للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَقَتَادَة وَالْحكم، وَعَن عمر بن عبد الْعَزِيز وَالْحسن الْبَصْرِيّ وَعَطَاء وَعِكْرِمَة، وَهُوَ مَذْهَب الشَّافِعِي وَمَالك: أَن الْحر لَا يقتل بِالْعَبدِ وَالذكر لَا يقتل بِالْأُنْثَى، أخذا بِهَذِهِ الْآيَة، أَعنِي قَوْله: {الْحر بِالْحرِّ وَالْعَبْد بِالْعَبدِ} (الْبَقَرَة: ١٧٨) وَقد قُلْنَا: إِنَّهَا مَنْسُوخَة. قَوْله: (كتب عَلَيْكُم الْقصاص) ، ذكر الواحدي: أَن مَعْنَاهُ فِي اللُّغَة الْمُمَاثلَة والمساواة، وَقَالَ ابْن الْحصار: الْقصاص الْمُسَاوَاة والمجازاة، وَالْمرَاد بِهِ الْعدْل فِي الْأَحْكَام، وَهَذَا حكم الله عز وَجل الَّذِي لم يزل وَلَا يزَال أبدا، فَلَا نسخ فِيهِ وَلَا تَبْدِيل لَهُ، وَالْمرَاد بِآيَة الْمَائِدَة تبين الْعدْل فِي تكافىء الدِّمَاء فِي الْجُمْلَة وَترك التَّفَاضُل لاجتهاد الْعلمَاء، وعَلى هَذَا فَلَيْسَ بَينهمَا تعَارض قُلْنَا الْأَنْسَب عُمُوم آيَة الْمَائِدَة وفيهَا مُقَابلَة مُطلقَة، وَهَذِه الْآيَة فِيهَا مُقَابلَة مُقَيّدَة، فَلَا يحمل الْمُطلق على الْمُقَيد، على أَن مُقَابلَة الْحر بِالْحرِّ لَا يُنَافِي مُقَابلَة الْحر بِالْعَبدِ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ إلَاّ ذكر بعض مَا يَشْمَلهُ الْعُمُوم على مُوَافقَة حكمه، وَذَلِكَ لَا يُوجب تَخْصِيص مَا بَقِي. قَوْله: (عُفيَ ترك) أَشَارَ بِهِ إِلَى تَفْسِير قَوْله: {فَمن عُفيَ لَهُ من أَخِيه شَيْء} أَي: فَمن ترك وصفح لَهُ من الْوَاجِب عَلَيْهِ فِي الْعمد فَرضِي بِالدِّيَةِ {فاتباع بِالْمَعْرُوفِ} أَي: فعلى الْقَتِيل

٤٤٩٨ - ح دَّثنا الحُمَيْدِيُّ حَدثنَا سُفْيانُ حَدثنَا عَمْروٌ قَالَ سمِعْتُ مجاهِداً قَالَ سَمِعْتُ ابنَ عَبَّاسٍ رَضِي الله عَنْهُمَا يَقُولُ كانَ فِي بَني إسْرَائِيلَ القِصاصُ ولَمْ تَكُنْ فِيهِمِ الدِّيَّةُ فَقَالَ الله تَعَالَى لِهاذِهِ الأُمَّةِ: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ القصاصُ فِي القَتْلَى الحُرُّ بالحُرِّ والعَبْدُ بالعَبْدِ والأُنْثَى بالأُنْثى فَمَنْ عُفِيَ لهُ مِنْ أخِيهِ شَيْءٌ} فالْعَفْوُ أنْ يَقْبَلَ الدِّيَةَ فِي العَمْدِ {فاتِّباعٌ بالمعْرُوفِ وأدَاءٌ إلَيْهِ بإحْسانٍ} يَتَّبِعُ بالمَعْرُوفِ ويُؤَدِّي بإحْسانٍ {ذالِكَ تَخْفِيفٌ منْ رَبِّكُمْ ورَحْمَةٌ} مِمَّا كُتبَ عَلَى مَنْ كانَ قَبْلَكُمْ {فَمَنْ اعْتَدَى بَعْدَ ذالِكَ فَلَهُ عَذَابٌ ألِيمٌ} قَتَلَ بَعْدَ قَبُولِ الدِّيَةِ.

مطابقته لِلْآيَةِ أوضح مَا يكون، والْحميدِي هُوَ عبد الله بن الزبير بن عِيسَى ونسبته إِلَى أحد أجداده وَهُوَ: حميد بن زُهَيْر، وسُفْيَان هُوَ ابْن عُيَيْنَة، وَعَمْرو هُوَ ابْن دِينَار.

والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الدِّيات عَن قُتَيْبَة. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي التَّفْسِير عَن عبد الْجَبَّار وَفِي الْقصاص عَن الْحَارِث بن مِسْكين.

قَوْله: (فَمن عُفيَ لَهُ من أَخِيه شَيْء) ، مَعْنَاهُ: قبُول الدِّيَة فِي الْعمد، وَقيل: فِيمَن قتل وَله وليان فَعَفَا أَحدهمَا فللآخر أَن يَأْخُذ مِقْدَار حِصَّته من الدِّيَة. وَقَالَ الْخطابِيّ: الْعَفو فِي الْآيَة يحْتَاج إِلَى تَفْسِير، وَذَلِكَ أَن ظَاهر الْعَفو يُوجب أَن لَا تبعة لأَحَدهمَا على الآخر، فَمَا معنى الإتباع؟ والإعفاء فَمَعْنَاه: أَن من عُفيَ عَنهُ الدَّم بِالدِّيَةِ فعلى صَاحب الدِّيَة اتِّبَاع، أَي مُطَالبَة بِالدِّيَةِ وعَلى الْقَاتِل أَدَاء الدِّيَة إِلَيْهِ؟ وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيّ وَأَخُوهُ: هُوَ ولي الْمَقْتُول، وَقيل لَهُ: أَخُوهُ، لِأَنَّهُ لابسه من قبل أَنه ولي الدَّم ومطالبه بِهِ أَو ذكره بِلَفْظ الْأُخوة ليعطف أَحدهمَا على صَاحبه بِذكر مَا هُوَ ثَابت بَينهمَا من الجنسية وَالْإِسْلَام. وَقَالَ: إِن عَفا يتَعَدَّى: بعن، لَا بِاللَّامِ، فَمَا وَجه قَوْله: (فَمن عَفا لَهُ؟) قلت: يتَعَدَّى: بعن إِلَى الْجَانِي وَإِلَى الذَّنب، فَيُقَال: عَفَوْت عَن فلَان وَعَن ذَنبه. قَالَ الله تَعَالَى: {عَفا الله عَنْك} (التَّوْبَة: ٤٣) وَعَفا الله عَنْهَا فَإِذا تعدى إِلَى الذَّنب قيل: عَفَوْت لفُلَان عَمَّا جنى، كَمَا تَقول: عَفَوْت لَهُ ذَنبه وتجاوزت لَهُ عَنهُ، وعَلى هَذَا مَا فِي الْآيَة كَأَنَّهُ قيل فَمن عَفا لَهُ عَن جِنَايَته، فاستغنى عَن ذكر الْجِنَايَة. قَوْله: (شَيْء) ، أَي: من الْعَفو، إِنَّمَا قيل ذَلِك للإشعار بِأَن بعض الْعَفو عَن الدَّم أَو عَفْو بعض الْوَرَثَة يسْقط الْقصاص وَلم يجب إِلَّا الدِّيَة. قَوْله: (فاتباع بِالْمَعْرُوفِ) ، أَي: فَلْيَكُن اتِّبَاع، أَو: فَالْأَمْر اتِّبَاع، وَقد ذَكرْنَاهُ عَن قريب. قَوْله: (ذَلِك) ، أَي: الحكم الْمَذْكُور من الْعَفو وَالدية، لِأَن أهل التَّوْرَاة كتب عَلَيْهِم الْقصاص اليته وَحرم عَلَيْهِم الْعَفو واخذ الدِّيَة وعَلى أهل الْإِنْجِيل الْعَفو وَحرم الْقصاص وَالدية وخيرت هَذِه الْأمة بَين الثَّلَاث: الْقصاص وَالدية وَالْعَفو، وتوسعة عَلَيْهِم وتيسيراً. قَوْله: (كَمَا كتب على من كَانَ قبلكُمْ) هم أهل التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل. قَوْله: (فَمن اعْتدى بعد ذَلِك) ، أَي: بعد التَّخْفِيف وَتجَاوز مَا شرع لَهُ من قتل غير الْقَاتِل أَو الْقَتْل بعد أَخذ الدِّيَة، وَهُوَ معنى قَوْله: (قتل بعد قبُول الدِّيَة) وَهُوَ على صِيغَة الْمَعْلُوم من الْمَاضِي، وَقع تَفْسِيرا لقَوْله: (فَمن اعْتدى) . قَوْله: (فَلهُ عَذَاب أَلِيم) نوع من الْعَذَاب شَدِيد الْأَلَم فِي الْآخِرَة.

٤٤٩٨ - ح دَّثنا الحُمَيْدِيُّ حَدثنَا سُفْيانُ حَدثنَا عَمْروٌ قَالَ سمِعْتُ مجاهِداً قَالَ سَمِعْتُ ابنَ عَبَّاسٍ رَضِي الله عَنْهُمَا يَقُولُ كانَ فِي بَني إسْرَائِيلَ القِصاصُ ولَمْ تَكُنْ فِيهِمِ الدِّيَّةُ فَقَالَ الله تَعَالَى لِهاذِهِ الأُمَّةِ: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ القصاصُ فِي القَتْلَى الحُرُّ بالحُرِّ والعَبْدُ بالعَبْدِ والأُنْثَى بالأُنْثى فَمَنْ عُفِيَ لهُ مِنْ أخِيهِ شَيْءٌ} فالْعَفْوُ أنْ يَقْبَلَ الدِّيَةَ فِي العَمْدِ {فاتِّباعٌ بالمعْرُوفِ وأدَاءٌ إلَيْهِ بإحْسانٍ} يَتَّبِعُ بالمَعْرُوفِ ويُؤَدِّي بإحْسانٍ {ذالِكَ تَخْفِيفٌ منْ رَبِّكُمْ ورَحْمَةٌ} مِمَّا كُتبَ عَلَى مَنْ كانَ قَبْلَكُمْ {فَمَنْ اعْتَدَى بَعْدَ ذالِكَ فَلَهُ عَذَابٌ ألِيمٌ} قَتَلَ بَعْدَ قَبُولِ الدِّيَةِ.

مطابقته لِلْآيَةِ أوضح مَا يكون، والْحميدِي هُوَ عبد الله بن الزبير بن عِيسَى ونسبته إِلَى أحد أجداده وَهُوَ: حميد بن زُهَيْر، وسُفْيَان هُوَ ابْن عُيَيْنَة، وَعَمْرو هُوَ ابْن دِينَار.

والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الدِّيات عَن قُتَيْبَة. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي التَّفْسِير عَن عبد الْجَبَّار وَفِي الْقصاص عَن الْحَارِث بن مِسْكين.

قَوْله: (فَمن عُفيَ لَهُ من أَخِيه شَيْء) ، مَعْنَاهُ: قبُول الدِّيَة فِي الْعمد، وَقيل: فِيمَن قتل وَله وليان فَعَفَا أَحدهمَا فللآخر أَن يَأْخُذ مِقْدَار حِصَّته من الدِّيَة. وَقَالَ الْخطابِيّ: الْعَفو فِي الْآيَة يحْتَاج إِلَى تَفْسِير، وَذَلِكَ أَن ظَاهر الْعَفو يُوجب أَن لَا تبعة لأَحَدهمَا على الآخر، فَمَا معنى الإتباع؟ والإعفاء فَمَعْنَاه: أَن من عُفيَ عَنهُ الدَّم بِالدِّيَةِ فعلى صَاحب الدِّيَة اتِّبَاع، أَي مُطَالبَة بِالدِّيَةِ وعَلى الْقَاتِل أَدَاء الدِّيَة إِلَيْهِ؟ وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيّ وَأَخُوهُ: هُوَ ولي الْمَقْتُول، وَقيل لَهُ: أَخُوهُ، لِأَنَّهُ لابسه من قبل أَنه ولي الدَّم ومطالبه بِهِ أَو ذكره بِلَفْظ الْأُخوة ليعطف أَحدهمَا على صَاحبه بِذكر مَا هُوَ ثَابت بَينهمَا من الجنسية وَالْإِسْلَام. وَقَالَ: إِن عَفا يتَعَدَّى: بعن، لَا بِاللَّامِ، فَمَا وَجه قَوْله: (فَمن عَفا لَهُ؟) قلت: يتَعَدَّى: بعن إِلَى الْجَانِي وَإِلَى الذَّنب، فَيُقَال: عَفَوْت عَن فلَان وَعَن ذَنبه. قَالَ الله تَعَالَى: {عَفا الله عَنْك} (التَّوْبَة: ٤٣) وَعَفا الله عَنْهَا فَإِذا تعدى إِلَى الذَّنب قيل: عَفَوْت لفُلَان عَمَّا جنى، كَمَا تَقول: عَفَوْت لَهُ ذَنبه وتجاوزت لَهُ عَنهُ، وعَلى هَذَا مَا فِي الْآيَة كَأَنَّهُ قيل فَمن عَفا لَهُ عَن جِنَايَته، فاستغنى عَن ذكر الْجِنَايَة. قَوْله: (شَيْء) ، أَي: من الْعَفو، إِنَّمَا قيل ذَلِك للإشعار بِأَن بعض الْعَفو عَن الدَّم أَو عَفْو بعض الْوَرَثَة يسْقط الْقصاص وَلم يجب إِلَّا الدِّيَة. قَوْله: (فاتباع بِالْمَعْرُوفِ) ، أَي: فَلْيَكُن اتِّبَاع، أَو: فَالْأَمْر اتِّبَاع، وَقد ذَكرْنَاهُ عَن قريب. قَوْله: (ذَلِك) ، أَي: الحكم الْمَذْكُور من الْعَفو وَالدية، لِأَن أهل التَّوْرَاة كتب عَلَيْهِم الْقصاص اليته وَحرم عَلَيْهِم الْعَفو واخذ الدِّيَة وعَلى أهل الْإِنْجِيل الْعَفو وَحرم الْقصاص وَالدية وخيرت هَذِه الْأمة بَين الثَّلَاث: الْقصاص وَالدية وَالْعَفو، وتوسعة عَلَيْهِم وتيسيراً. قَوْله: (كَمَا كتب على من كَانَ قبلكُمْ) هم أهل التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل. قَوْله: (فَمن اعْتدى بعد ذَلِك) ، أَي: بعد التَّخْفِيف وَتجَاوز مَا شرع لَهُ من قتل غير الْقَاتِل أَو الْقَتْل بعد أَخذ الدِّيَة، وَهُوَ معنى قَوْله: (قتل بعد قبُول الدِّيَة) وَهُوَ على صِيغَة الْمَعْلُوم من الْمَاضِي، وَقع تَفْسِيرا لقَوْله: (فَمن اعْتدى) . قَوْله: (فَلهُ عَذَاب أَلِيم) نوع من الْعَذَاب شَدِيد الْأَلَم فِي الْآخِرَة.

<<  <  ج: ص:  >  >>