لن يتَقَبَّل مِنْكُم أَنكُمْ كُنْتُم قوما فاسقين، وَبَين الله سَبَب ذَلِك بقوله: {وَمَا مَنعهم أَن تقبل مِنْهُم نفقاتهم} (التَّوْبَة: ٥٤) الْآيَة.
مُدَّخَلاً يَدْخَلُونَ فِيهِ
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {لَو يَجدونَ ملْجأ أَو مغارات أَو مدخلًا} وَالْمعْنَى: لَو يَجدونَ حصنا يتحصنون بِهِ، وحرزا يحترزون بِهِ. أَو مغارات وَهِي الكهوف فِي الْجبَال أَو مدخلًا وَهُوَ السَّرب فِي الأَرْض وَقد أخبر الله تَعَالَى عَنْهُم بِأَنَّهُم يحلفُونَ بِاللَّه أَنهم لمنكم يَمِينا مُؤَكدَة وَمَا هم مِنْكُم فِي نفس الْأَمر إِنَّمَا يخالطونكم كرها لَا محبَّة.
يَجْمَحُونَ يُسْرِعُونَ
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {لولوا إِلَيْهِ وهم يجمحون} وَفَسرهُ بقوله: يسرعون، وَهُوَ آخر الْآيَة الْمَذْكُورَة الْآن يَعْنِي: فِي ذهابهم عَنْكُم لأَنهم إِنَّمَا يخالطونكم كرها لَا محبَّة وودوا أَنهم لَا يخالطونكم وَلَكِن للضَّرُورَة أَحْكَام.
وَالمُؤْتَفِكَاتِ ائْتَفَكَتْ انْقَلَبَتْ بِهَا الأَرْضُ
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {وَأَصْحَاب مَدين والمؤتفكات اتتهم رسلهم بِالْبَيِّنَاتِ} (بَرَاءَة: ٧٠) وَفسّر الْمُؤْتَفِكَات بقوله: ائتفكت انقلبت بهَا الأَرْض وهم قوم لوط، وَفِي التَّفْسِير: والمؤتفكات قرى قوم لوط، عَلَيْهِ السَّلَام، وَكَانُوا يسكنون فِي مدن وَأمّهَا سدوم وأهلكهم الله عَن آخِرهم بتكذيبهم نَبِي الله لوطا عَلَيْهِ السَّلَام، وإتيانهم الْفَاحِشَة الَّتِي لم يسبقهم بهَا أحد من الْعَالمين، وَأَصله من أفكه يأفكه أفكا إِذا صرفه عَن الشَّيْء. وَقَلبه، وأفك فَهُوَ مأفوك والآفكة الْعَذَاب الَّذِي أرْسلهُ الله على قوم لوط فَقلب بهَا دِيَارهمْ، والبلدة مؤتفكة وَتجمع على مؤتفكات.
أَهْوَى ألْقاهُ فِي هُوَّةٍ
هَذِه اللَّفْظَة لم تقع فِي سُورَة بَرَاءَة وَإِنَّمَا هِيَ فِي سُورَة النَّجْم ذكرهَا هُنَا البُخَارِيّ اسْتِطْرَادًا لقَوْله: والمؤتفكة أَهْوى، والهوة بِضَم الْهَاء وَتَشْديد الْوَاو وَهُوَ الْمَكَان العميق.
عَدْنٍ خُلْدٍ عَدَنْتُ بِأَرْضٍ أيْ أقَمْتُ وَمِنْهُ مَعْدِنٌ وَيُقالُ فِي مَعْدِنِ صِدْقٍ فِي مَنْبِتِ صِدْقٍ.
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {جنَّات عدن} (التَّوْبَة: ٧٢) وَفسّر قَوْله عدن، بقوله: خلد، بِضَم الْخَاء وَسُكُون اللَّام وَهُوَ دوَام الْبَقَاء، يُقَال: خلد الرجل يخلد خلودا من بَاب نصر ينصر. قَوْله: عدنت بِأَرْض، أَي: أَقمت بهَا لِأَنَّهَا من العدن وَهُوَ الْإِقَامَة، يُقَال: عدن بِالْمَكَانِ يعدن عدنا من بَاب نصر ينصر، إِذا لزمَه وَلم يبرح بِهِ قَوْله: وَمِنْه مَعْدن. أَي: وَمن عدن اشتقاق مَعْدن وَهُوَ الْموضع الَّذِي يسْتَخْرج مِنْهُ جَوَاهِر الأَرْض كالذهب وَالْفِضَّة والنحاس وَغير ذَلِك، قَوْله: وَيُقَال فِي مَعْدن صدق، يَعْنِي: يُقَال فلَان فِي مَعْدن صدق إِذا كَانَ مستمرا عَلَيْهِ وَلَا يبرح عَنهُ كَأَنَّهُ صَار معدنا للصدق. قَوْله: فِي منبت صدق، بِفَتْح الْمِيم وَسُكُون النُّون وَكسر الْبَاء الْمُوَحدَة، اسْم لموْضِع النَّبَات، وَيُقَال: لمَكَان يسْتَقرّ فِيهِ النبت هَذَا منبت صدق، وَقَالُوا فِي تَفْسِير قَوْله تَعَالَى: {فِي مقْعد صدق} (الْقَمَر: ٥٥) أَي: مَكَان مرضِي، والصدق هُنَا كِنَايَة عَن اسْتِمْرَار الرِّضَا فِيهِ.
الْخَوَالِفُ الخَالِفُ الَّذِي خَلَفَنِي فَقَعَدَ بَعْدِي وَمِنْهُ يَخْلِفُهُ فِي العَابِرِينَ وَيَجُوزُ أنْ يَكُونَ النِّسَاءُ مِنَ الخَالِفَةِ.
أَشَارَ بقوله الْخَوَالِف: إِلَى قَوْله تَعَالَى: {رَضوا بِأَن يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِف وطبع الله على قُلُوبهم فهم لَا يعلمُونَ} (التَّوْبَة: ٨٧) هَذِه الْآيَة وَمَا قبلهَا فِي قَضِيَّة غَزْوَة تَبُوك، وَذَلِكَ أَنهم لما أمروا بغزوة تَبُوك تخلفت جمَاعَة مِنْهُم من بَين الله عذرهمْ بقوله: {لَيْسَ على الضُّعَفَاء وَلَا على المرضى} إِلَى قَوْله: {أَلا يَجدوا مَا يُنْفقُونَ} (التَّوْبَة: ٩١) وَنفى الله تَعَالَى عَنْهُم الْمَلَامَة، ثمَّ رد الله على الَّذين يستأذنون فِي الْقعُود وهم أَغْنِيَاء وأنبهم بقوله: {رَضوا بِأَن يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِف} أَي: مَعَ النِّسَاء الْخَوَالِف فِي الرِّجَال {طبع الله على قُلُوبهم فهم لَا يعلمُونَ} قَوْله: الخالف الَّذِي خلفني فَقعدَ بعدِي: إِشَارَة إِلَى تَفْسِير الخالف، وَهُوَ الَّذِي يقْعد بعد الشَّخْص فِي رَحْله وَيجمع على خالفين كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {فاقعدوا مَعَ الخالفين} (التَّوْبَة: ٨٣) قَالَ ابْن عَبَّاس: أَي الرِّجَال الَّذين تخلفوا عَن الْغُزَاة وَلَا يجمع الخالف على الخالفين لِأَن جمع النِّسَاء