تَقْرِيره قَالَه المرغيناني وَالتَّحْقِيق فِي هَذَا الْمقَام أَن هُنَا مدارك الأول أَن إِلَى بِمَعْنى مَعَ قَالَه ثَعْلَب وَغَيره من أهل اللُّغَة وَاحْتَجُّوا بقوله تَعَالَى {وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالهم إِلَى أَمْوَالكُم} وبقولهم إِلَى الذودابل وَفِيه ضعف فَإِنَّهُ يُوجب غسل الْعَضُد لاشتمال الْيَد عَلَيْهِ وعَلى الْمرْفق مَعَ أَنا نمْنَع أَن يكون إِلَى فِيمَا اسْتشْهد بِهِ بِمَعْنى مَعَ لِأَن معنى الْآيَة وَلَا تَأْكُلُوهَا مَضْمُومَة إِلَى أَمْوَالكُم أَي وَلَا تضموها إِلَى أَمْوَالكُم آكلين لَهَا وَكَذَا الذوداي مَضْمُومَة إِلَى الزودابل الْمدْرك الثَّانِي أَن الْحَد يدْخل إِذا كَانَ التَّحْدِيد شَامِلًا للحد والمحدود قَالَ سِيبَوَيْهٍ والمبرد وَغَيرهمَا مَا بعد إِلَى إِذا كَانَ من نوع مَا قبلهَا دخل فِيهِ وَالْيَد عِنْد الْعَرَب من رُؤْس الْأَصَابِع إِلَى الْمنْكب وَالرجل إِلَى أَعلَى الْفَخْذ حَتَّى تيَمّم عمار رَضِي الله عَنهُ إِلَى الْمنْكب وَلِهَذَا لَو قَالَ بِعْتُك هَذِه الْأَشْجَار من هَذِه إِلَى هَذِه دخل الْحَد وَيكون المُرَاد بالغاية إِخْرَاج مَا وَرَاء الْحَد فَكَانَ المُرَاد بِذكر الْمرَافِق والكعبين إِخْرَاج مَا وَرَاءَهَا الثَّالِث أَن إِلَى تفِيد الْغَايَة ودخولها فِي الحكم وخروجها مِنْهُ يَدُور مَعَ الدَّلِيل فَقَوله تَعَالَى {فنظرة إِلَى ميسرَة} مِمَّا لَا يدْخل فِيهِ لِأَن الْإِعْسَار عِلّة الِانْتِظَار فيزول بِزَوَال علته وَكَذَا اللَّيْل فِي الصَّوْم لَو دخل لوَجَبَ الْوِصَال وَمِمَّا فِيهِ دَلِيل الدُّخُول قَوْلك حفظت الْقُرْآن من أَوله إِلَى آخِره وَقطعت يَد فلَان من الْخِنْصر إِلَى السبابَة فالحد يدْخل فِي الْمَحْدُود فَإِذا كَانَ الدُّخُول وَعدم الدُّخُول يقف على دَلِيل فقد وجد دَلِيل الدُّخُول هَهُنَا لوجوه ثَلَاثَة. الأول حَدِيث أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ أَنه تَوَضَّأ فَغسل يَدَيْهِ حَتَّى أشرع فِي العضدين وَغسل رجلَيْهِ حَتَّى أشرع فِي السَّاقَيْن ثمَّ قَالَ هَكَذَا رَأَيْته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يتَوَضَّأ رَوَاهُ مُسلم وَلم ينْقل تَركهَا فَكَانَ فعله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَيَانا أَنه مِمَّا يدْخل قَوْله حَتَّى أشرع الْمَعْرُوف شرع فِي كَذَا أَي دخل وَحكى فِيهِ شرع وأشرع وروى حَتَّى أَسْبغ فِي الْعَضُد وَحَتَّى أَسْبغ فِي السَّاق. الْوَجْه الثَّانِي أَن الْمرْفق مركب من عظمي الساعد والعضد وجانب الساعد وَاجِب الْغسْل دون الْعَضُد وَقد تعذر التَّمْيِيز بَينهمَا فَوَجَبَ غسل الْمرْفق لِأَن مَا لَا يتم الْوَاجِب إِلَّا بِهِ فَهُوَ وَاجِب. الْوَجْه الثَّالِث قد وَجَبت الصَّلَاة فِي ذمَّته وَالطَّهَارَة شَرط سُقُوطهَا فَلَا تسْقط بِالشَّكِّ. الْمدْرك الرَّابِع مَتى كَانَ ذكر الْغَايَة لمد الحكم إِلَيْهَا لَا تدخل الْغَايَة فِي المغيا كَمَا فِي الصَّوْم لِأَنَّهُ عبارَة عَن الْإِمْسَاك أدنى سَاعَة حَقِيقَة وَشرعا حَتَّى لَو حلف لَا يَصُوم يَحْنَث بِالصَّوْمِ سَاعَة وَكَذَا لَو قَالَ ثمَّ أَتموا الصّيام اقْتضى صَوْم سَاعَة وَمَتى كَانَ يتأبد قبل ذكر الْغَايَة أَو يتَنَاوَل زِيَادَة على الْغَايَة تدخل الْغَايَة فِي الحكم وَيكون المُرَاد بهَا إِخْرَاج مَا وَرَاء الْغَايَة مَعَ بَقَاء الْغَايَة وَالْحَد دَاخِلا فِي الحكم وَاسم الْيَد يتَنَاوَل من رُؤْس الْأَصَابِع إِلَى الْإِبِط وَاسم الرجل يَتَنَاوَلهَا إِلَى أَعلَى الْفَخْذ فَكَانَ ذكر الْغَايَة لإِخْرَاج مَا وَرَاءَهَا وإسقاطه من الْإِيجَاب فَبَقيت الْغَايَة وَمَا قبلهَا دَاخِلا تَحت الْإِيجَاب. وَأورد على هَذَا الْمدْرك مَسْأَلَة الْيَمين وَهِي أَنه لَو حلف لَا يكلم فلَانا إِلَى رَمَضَان لَا يدْخل رَمَضَان فِي الْيَمين مَعَ أَنه لَوْلَا الْغَايَة لكَانَتْ الْيَمين متأبدة وَلم يَجْعَل ذكر الْغَايَة مسْقطًا لما وَرَاءَهَا فاليد هَهُنَا كالأيد فِي الْيَمين قَالَ خُوَاهَر زَاده وَلَا وَجه لتخريج هَذَا النَّقْض إِلَّا بِالْمَنْعِ على رِوَايَة الْحسن عَن أبي حنيفَة وَقَالَ رَضِي الدّين النَّيْسَابُورِي هَذِه الْغَايَة لمد الْيَمين لَا للإسقاط لِأَن قَوْله لَا أكلم للْحَال فَكَانَ مدا لَهَا إِلَى الْأَبَد قلت هَذَا مَمْنُوع فَإِن الْمُضَارع مُشْتَرك بَين الْحَال والاستقبال والمشترك يعم فِي النَّفْي حَتَّى لَو حلف لَا يكلم موَالِي فلَان يتَنَاوَل الْأَعْلَى والأسفل ذكره فِي وَصَايَا الْهِدَايَة وَغَيرهَا وعَلى هَذَا قَالَ أَبُو حنيفَة رَضِي الله عَنهُ لَو شَرط الْخِيَار فِي البيع وَالشِّرَاء إِلَى الْغَد فَلهُ الْخِيَار فِي الْغَد كُله لِأَنَّهُ لَو اقْتصر على قَوْله أَنى بِالْخِيَارِ يتَنَاوَل الْأَبَد فَيكون ذكر الْغَد لإِسْقَاط مَا وَرَاءه أما وَجه ظَاهر الرِّوَايَة فِي الْيَمين فالعرف ومبنى الْإِيمَان عَلَيْهِ حَتَّى لَو حلف لَا يكلمهُ إِلَى عشرَة أَيَّام يدْخل الْيَوْم الْعَاشِر وَلَو قَالَ إِن تزوجت إِلَى خمس سِنِين دخلت السّنة الْخَامِسَة فِي الْيَمين وَكَذَا لَو اسْتَأْجر دَارا إِلَى خمس سِنِين دخلت الْخَامِسَة فِيهَا وَهَذَا الْمدْرك الرَّابِع هُوَ المتداول فِي الْكتب. النَّوْع الْحَادِي عشر قَوْله {وامسحوا برؤسكم} يدل على فَرضِيَّة مسح الرَّأْس وَاخْتلفُوا فِي الْمَفْرُوض مِنْهُ فروى أَصْحَابنَا فِيهِ رِوَايَتَانِ إِحْدَاهمَا ربع الرَّأْس وَالْأُخْرَى مِقْدَار ثَلَاثَة أَصَابِع وَيبدأ بِمقدم الرَّأْس وَقَالَ الْحسن بن الصَّالح يبْدَأ بمؤخر الرَّأْس وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ وَاللَّيْث يمسح بِمقدم الرَّأْس وَقَالَ مَالك الْفَرْض مسح جَمِيع الرَّأْس وَإِن ترك الْقَلِيل مِنْهُ جَازَ وَقَالَ الشَّافِعِي الْفَرْض مسح بعض رَأسه وَلم يحد شَيْئا قلت للفقهاء فِي هَذَا ثَلَاثَة عشر قولا سِتَّة عَن الْمَالِكِيَّة حَكَاهَا ابْن الْعَرَبِيّ والقرطبي وَقَالَ ابْن مسلمة صَاحب مَالك يجْزِيه مسح ثُلثَيْهِ وَقَالَ أَشهب وَأَبُو الْفرج يجْزِيه الثُّلُث وروى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute