أَن يُقَال: إِن حَدِيث أبي هُرَيْرَة الَّذِي مضى فِي الإشخاص: أَن النَّاس يصعقون يَوْم الْقِيَامَة فيصعق مَعَهم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَيكون النَّبِي أول من يفِيق، فَإِذا أَفَاق يرى مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام، مُتَعَلقا بالعرش وَلَا يدْرِي أَنه كَانَ فِيمَن صعق فأفاق قبله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَو كَانَ مِمَّن اسْتثْنى الله عز وَجل، وَهَذَا الَّذِي ذَكرْنَاهُ مَضْمُون ذَلِك الحَدِيث الَّذِي أخرجه فِي الإشخاص وَفِي أَحَادِيث الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم السَّلَام.
٤١٨٤ - حدَّثنا عُمَرُ بنُ حَفْص حدّثنا أبي قَالَ حدّثنا الأعْمَشُ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا صالِحٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ مَا بَينَ النَّفْخَتَيْنِ أرْبَعُونَ قَالُوا يَا أَبَا هُرَيْرَةَ أرْبَعُونَ يَوْماً قَالَ أبَيْتُ قَالَ أرْبَعُونَ سَنَةً قَالَ أبَيْتُ قَالَ أرْبَعُونَ شَهْراً قَالَ أبَيْتُ وَسَيُبْلَى كُلُّ شَيْءٍ مِنَ الإنْسَانِ إلاّ عَجْبَ ذَنَبِهِ فِيهِ يُرَكَّبُ الخَلْقُ.
(انْظُر الحَدِيث ٤١٨٤ طرفه فِي: ٥٣٩٤) .
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ اشتماله على النفخ. وَشَيخ البُخَارِيّ يروي عَن أَبِيه حَفْص بن غياث بن طلق النَّخعِيّ الْكُوفِي قاضيها، وَهُوَ يروي عَن سلميان الْأَعْمَش عَن أبي صَالح ذكْوَان السمان.
قَوْله: (مَا بَين النفختين) وهما النفخة الأولى والنفخة الثَّانِيَة. قَوْله: (قَالُوا) ، أَي: أَصْحَاب أبي هُرَيْرَة. قَوْله: (أَبيت) من الإباء وَهُوَ الِامْتِنَاع أَي: امْتنعت من تعْيين ذَلِك بِالْأَيَّامِ والسنين والشهور، لِأَنَّهُ لم يكن عِنْده علم بذلك، وَقَالَ بَعضهم: وَزعم بعض الشُّرَّاح أَنه وَقع عِنْد مُسلم: أَرْبَعِينَ سنة، وَلَا وجود لذَلِك. انْتهى. قلت: إِن كَانَ مُرَاده من بعض الشُّرَّاح صَاحب (التَّوْضِيح) : فَهُوَ لم يقل كَذَلِك، وَإِنَّمَا قَالَ: وَقد جَاءَت مفسرة فِي رِوَايَة غَيره فِي غير مُسلم: أَرْبَعُونَ سنة، وَأَشَارَ بِهِ إِلَى مَا رَوَاهُ ابْن مرْدَوَيْه من طَرِيق سعيد بن الصَّلْت عَن الْأَعْمَش فِي هَذَا الْإِسْنَاد: أَرْبَعُونَ سنة، وَهُوَ شَاذ، وَمن وَجه ضَعِيف عَن ابْن عَبَّاس، قَالَ: مَا بَين النفخة والنفخة أَرْبَعُونَ سنة. قَوْله: (وسيبلى) أَي: سيخلق، من: بلَى الثَّوْب يبلي بلَى بِكَسْر الْبَاء، فَإِن فتحتها مددتها. وأبليت الثَّوْب. قَوْله: (إلَاّ عجب ذَنبه) ، بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَسُكُون الْجِيم، وَهُوَ أصل الذَّنب وَهُوَ عظم لطيف فِي أصل الصلب، وَهُوَ رَأس العصعص، وروى ابْن أبي الدُّنْيَا فِي كتاب (الْبَعْث) من حَدِيث أبي سعيد الْخُدْرِيّ، قيل: يَا رَسُول الله! مَا الْعجب؟ قَالَ: مثل حَبَّة خَرْدَل. انْتهى. وَيُقَال لَهُ: عجم، بِالْمِيم كلاب ولازم، وَهُوَ أول مَخْلُوق من الْآدَمِيّ، وَهُوَ الَّذِي يبْقى ليركب عَلَيْهِ الْخلق، وَفَائِدَة إبْقَاء هَذَا الْعظم دون غَيره مَا قَالَه ابْن عقيل: لله عز وَجل فِي هَذَا سر لَا نعلمهُ لِأَن من يظْهر الْوُجُود من الْعَدَم لَا يحْتَاج إِلَى أَن يكون لفعله شَيْء يبْنى عَلَيْهِ وَلَا خميرة، فَإِن علل هَذَا يتجوز أَن يكون الْبَارِي جلت عَظمته جعل ذَلِك عَلامَة للْمَلَائكَة، على أَن يحيى كل إِنْسَان بجواهره بِأَعْيَانِهَا وَلَا يحصل الْعلم للْمَلَائكَة بذلك إلَاّ بإبقاء عظم كل شخص ليعلم أَنه إِنَّمَا أَرَادَ بذلك إِعَادَة الْأَرْوَاح إِلَى تِلْكَ الْأَعْيَان الَّتِي هِيَ جُزْءا مِنْهَا، كَمَا أَنه لما مَاتَ عُزَيْرًا عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، وَحِمَاره، أبقى عِظَام الْحمار فكساها ليعلم أَن ذَلِك المنشى ذَلِك الْحمار لَا غَيره، وَلَوْلَا إبْقَاء شَيْء لجوزت الْمَلَائِكَة أَن تكون الْإِعَادَة للأرواح إِلَى أَمْثَال الأجساد لَا إِلَى أعيانها. فَإِن قلت: فِي (الصَّحِيح) يبْلى كل شَيْء من الْإِنْسَان، وَهنا يبْلى إلَاّ عجب الذَّنب؟ قلت: هَذَا لَيْسَ بِأول عَام خص. ولأباول مُجمل فصل، كَمَا نقُول: إِن هذَيْن الْحَدِيثين خص مِنْهُمَا الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم السَّلَام، لِأَن الله تَعَالَى حرم على الأَرْض أَن تَأْكُل أَجْسَادهم وَألْحق ابْن عبد الْبر الشُّهَدَاء بهم، والقرطبي الْمُؤَذّن الْمُحْتَسب. فَإِن قلت: مَا الْحِكْمَة فِي تَخْصِيص الْعجب بِعَدَمِ البلى دون غَيره؟ قلت: لِأَن أصل الْخلق مِنْهُ وَمِنْه يركب، وَهُوَ قَاعِدَة بَدْء الْإِنْسَان وأسه الَّذِي يبْنى عَلَيْهِ، فَهُوَ أَصْلَب من الْجَمِيع كقاعدة الْجِدَار، وَقَالَ بَعضهم: زعم بعض الشُّرَّاح أَن المُرَاد بِأَنَّهُ لَا يبْلى أَي: يطول بَقَاؤُهُ لَا أَنه لَا يبْلى أصلا، وَهَذَا مَرْدُود لِأَنَّهُ خلاف الظَّاهِر بِغَيْر دَلِيل. انْتهى. قلت: بعض الشُّرَّاح هَذَا هُوَ شَارِح (المصابيح) الَّذِي يُسمى شَرحه مظْهرا، وَلَيْسَ هُوَ شَارِح البُخَارِيّ، وَلَيْسَ هُوَ بمنفرد بِهَذَا القَوْل، وَبِه قَالَ الْمُزنِيّ أَيْضا، فَإِنَّهُ قَالَ: إلَاّ، هُنَا بِمَعْنى الْوَاو، أَي: وَعجب الذَّنب أَيْضا يبْلى، وَجَاء عَن الْفراء والأخفش: مَجِيء إلَاّ بِمَعْنى الْوَاو، لَكِن هَذَا خلاف الظَّاهِر، وَكَيف لَا وَقد جَاءَ عَن أبي هُرَيْرَة من طَرِيق همام عَنهُ: أَن للْإنْسَان عظما لَا تَأْكُله الأَرْض
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute