وَقَالَ غَيْرُهُ غيابَةُ الحبِّ كُلُّ شَيْءٍ غَيَّبَ عَنْكَ شَيْئا فَهُوَ غَيابَةٌ
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {والقوه فِي غيابة الْحبّ يلتقطه بعض السيارة} (يُوسُف: ١٠) ظَاهر الْكَلَام أَن قَوْله: (وَقَالَ غَيره) غير ابْن عَبَّاس لِأَنَّهُ عطف عَلَيْهِ، وَقَالَ بَعضهم: لَيْسَ من كَلَام ابْن عَبَّاس وَإِنَّمَا هُوَ كَلَام أبي عُبَيْدَة. قلت: لَا مَانع أَن يكون قَول أبي عُبَيْدَة من قَول ابْن عَبَّاس. قَوْله: (كل شَيْء) ، مُبْتَدأ وَقَوله: (غيب عَنْك) فِي مَحل الْجَرّ لِأَنَّهُ صفة لشَيْء (وشيأ) مفعول غيب. قَوْله: (فَهُوَ غيابة) جملَة إسمية وَقعت خبر الْمُبْتَدَأ. أَو الْمُبْتَدَأ إِذا تضمن معنى الشَّرْط تدخل الْفَاء فِي خَبره. قَوْله: (غيابة الْجب) ، قَالَ الثَّعْلَبِيّ: أَي: قَعْر الْجب وظلمته حَيْثُ يغيب خَبره، وَقَالَ قَتَادَة: أَسْفَله وَأَصله من الغيبوبة.
وَالجُبُّ الرَّكِيَةُ الَّتِي لَمْ تُطْوَ
أَي: الْجب الْمَذْكُور فِي قَوْله: (غيابة الْجب) هُوَ الْبِئْر الَّتِي لم تطو، وَكَذَلِكَ القليب، قَالَ الْجَوْهَرِي: القليب الْبِئْر قبل أَن تطوى، وَسميت جبا من أجل أَنَّهَا قطعت قطعا وَلم يحدث فِيهَا غير الْقطع من الطي وَمَا أشبهه.
بِمُؤْمِنٍ لَنَا بِمُصدِّق
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى، حِكَايَة عَن قَول إخْوَة يُوسُف: {وَتَركنَا يُوسُف عِنْد متاعنا فَأَكله الذِّئْب وَمَا أَنْت بِمُؤْمِن لنا وَلَو كُنَّا صَادِقين} (يُوسُف: ١٧) وَالْمعْنَى: وَمَا أَنْت بمصدق فِي كلامنا، وَفِي التَّفْسِير: وَمَا أَنْت بمصدق لنا لسوء ظَنك بِنَا وتهمتك لنا، وَهَذَا قَمِيصه ملطخ بِالدَّمِ.
يُقالُ بَلَغَ أشُدَّهُ قَبْلَ أنْ يَأْخُذ فِي النُّقْصانِ وَقَالُوا بَلَغَ أشُدَّهُ وَبَلَغُوا أشُدَّهُمْ وَقَالَ بَعْضُهُمْ وَاحِدُها شَدٌّ
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {وَلما بلغ أشده آتيناه حكما وعلما} وَفسّر قَوْله: أشده، بقوله: قبل أَن يَأْخُذ فِي النُّقْصَان، وَأَرَادَ بِهِ عز مُنْتَهى شبابه وقوته وشدته، وَاخْتلف فِيهِ، فَذكر ابْن الْمُنْذر عَن الشّعبِيّ وَرَبِيعَة وَزيد بن أسلم وَمَالك: أَنه الْحلم، وَعَن سعيد ابْن جُبَير ثَمَانِيَة عشرَة سنة، وَقيل: عشرُون، وَقيل: خمس وَعِشْرُونَ، وَقيل: ثَلَاثُونَ، وَقيل: ثَلَاث وَثَلَاثُونَ قَالَه مُجَاهِد: وَقيل: أَرْبَعُونَ. وَقيل: سبع عشرَة سنة، وَقيل: خمس وَثَلَاثُونَ سنة، وَقيل: ثَمَانِيَة وَأَرْبَعُونَ سنة، وَعَن ابْن عَبَّاس: مَا بَين ثَمَان عشرَة إِلَى ثَلَاثِينَ سنة، وَقيل: سِتُّونَ سنة، وَقَالَ ابْن التِّين: الْأَظْهر أَنه أَرْبَعُونَ لقَوْله تَعَالَى: {وَلما بلغ أشده واستوى آتيناه حكما وعلما} وَذَلِكَ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يتنبى إلَاّ بعد أَرْبَعِينَ سنة. قَالَ بَعضهم: وَتعقب بِأَن عِيسَى عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، وَيحيى أَيْضا تنبأ لدوّنَ الْأَرْبَعين لقَوْله تَعَالَى: {وَآتَيْنَاهُ الحكم صَبيا} (مَرْيَم: ١٢) قلت لَهُ أَن يَقُول: هما مخصوصان بذلك من دون سَائِر الْأَنْبِيَاء، عَلَيْهِم السَّلَام. قَوْله: (يُقَال بلغ أشده وبلغوا أَشَّدهم) ، أَشَارَ بِهَذَا إِلَى أَنه يُضَاف إِلَى الْمُفْرد وَالْجمع بِلَفْظ وَاحِد. قَوْله: (وَقَالَ بَعضهم: وَاحِدهَا:) أَي: وَاحِد الأشد وَهُوَ قَول سِيبَوَيْهٍ وَالْكسَائِيّ، وَزعم أَبُو عُبَيْدَة أَنه لَيْسَ لَهُ وَاحِد من لَفظه.
وَالمُتَّكَأُ مَا اتَّكَأَتَ عَلَيْهِ لِشَرَابٍ أوْ لِحَدِيثٍ أوْ لِطعامٍ وَأبْطَلَ الَّذِي قَالَ الأُتْرُجُّ وَلَيْسَ فِي كَلامِ العَرَبِ الأُتْرُجُّ فَلَمَّا احْتَجَّ عَلَيْهِمْ بأنّهُ المُتَّكَأُ مِنْ نَمَارِقَ فَرُّوا إلَى شَرٍّ مِنْهُ فَقَالُوا إنَّما هُوَ المُتْكُ سَاكِنَةَ التّاءِ وَإنّما المُتْكُ طَرَفُ البَظرِ وَمِنْ ذالِكَ قِيلَ لَهَا مَتْكاءُ وَابنُ المَتْكاءِ فَإنْ كَانَ ثمَّ أُترُجٌّ فَإنّهُ بَعْدَ المُتَّكَإِ.
لما ذكر فِيمَا مضى عَن قريب عَن مُجَاهِد أَن المتكأ الأترج، أنكر ذَلِك، فَقَالَ: المتكأ مَا اتكأت عَلَيْهِ لأجل شرب شراب أَو لأجل حَدِيث أَو لأجل طَعَام. قَوْله: وأبطل قَول الَّذِي قَالَ: المتكأ الأترج، ثمَّ ادّعى أَنه لَيْسَ فِي كَلَام الْعَرَب الأترج، يَعْنِي: لَيْسَ فِي كَلَام الْعَرَب تَفْسِير المتكأ بالأترج، وَفِيه نظر، حَتَّى قَالَ صَاحب (التَّوْضِيح) هَذِه الدَّعْوَى من الْأَعَاجِيب فقد قَالَ فِي (الْمُحكم) المتكأ الأترج، وَعَن الْأَخْفَش كَذَلِك، وَفِي (الْجَامِع) المتكأ الأترج، وأنشدوا: