أَي: قَالَ قولا سر مَا قَالَ، بِالْإِضَافَة أَي: شَرّ القَوْل الْكَائِن لأحد من النَّاس، ثمَّ بَين ذَلِك بقوله، فَقَالَ تبَارك وَتَعَالَى: {سيحلفون بِاللَّه لكم إِذا انقلبتم إِلَيْهِم لتعرضوا عَنْهُم فاعرضوا عَنْهُم وَلَا تؤنبوهم إِنَّهُم رِجْس وماواهم جَهَنَّم جَزَاء بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ يحلفُونَ لكم لترضوا عَنْهُم فَإِن ترضوا عَنْهُم فَإِن الله لَا يرضى عَن الْقَوْم الْفَاسِقين} (التَّوْبَة: ٩٥ ٩٦) وَقد أخبر الله تَعَالَى عَن الْمُنَافِقين الَّذين تخلفوا بقوله: إِنَّهُم سيحلفون معتذرين لتعرضوا عَنْهُم وَلَا تؤنبوهم فأعرضوا عَنْهُم إِنَّهُم رِجْس أَي: خبثاه نجس بواطنهم واعتقاداتهم ومأواهم فِي آخرتهم جَهَنَّم جَزَاء أَي لأجل الْجَزَاء بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ من الآثام والخطايا، ثمَّ أخبر عَنْهُم بِأَنَّهُم يحلفُونَ لكم لترضوا عَنْهُم فَإِن ترضوا عَنْهُم فَإِن الله لَا يرضى عَن الْقَوْم الْفَاسِقين، أَي: الخارجين عَن طَاعَة الله وَطَاعَة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَالْفِسْق هُوَ الْخُرُوج وَمِنْه سميت الْفَأْرَة: فَهُوَ فويسقة، لخروجها من جحرها، وَيُقَال: فسقت الرّطبَة إِذا خرجت من أكمامها. قَوْله: (وَكُنَّا تخلفنا) ، وَفِي مُسلم: خلفنا. قَوْله: (وأرجأ) أَي: أخر، من الإرجاء بِالْهَمْزَةِ فِي آخِره، وَحَاصِل معنى قَول كَعْب أَنه فسر قَوْله تَعَالَى: {وعَلى الثَّلَاثَة الَّذين خلفوا} (التَّوْبَة: ١١٨) أَي: أخروا حَتَّى تَابَ الله عَلَيْهِم، وَلَيْسَ المُرَاد أَنهم خلفوا عَن الْغَزْو، وَفِي (تَفْسِير عبد الرَّزَّاق) : عَن معمر عَمَّن سمع عِكْرِمَة فِي قَوْله: {وعَلى الثَّلَاثَة الَّذين خلفوا} (التَّوْبَة: ١١٨) قَالَ: خلفوا عَن التَّوْبَة. قَوْله: (مِمَّا خلفنا) ، على صِيغَة الْمَجْهُول. قَوْله: (عَن الْغَزْو) أَي: غَزْوَة تَبُوك. قَوْله: (وَإِنَّمَا هُوَ تخليفه) ، أَي: تخليف الله إينا أَي: تَأْخِيره إيانا أَي: تَأْخِيره أمرنَا عَن أَمر من حلف لَهُ وَاعْتذر إِلَيْهِ فَقبل مِنْهُ اعتذاره وحلفه فغفر لَهُ.

فَوَائِد الحَدِيث الْمَذْكُور أَكثر من خمسين فَائِدَة: فِيهِ: جَوَاز طلب أَمْوَال الْكفَّار دون الْحَرْب. وَفِيه: جَوَاز الْغَزْو فِي الشَّهْر الْحَرَام، وَالتَّصْرِيح بِجِهَة الْغَزْو وَإِذا لم تَقْتَضِي الْمصلحَة ستره، وَأَن الإِمَام إِذا اسْتنْفرَ الْجَيْش عُمُوما لَزِمَهُم النفير. فَإِن قلت: إِن كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم استنفرهم عُمُوما لغزوة تَبُوك فغضبه على من تخلف ظَاهره، وَإِن لم يستنفرهم عُمُوما فالجهاد فرض كِفَايَة، فَمَا وَجه غَضَبه على الْمُخلفين؟ قلت: كَانَ الْجِهَاد فرض عين فِي حق الْأَنْصَار لأَنهم بَايعُوهُ على ذَلِك، فغضبه على المتخلفين كَانَ فِي مَحَله. وَفِيه: إِبَاحَة الْغَنِيمَة لهَذِهِ الْأمة إِذْ قَالَ: يُرِيدُونَ عير قُرَيْش. وَفِيه: فَضِيلَة أهل بدر والعقبة والمتابعة مَعَ الإِمَام وَجَوَاز الْحلف من غير استحلاف والتأسف على مَا فَاتَهُ من الْخَبَر وهجران أهل الْبِدْعَة، وَأَن للْإِمَام أَن يُؤَدب بعض أَصْحَابه بإمساك الْكَلَام عَنهُ وَترك قرْبَان الزَّوْجَة واستحباب صَلَاة القادم ودخوله الْمَسْجِد أَولا، وَتوجه النَّاس إِلَيْهِ عِنْد قدومه وَالْحكم بِالظَّاهِرِ وَقبُول المعاذير واستحباب الْبكاء على نَفسه، ومسارقة النّظر فِي الصَّلَاة لَا تبطلها، وفضيلة الصدْق وَأَن السَّلَام ورده كَلَام، وَجَوَاز دُخُوله فِي بُسْتَان صديقه بِلَا إِذْنه، وَأَن الْكِنَايَة لَا يَقع بهَا الطَّلَاق مَا لم يُنَوّه، وإيثار طَاعَة الله وَرَسُوله على مَوَدَّة الْقَرِيب، وخدمة الْمَرْأَة لزَوجهَا، وَالِاحْتِيَاط بمجانبته مَا يخَاف مِنْهُ الْوُقُوع فِي مَنْهِيّ عَنهُ إِذْ لم يسْتَأْذن فِي خدمَة امْرَأَته لذَلِك، وَجَوَاز إحراق ورقة فِيهَا ذكر الله إِذا كَانَ لمصْلحَة، واستحباب التبشير عِنْد تجدّد النِّعْمَة واندفاع الْكُرْبَة واجتماع النَّاس عِنْد الإِمَام فِي الْأُمُور المهمة وسروره بِمَا يسر أَصْحَابه، وَالتَّصَدُّق بِشَيْء عِنْد ارْتِفَاع الْحزن، وَالنَّهْي عَن التَّصَدُّق بِكُل مَاله عِنْد عدم الصَّبْر، وإجازة البشير بخلعه وَتَخْصِيص الْيَمين بِالنِّيَّةِ، وَجَوَاز الْعَارِية ومصافحة القادم وَالْقِيَام لَهُ والتزام مداومة الْخَيْر الَّذِي ينْتَفع بِهِ واستحباب سَجْدَة السكر. وَفِيه: عظم أَمر الْمعْصِيَة وَعَن الْحسن الْبَصْرِيّ أَنه قَالَ: يَا سُبْحَانَ الله: مَا أكل هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَة مَالا حَرَامًا وَلَا سَفَكُوا دَمًا حَرَامًا وَلَا أفسدوا فِي الأَرْض وأصابهم مَا سَمِعْتُمْ، وَضَاقَتْ عَلَيْهِم الأَرْض بِمَا رَحبَتْ، فَكيف بِمن يواقع الْفَوَاحِش والكبائر؟ رَوَاهُ ابْن أبي حَاتِم. وَفِيه: أَن الْقوي يُؤَاخذ أَشد مِمَّا يُؤَاخذ الضَّعِيف فِي الدّين. وَفِيه: جَوَاز إِخْبَار الْمَرْء عَن تَقْصِيره وتفريطه. وَفِيه: جَوَاز مدح الرجل بِمَا فِيهِ من الْخَيْر إِذا أَمن

<<  <  ج: ص:  >  >>