أَبُو مُوسَى الْمَدِينِيّ فِي كتاب الصَّحَابَة وَأخرجه الشَّافِعِي فِي مُسْنده قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام لأعمى يتَوَضَّأ اغسل بطن الْقدَم فَجعل الْأَعْمَى يغسل بطن الْقدَم وَقَالَ أَبُو إِسْحَق الثَّعْلَبِيّ فِي تَفْسِيره فَسمى الْأَعْمَى أَبَا غسيل وَأما حَدِيث بعض الصَّحَابَة فَأخْرجهُ أَبُو دَاوُد عَن خَالِد بن معدان عَن بعض الصَّحَابَة أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رأى رجلا يُصَلِّي وَفِي ظهر قدمه لمْعَة قدر الدِّرْهَم لم يصبهَا المَاء فَأمره النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يُعِيد الْوضُوء وَالصَّلَاة وَزعم أَبُو إِسْحَق الفيروزباذي فِي كتاب غسل الرجلَيْن أَن أَبَا سعيد رَوَاهُ أَيْضا عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهَذَا غير مُسْتَقِيم لِأَن حَدِيث أبي سعيد لَيْسَ فِيهِ إِلَّا أَسْبغُوا الْوضُوء وَلم يذكر فِيهِ الأعقاب كَذَا ذكره الطَّبَرَانِيّ وَأَبُو مُحَمَّد الدَّارمِيّ وَأحمد بن حَنْبَل فِي آخَرين فَقَوله ويل لِلْأَعْقَابِ من النَّار وَعِيد لايجوز أَن يسْتَحق إِلَّا بترك الْمَفْرُوض فَهَذَا يُوجب اسْتِيعَاب الرجل بِالْغسْلِ وَفِي الْغَايَة أما وَظِيفَة الرجلَيْن ففيهما أَرْبَعَة مَذَاهِب الأول هُوَ مَذْهَب الْأَئِمَّة الْأَرْبَعَة وَغَيرهم من أهل السّنة وَالْجَمَاعَة أَن وظيفتهما الْغسْل وَلَا يعْتد بِخِلَاف من خَالف ذَلِك الثَّانِي مَذْهَب الإمامية من الشِّيعَة أَن الْفَرْض مسحهما الثَّالِث هُوَ مَذْهَب الْحسن الْبَصْرِيّ وَمُحَمّد بن جرير الطَّبَرِيّ وَأبي عَليّ الجبائي أَنه مُخَيّر بَين الْمسْح وَالْغسْل الرَّابِع مَذْهَب أهل الظَّاهِر وَهُوَ رِوَايَة عَن الْحسن أَن الْوَاجِب الْجمع بَينهمَا وَعَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا هما غسلتان ومسحتان وَعنهُ أَمر الله بِالْمَسْحِ وأبى النَّاس إِلَّا الْغسْل وروى أَن الْحجَّاج خطب بالأهواز فَذكر الْوضُوء فَقَالَ اغسلوا وُجُوهكُم وَأَيْدِيكُمْ وامسحوا برؤسكم وأرجلكم إِلَى الْكَعْبَيْنِ فَإِنَّهُ لَيْسَ شَيْء من ابْن آدم أقرب من مَسّه من قَدَمَيْهِ فَاغْسِلُوا بطونهما وَظُهُورهمَا وعراقيبهما فَسمع ذَلِك أنس بن مَالك رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ فَقَالَ صدق الله وَكذب الْحجَّاج قَالَ الله تَعَالَى {وامسحوا برؤسكم وأرجلكم} وَكَانَ عِكْرِمَة يمسح رجلَيْهِ وَيَقُول لَيْسَ فِي الرجلَيْن غسل وَإِنَّمَا هُوَ مسح وَقَالَ الشّعبِيّ نزل جِبْرِيل عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام بِالْمَسْحِ وَقَالَ قَتَادَة افْترض الله غسلين ومسحين وَلِأَن قِرَاءَة الْجَرّ محكمَة فِي الْمسْح لِأَن الْمَعْطُوف يُشَارك الْمَعْطُوف عَلَيْهِ فِي حكمه لِأَن الْعَامِل الأول ينصب عَلَيْهِمَا انصبابة وَاحِدَة بِوَاسِطَة الْوَاو عِنْد سِيبَوَيْهٍ وَعند آخَرين يقدر للتابع من جنس الأول وَالنّصب يحْتَمل الْعَطف على الأول على بعد فَإِن أَبَا عَليّ قَالَ قد أجَاز قوم النصب عطفا على وُجُوهكُم وَإِنَّمَا يجوز شبهه فِي الْكَلَام المعقد وَفِي ضَرُورَة الشّعْر وَمَا يجوز على مثله محبَّة العي وظلمة اللّبْس وَنَظِيره اعط زيدا وعمرا جوائزهما وَمر ببكر وخَالِد فَأَي بَيَان فِي هَذَا وَأي لبس أقوى من هَذَا ذكره المرسي حاكيا عَنهُ فِي ري الظمآن وَيحْتَمل الْعَطف على مَحل برؤسكم كَقَوْلِه تَعَالَى {يَا جبال أوبي مَعَه وَالطير} بِالنّصب عطفا على الْمحل لِأَنَّهُ مفعول بِهِ وكقول الشَّاعِر
(معاوي أننا بشر فاسجح ... فلسنا بالجبال وَلَا الحديدا)
بِالنّصب على مَحل الْجبَال لِأَنَّهُ خبر لَيْسَ فَوَجَبَ أَن يحمل الْمُحْتَمل على الْمُحكم. وَلنَا الْأَحَادِيث الصَّحِيحَة المستفيضة فِي صفة وضوء النَّبِي عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام أَنه غسل رجلَيْهِ وَهُوَ حَدِيث عُثْمَان الْمُتَّفق على صِحَّته وَحَدِيث عَليّ وَابْن عَبَّاس وَأبي هُرَيْرَة وَعبد الله بن زيد وَالربيع بنت معوذ بن عفراء وَعَمْرو بن عبسة رَضِي الله عَنْهُم وَثَبت أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام رأى جمَاعَة توضؤا وَبقيت أَعْقَابهم تلوح فَلم يَمَسهَا المَاء فَقَالَ ويل لِلْأَعْقَابِ من النَّار وَلم يثبت عَنهُ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام أَنه مسح رجلَيْهِ بِغَيْر خف فِي حضر وَلَا سفر وَالْآيَة قُرِئت بالحركات الثَّلَاث بِالنّصب وَله وَجْهَان أَحدهمَا أَن يكون مَعْطُوفًا على وُجُوهكُم فيشاركها فِي حكمهَا وَهُوَ الْغسْل وَإِنَّمَا أخرت عَن الْمسْح بعد المغسولين لوُجُوب تَأْخِير غسلهمَا عَن مسح الرَّأْس عِنْد قوم ولاستحبابه عِنْد آخَرين وَالثَّانِي أَن يكون عَامله مُقَدرا وَهُوَ واغسلوا لَا بالْعَطْف على وُجُوهكُم كَمَا تَقول أكلت الْخبز وَاللَّبن أَي شربته وَإِن لم يتَقَدَّم للشُّرْب ذكر وَهَهُنَا تقدم للْغسْل ذكر فَكَانَ أولى بالاضمار وَمِنْه علفتها تبنا وَمَاء بَارِدًا أَي سقيتها وَقَالَ رَأَيْت زَوجك فِي الوغى مُتَقَلِّدًا سَيْفا ورمحا أَي وحاملا رمحا وَقَالَ. شراب البان وتمر وأقط. أَي وآكل تمر وأقط. وبالجر وَعنهُ أجوبة. الأول أَنَّهَا جرت على مجاورة رؤسكم وَإِن كَانَت مَنْصُوبَة كَقَوْلِه تَعَالَى {إِنِّي أَخَاف عَلَيْكُم عَذَاب يَوْم أَلِيم} على جوَار يَوْم وَإِن كَانَ صفة للعذاب وكقولهم هَذَا جُحر ضَب خرب صفة جُحر وَإِن كَانَ مَرْفُوعا فَإِذا قلت جحرا ضَب خربين وجحرة ضباب خربة لم يجزه الْخَلِيل فِي التَّثْنِيَة وَأَجَازَهُ فِي الْجمع وَاشْترط أَن يكون الآخر مثل الأول وَأَجَازَهُ سِيبَوَيْهٍ فِي الْكل الْجَواب الثَّانِي أَنَّهَا عطفت على الرؤس لِأَنَّهَا تغسل
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute