وَمِائَة وَإِحْدَى عشرَة آيَة.
{بِسم الله الرحمان الرَّحِيم} .
لم تثبت الْبَسْمَلَة إِلَّا لأبي ذَر.
٨٠٧٤ - حدَّثنا آدَمُ حَدثنَا شُعْبَةُ عنْ أبي إسْحاقَ قَالَ سَمِعْتُ عبْدَ الرَّحْمانِ بنَ يزِيدَ قَالَ سَمِعْتُ ابنَ مَسْعُودٍ رَضِي الله عَنهُ قَالَ فِي بَني إسْرَائِيلَ والكَهْفِ ومَرْيَمَ إنَّهُنَّ مِنَ العِتَاقِ الأوَّلِ وهُنَّ مِنْ تِلَادِي.
(أَي هَذَا بَاب وَلَيْسَ فِي كثير من النّسخ لفظ: بَاب. وَأَبُو إِسْحَاق عَمْرو بن عبد الله السبيعِي، وَعبد الرَّحْمَن بن يزِيد النَّخعِيّ الْكُوفِي.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي فَضَائِل الْقُرْآن عَن آدم، وَأخرجه فِي التَّفْسِير أَيْضا عَن بنْدَار عَن غنْدر.
قَوْله: (من الْعتاق) بِكَسْر الْعين الْمُهْملَة وَتَخْفِيف التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق: جمع عتق، وَالْعرب تجْعَل كل شَيْء بلغ الْغَايَة فِي الْجَوْدَة عتيقاً، يُرِيد تَفْضِيل هَذِه السُّورَة لما يتَضَمَّن مفتتح كل مِنْهَا بِأَمْر غَرِيب وَقع فِي الْعَالم خارقاً للْعَادَة، وَهُوَ الْإِسْرَاء وقصة أَصْحَاب الْكَهْف وقصة مَرْيَم وَنَحْوهَا. قَوْله: الأول: بِضَم الْهمزَة وَفتح الْوَاو المخففة، والأولية إِمَّا بِاعْتِبَار حفظهَا أَو بِاعْتِبَار نُزُولهَا لِأَنَّهَا مَكِّيَّة. قَوْله: (من تلادي) بِكَسْر التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق وَتَخْفِيف اللَّام، وَهُوَ مَا كَانَ قَدِيما، يُقَال: مَاله طارف وَلَا تالد، أَي: لَا حَدِيث وَلَا قديم، وَأَرَادَ بقوله: (من تلادي) أَي: من محفوظاتي الْقَدِيمَة.
قَالَ ابْنُ عَبّاس فَسَيُنْغِضُونَ يَهُزُّونَ: وَقَالَ غيْرُهُ تَغَضَتْ سِنُّكَ أيْ تَحَرَّكَتْ
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {قل الَّذِي فطركم أول مرّة فسينغضون إِلَيْك رؤوسهم} (الْإِسْرَاء: ١٥)
الْآيَة، قَالَ ابْن عَبَّاس فِي تَفْسِير قَوْله: (فسينغضون) أَي: (يهزون) ، أَي: يحركون، وَكَذَا رَوَاهُ الطَّبَرِيّ من طَرِيق عَليّ بن أبي طَلْحَة عَنهُ، وروى من طَرِيق الْعَوْفِيّ عَنهُ قَالَ: يحركون رؤوسهم استهزاء، قَوْله: (وَقَالَ غَيره) أَي: قَالَ غير ابْن عَبَّاس مِنْهُم أَبُو عُبَيْدَة فَإِنَّهُ قَالَ: يُقَال: قد نغضت سنة، أَي: تحركت وَارْتَفَعت من أَصْلهَا، وَمعنى الْآيَة: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَمر أَن يَقُول للْمُشْرِكين الَّذين يَقُولُونَ: من بعيدنا؟ {قل الَّذِي فطركم} أَي: خَلقكُم {أول مرّة} قَادر على أَن يعيدكم، فَإِذا سمعُوا ينغضون إِلَيْهِ رؤوسهم متعجبين مستهزئين.
{وقَضَيْنا إِلَى بَني إسْرَائِيل} (الْإِسْرَاء: ٤) أخبرنَاهُمْ أنَّهُمْ سَيُفْسِدُونَ والقَضاءُ عَلَى وُجُوهٍ {وقَضَى رَبُّكَ} أمَرَ رَبُّكَ ومِنْهُ الحُكْمُ {إنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ} ومِنْهُ الخَلْقُ {فَقَضاهُنَّ سَبْعَ سَماوَاتٍ}
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {وقضينا إِلَى بني إِسْرَائِيل فِي الْكتاب لتفسدن فِي الأَرْض} الْآيَة، وَفسّر قَوْله: (وقضينا إِلَى بني إِسْرَائِيل) بقوله: (أخبرناهم) ، وَكَذَا فسره أَبُو عُبَيْدَة، وَيُقَال: مَعْنَاهُ أعلمناهم إعلاماً قَاطعا. قَوْله: (وَالْقَضَاء على وُجُوه) ، أَشَارَ بِهَذَا إِلَى أَن لفظ الْقَضَاء يَأْتِي لمعان كَثِيرَة، وَذكر مِنْهَا ثَلَاثَة: الأول: أَن الْقَضَاء بِمَعْنى الْأَمر كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {وَقضى رَبك} (الْإِسْرَاء: ٣٢) أَي أَمر. الثَّانِي: أَنه بِمَعْنى الحكم فِي قَوْله تَعَالَى: {إِن رَبك يقْضِي بَينهم} (النَّمْل: ٩٧، يُونُس: ٣٩) أَي يحكم. الثَّالِث: أَنه بِمَعْنى الْخلق، كَمَا فِي قَوْله: {فقضاهن سبع سموات} (فصلت: ٢١) أَي: خَلقهنَّ، وَفِي بعض النّسخ بعد سبع سموات خَلقهنَّ.
وَذكر بَعضهم فِيهِ مَعَاني جُمْلَتهَا ثَمَانِيَة عشر وَجها، مِنْهَا الثَّلَاثَة الَّتِي ذكرت، وَالرَّابِع: الْفَرَاغ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {فَإِذا قضيتم مَنَاسِككُم} (الْبَقَرَة: ٠٠٢) أَي: إِذا فَرَغْتُمْ مِنْهَا. وَالْخَامِس: الْكِتَابَة كَمَا فِي قَوْله: {فَإِذا قضى أمرا} (غَافِر: ٨٦) أَي: كتب. وَالسَّادِس: الْأَجَل كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {فَمنهمْ من قضى نحبه} (الْأَحْزَاب: ٣٢) ، وَالسَّابِع: الْفَصْل، كَمَا فِي قَوْله: {لقضي الْأَمر بيني وَبَيْنكُم} (الْأَنْعَام: ٨٥) . وَالثَّامِن: الْمُضِيّ، كَمَا فِي قَوْله: {ليقضي الله أمرا كَانَ مَفْعُولا} (الْأَنْفَال: ٢٤ و ٤٤) . وَالتَّاسِع: الْهَلَاك، كَمَا فِي قَوْله: {لقضي إِلَيْهِم أَجلهم} (يُونُس: ١١) . والعاشر: الْوُجُوب، كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {لما قضي الْأَمر} (إِبْرَاهِيم: ٢٢) . وَالْحَادِي عشر: الإبرام، كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {إلَاّ حَاجَة فِي نفس يَعْقُوب قَضَاهَا} (يُوسُف: ٨٦) . وَالثَّانِي عشر: الْوَصِيَّة كَمَا فِي قَوْله: {وَقضى رَبك أَن لَا تعبدوا إِلَّا إِيَّاه} (الْإِسْرَاء: ٣٢) . وَالثَّالِث عشر: الْمَوْت كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {فوكزه مُوسَى فَقضى عَلَيْهِ} (الْقَصَص: ٥١) . وَالرَّابِع عشر: النُّزُول، كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {فَلَمَّا قضينا عَلَيْهِ الْمَوْت} (سبإ: ٤١) . وَالْخَامِس عشر: الْفِعْل كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {كلا لما يقْض مَا أمره}