أشهر وَعشرا} وَقيل: نسخ مَا زَاد فِيهِ، وَأما وجوب النَّفَقَة وَالسُّكْنَى فمنسوخ بِتَقْدِير نصِيبهَا من الْمِيرَاث، وَقيل: لَيْسَ فِيهَا نسخ، وَإِنَّمَا هُوَ نُقْصَان من الْحول وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيّ: كَيفَ نسخت الْآيَة الْمُتَقَدّمَة الْمُتَأَخِّرَة. قلت: قد تكون الْآيَة مُتَقَدّمَة فِي التِّلَاوَة وَهِي مُتَأَخِّرَة فِي التَّنْزِيل، كَقَوْلِه عز وَجل: {سَيَقُولُ السُّفَهَاء} مَعَ قَوْله: (قد نرى تقلب وَجهك فِي السَّمَاء) .
٤٥٣١ - ح دَّثنا إسْحَاقُ حدَّثنا رَوْحٌ حدَّثنا شِبْلٌ عنِ ابنِ نَجيحٍ عنْ مُجاهِد والَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أزْوَاجا قَالَ كَانَتْ هاذِهِ العِدَّةُ تَعْتَدُ عِنْدَ أهْلِ زَوْجِها واجِبٌ فَأَنْزَلَ الله: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أزْوَاجا وَصِيَّة لأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعا إلَى الحَوْلِ غَيْرَ إخْراجٍ فَإنْ خَرَجْنّ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما فَعْلنَ فِي أنْفُسِهِنَّ مِنْ مَعْرُوفٍ} . قَالَ جَعَلَ الله لَهَا تَمامَ السَّنَةِ سَبْعَةَ أشْهُرٍ وَعِشْرِينَ لَيْلَةً وَصِيَّةً إنْ شَاءَتْ سَكَنَتْ فِي وَصِيَّتها وَإنْ شاءَت خَرَجَتْ وَهُوَ قَوْلُ الله تَعَالَى: {غَيْرَ إخْرَاجٍ فَإنْ خَرَجْنَ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ} فَالْعِدَّةُ كَمَا هِيَ وَاجِبٌ عَلَيْها زَعَمَ ذَلِكَ عَنْ مُجَاهِدٍ.
قَوْله: حَدثنِي، ويروى: حَدثنَا إِسْحَاق. قيل: هُوَ ابْن رَاهَوَيْه، وَقَالَ صَاحب (التَّوْضِيح) وَإِسْحَاق هُوَ ابْن إِبْرَاهِيم، كَمَا حدث بِهِ فِي الْأَحْزَاب أَو إِسْحَاق بن مَنْصُور كَمَا حدث بِهِ فِي الصَّلَاة وَغَيرهَا، وروح بِفَتْح الرَّاء ابْن عبَادَة، بِضَم الْعين وَتَخْفِيف الْبَاء الْمُوَحدَة، وشبل، بِكَسْر الشين الْمُعْجَمَة وَسُكُون الْبَاء الْمُوَحدَة وباللام: ابْن عباد، بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَتَشْديد الْبَاء الْمُوَحدَة، وَابْن أبي نجيح هُوَ عبد الله بن أبي نجيح الْمَكِّيّ.
قَوْله: (كَانَت هَذِه الْعدة) ، أَشَارَ بِهِ إِلَى مَا فِي قَوْله تَعَالَى: {وَالَّذين يتوفون مِنْكُم ويذرون أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَة أشهر وَعشرا} قَوْله: (فَأنْزل الله: {وَالذين يتوفون} ) ، فِي الْآيَة ذكرهَا ثمَّ قَالَ: (جعل الله لَهَا) أَي: للمعتدة الْمَذْكُورَة فِي الْآيَة الأولى (تَمام السّنة) وبحسب الْوَصِيَّة فَإِن شَاءَت قبلت الْوَصِيَّة وَتعْتَد فِي بَيت أهل الزَّوْج إِلَى التَّمام، وَإِن شَاءَت اكتفت بِالْوَاجِبِ، وَهَذَا يدل على أَن مُجَاهدًا لَا يرى نسخ هَذِه الْآيَة أَعنِي قَوْله: (ويذرون أَزْوَاجًا وَصِيَّة لأزواجهم) إِلَى آخرهَا وَعند الْأَكْثَرين هَذِه الْآيَة مَنْسُوخَة بِالْآيَةِ الَّتِي هِيَ قَوْله: {يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَة أشهر وَعشرا} قَوْله: (وَصِيَّة) ، مَنْصُوب بِتَقْدِير: وَالَّذين يتوفون يوصون وَصِيَّة، أَو ألزم الَّذين يتوفون وَصِيَّة، وَيدل عَلَيْهِ قِرَاءَة عبد الله كتب عَلَيْكُم الْوَصِيَّة لأزواجكم، وقرىء وَصِيَّة بِالرَّفْع بِتَقْدِير: وَحكم الَّذين يتوفون وَصِيَّة، يَعْنِي: قبل أَن يحتضروا. قَوْله: (لأزواجهم) ، أَي: لزوجاتهم. قَوْله: (مَتَاعا) ، نصب بِتَقْدِير: يوصون مَتَاعا أَو بِتَقْدِير: متعوهن مَتَاعا وَقِرَاءَة أبي: مَتَاع لأزواجهم مَتَاعا، فعلى هَذَا نصب مَتَاعا بقوله: مَتَاع لِأَنَّهُ فِي معنى: التمتيع. قَوْله: (غير إِخْرَاج) ، حَال من الْأزْوَاج أَي: غير مخرجات، أَو بدل من: مَتَاعا. وَحَاصِل الْمَعْنى: وَحقّ الَّذين يتوفون عَن أَزوَاجهم أَن يوصوا قبل أَن يحتضروا بِأَن تتمتع أَزوَاجهم بعدهمْ حولا كَامِلا. أَي: ينْفق عَلَيْهِنَّ من تركته وَلَا يخرجهن من مساكنهن، وَكَانَ ذَلِك فِي أول الْإِسْلَام ثمَّ نسخت الْمدَّة. قَوْله: {أَرْبَعَة أشهر وَعشرا} (الْبَقَرَة: ٢٣٤) ونسحت النَّفَقَة بِالْإِرْثِ الَّذِي هُوَ الرّبع أَو الثّمن، وَهَذَا عِنْد الْجُمْهُور غير مُجَاهِد كَمَا ذكره الْآن. قَوْله: (فالعدة) ، كَمَا هِيَ وَاجِب عَلَيْهَا وَهِي الْأَرْبَعَة الْأَشْهر وَالْعشر. قَوْله: (زعم ذَلِك عَن مُجَاهِد) ، قَائِل هَذَا هُوَ شبْل بن عباد الرَّاوِي، وَالضَّمِير فِي: زعم، يرجع إِلَى بن أبي نجيح الرَّاوِي عَن مُجَاهِد.
وَقَالَ عَطَاءٌ قَالَ ابنُ عَبَّاسٍ نَسَخَتْ هاذِهِ الآيَةُ عِدَّتَها عِنْدَ أهْلها فَتَعْتَدُّ حَيْثُ شَاءَتْ وَهُوَ قَوْلُ الله تَعَالَى: {غَيْرَ إخْرَاجٍ} (الْبَقَرَة: ٢٤) .
أَي: قَالَ عَطاء بن أبي رَبَاح: قيل: هَذَا عطف على قَوْله: عَن مُجَاهِد، وَهُوَ من رِوَايَة ابْن أبي نجيح عَن عَطاء، وَوهم من زعم أَنه مُعَلّق. قلت: ظَاهره التَّعْلِيق، إِذْ لَو كَانَ عطفا لقَالَ: وَعَن عَطاء، وَقد روى أَبُو دَاوُد قَالَ حَدثنَا أَحْمد بن مُحَمَّد الْمروزِي، قَالَ: حَدثنَا مُوسَى بن مَسْعُود. قَالَ: حَدثنَا شبْل عَن ابْن أبي نجيح. قَالَ: قَالَ عَطاء: قَالَ ابْن عَبَّاس إِلَى آخر مَا ذكر هُنَا.
قَالَ عَطَاءٌ إنْ شَاءَتِ اعْتَدَتْ عِنْدَ أهْلِهِ وَسَكَنَتْ فِي وَصِيَّتها وَإنْ شَاءَتْ خَرَجَتْ لِقَوْلِ الله تَعَالَى: {فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيما فَعَلْنَ} . قَالَ عَطَاءٌ ثُمَّ جَاءَ المِيرَاثُ فَنَسَخَ السُّكْنَى فَتَعْمَّدُّ حَيْثُ شَاءَتْ وَلا سَكْنَى لَهَا.
هَذَا من عَطاء كالتفسير لما رَوَاهُ عَن ابْن عَبَّاس، وَكَذَا ذكر أَبُو دَاوُد حَيْثُ قَالَ: قَالَ عَطاء: إِن شَاءَت إِلَى آخِره، بعد أَن ذكر مَا رَوَاهُ عَن ابْن عَبَّاس.
وَعَنْ مُحَمَّد بنِ يُوسُفَ حدَّثنا وَرْقَاءُ عَنْ ابنِ أبِي نَجيحٍ عَنْ مُجاهِدٍ بِهَذَا
هَذَا يحْتَمل وَجْهَيْن: أَحدهمَا: أَن يكون هَذَا مدرجا فِي رِوَايَة إِسْحَاق الَّذِي تقدم عَن روح بن شبْل، وَاخْتَارَهُ بَعضهم حَيْثُ قَالَ: وَعَن مُحَمَّد بن يُوسُف مَعْطُوفًا على قَوْله أخبرنَا روح. قَالَ صَاحب (التَّلْوِيح) وَفِيه بعد. وَالثَّانِي: أَن يكون البُخَارِيّ علقه عَن شَيْخه مُحَمَّد بن يُوسُف الْفرْيَابِيّ عَن وَرْقَاء مؤنث الأورق بن عَمْرو الْخَوَارِزْمِيّ عَن عبد الله بن أبي نجيح عَن مُجَاهِد، فَإِن كَانَ كَذَا فقد وَصله أَبُو نعيم سُلَيْمَان بن أَحْمد عَن عبد الله بن مُحَمَّد بن سعيد بن أبي مَرْيَم عَن الْفرْيَابِيّ. عَن وَرْقَاء، فَذكره.
وَعَنِ ابنِ أبِي نَجِيحٍ عنْ عَطَاءٍ عنِ ابنِ عَبَّاسٍ قَالَ نَسَخَتْ هاذِهِ الآيَةُ عِدَّتَها فِي أهْلِها فَتَعْتَدُّ حَيْثُ شَاءَتْ لِقَوْلِ الله غَيْرَ إخْرَاجٍ نَحْوَهُ.
هَذَا أَيْضا يحْتَمل الْوَجْهَيْنِ الْمَذْكُورين، وَالْأَظْهَر هُوَ الْوَجْه الثَّانِي أَنه رُوِيَ عَن عبد الله بن أبي نجيح عَن مُجَاهِد عَن ابْن عَبَّاس، وَالْحَاصِل أَن ابْن أبي نجيح روى عَن مُجَاهِد وَحده وقوفا عَلَيْهِ، وروى أَيْضا عَن عَطاء عَن ابْن عَبَّاس. قَوْله: (نَحوه) ، أَي: نَحْو مَا رُوِيَ فِيمَا مضى عَن مُجَاهِد.