يجْتَمع شَيْئَانِ ويغلب أَحدهمَا على الآخر وَهَذَا لم يجْتَمع فِيهِ شَيْئَانِ وَإِنَّمَا جعلت التَّارِيخ بالليلة دون النَّهَار لِأَن أشهر الْعَرَب قمرية فَافْهَم ثمَّ اعْلَم أَن هَذَا كُله على تَقْدِير أَن يكون قَوْله فَمن اسْتَطَاعَ مِنْكُم إِلَى آخِره من الحَدِيث لِأَن الْمَرْفُوع مِنْهُ إِلَى قَوْله من آثَار الْوضُوء وَبَاقِي ذَلِك من قَول أبي هُرَيْرَة أدرجه فِي آخر الحَدِيث وَقد أنكر ذَلِك بعض الشَّارِحين فَقَالَ وَفِي هَذِه الدَّعْوَى بعد عِنْدِي قلت لَيْسَ فِيهَا بعد وَكَيف وَقد رَوَاهُ أَحْمد رَحمَه الله من طَرِيق فليح عَن نعيم وَفِي آخِره قَالَ نعيم لَا أَدْرِي قَوْله من اسْتَطَاعَ إِلَى آخِره من قَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَو من قَول أبي هُرَيْرَة رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ وَقد روى هَذَا الحَدِيث عشرَة من الصَّحَابَة وَلَيْسَ فِي رِوَايَة وَاحِد مِنْهُم هَذِه الْجُمْلَة وَكَذَا رَوَاهُ جمَاعَة عَن أبي هُرَيْرَة وَلَيْسَ فِي رِوَايَة أحد مِنْهُم غير مَا وجد فِي رِوَايَة نعيم عَنهُ فَهَذَا كُله أَمارَة الإدراج وَالله أعلم (بَيَان الْبَيَان) فِيهِ تَشْبِيه بليغ حَيْثُ شبه النُّور الَّذِي يكون على مَوضِع الْوضُوء يَوْم الْقِيَامَة بغرة الْفرس وتحجيله وَيجوز أَن يكون كِنَايَة بِأَن يكون كنى بالغرة عَن نور الْوَجْه وَقد علم أَن الْأُصُول فِي هَذَا الْبَاب ثَلَاثَة التَّشْبِيه وَالْمجَاز وَالْكِنَايَة فالتشبيه هُوَ الدّلَالَة على مُشَاركَة أَمر لأمر فِي وصف من أَوْصَاف أَحدهمَا فِي نَفسه كالشجاعة فِي الْأسد والنور فِي الشَّمْس وَاللَّفْظ المُرَاد بِهِ لَازم مَا وضع لَهُ أَن قَامَت قرينَة على عدم إِرَادَته فمجاز كَقَوْلِه رَأَيْت أسدا يرْمى وَإِن لم تقم قرينَة على عدم إِرَادَة مَا وضع لَهُ فَهُوَ كِنَايَة كَقَوْلِك زيد طَوِيل النجاد وَمعنى الْمجَاز كجزء معنى الْكِنَايَة من حَيْثُ أَن الْكِنَايَة لَا تنَافِي إِرَادَة الْحَقِيقَة فَلَا يمْتَنع أَن يُرَاد من قَوْلهم فلَان طَوِيل النجاد طول نجاده من غير ارْتِكَاب تَأَول مَعَ إِرَادَة طول قامته بِخِلَاف الْمجَاز فَإِنَّهُ يُنَافِي الْحَقِيقَة فَيمْتَنع أَن يُرَاد معنى الْأسد من غير تَأْوِيل فِي نَحْو رَأَيْت أسدا فِي الْحمام فالحقيقة جَائِزَة الْإِرَادَة مَعَ الْكِنَايَة غير جَائِزَة الْإِرَادَة مَعَ الْمجَاز فَإِن الْمجَاز بِهَذَا الِاعْتِبَار جُزْء من الْكِنَايَة فَافْهَم (بَيَان استنباط الْأَحْكَام) وَهُوَ على وُجُوه الأول قَالُوا فِيهِ تَطْوِيل الْغرَّة وَهُوَ غسل شَيْء من مقدم الرَّأْس وَمَا يُجَاوز الْوَجْه زَائِدا على الْقدر الَّذِي يجب غسله لاستيقان كَمَال الْوَجْه وَفِيه تَطْوِيل التحجيل وَهُوَ غسل مَا فَوق الْمرْفقين والكعبين وَادّعى ابْن بطال ثمَّ القَاضِي عِيَاض ثمَّ ابْن التِّين اتِّفَاق الْعلمَاء على أَنه لَا يسْتَحبّ الزِّيَادَة فَوق الْمرْفق والكعب وَهِي دَعْوَى بَاطِلَة فقد ثَبت ذَلِك عَن فعل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأبي هُرَيْرَة وَعمل الْعلمَاء وفتواهم عَلَيْهِ فهم محجوجون بِالْإِجْمَاع وَقد ثَبت عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا من فعله أخرجه ابْن أبي شيبَة وَأَبُو عبيد بِإِسْنَاد حسن ثمَّ اخْتلف الْعلمَاء فِي الْقدر الْمُسْتَحبّ من التَّطْوِيل فِي التحجيل فَقيل إِلَى الْمنْكب وَالركبَة وَقد ثَبت عَن أبي هُرَيْرَة رِوَايَة ورأيا وَقيل الْمُسْتَحبّ الزِّيَادَة إِلَى نصف الْعَضُد والساق وَقيل إِلَى فَوق ذَلِك وَنقل ذَلِك عَن الْبَغَوِيّ وَقَالَ بعض الشَّافِعِيَّة حاصلها ثَلَاثَة أوجه: أَحدهَا أَنه يسْتَحبّ الزِّيَادَة فَوق الْمرْفقين والكعبين من غير تَوْقِيت وَثَانِيها إِلَى نصف الْعَضُد والساق وَثَالِثهَا إِلَى الْمنْكب والركبتين قَالَ وَالْأَحَادِيث تَقْتَضِي ذَلِك كُله وَقَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين الْقشيرِي لَيْسَ فِي الحَدِيث تَقْيِيد وَلَا تَحْدِيد لمقدار مَا يغسل من العضدين والساقين وَقد اسْتعْمل أَبُو هُرَيْرَة الحَدِيث على إِطْلَاقه وَظَاهره من طلب إطالة الْغرَّة فَغسل إِلَى قريب من الْمَنْكِبَيْنِ وَلم ينْقل ذَلِك عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلَا كثر اسْتِعْمَاله فِي الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ فَلذَلِك لم يقل بِهِ الْفُقَهَاء وَرَأَيْت بعض النَّاس قد ذكر أَن حد ذَلِك نصف الْعَضُد والساق انْتهى قلت قَوْله لم يقل بِهِ الْفُقَهَاء مَرْدُود بِمَا ذَكرْنَاهُ وَمن أَوْهَام ابْن بطال وَالْقَاضِي عِيَاض إنكارهما على أبي هُرَيْرَة بُلُوغه المَاء إِلَى إبطَيْهِ وَأَن أحدا لم يُتَابِعه عَلَيْهِ فقد قَالَ بِهِ القَاضِي حُسَيْن وَآخَرُونَ من الشَّافِعِيَّة وَفِي مُصَنف ابْن أبي شيبَة حَدثنَا وَكِيع عَن الْعمريّ عَن نَافِع عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا أَنه كَانَ رُبمَا بلغ بِالْوضُوءِ إبطه فِي الصَّيف فَإِن قلت روى ابْن أبي شيبَة أَيْضا عَن وَكِيع عَن عقبَة بن أبي صَالح عَن إِبْرَاهِيم أَنه كرهه قلت هَذَا مَرْدُود بِذَاكَ فَإِن قلت اسْتدلَّ ابْن بطال فِيمَا ذهب إِلَيْهِ وَمن تبعه أَيْضا بقوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من زَاد على هَذَا اَوْ نقص فقد أَسَاءَ وظلم قلت هَذَا اسْتِدْلَال فَاسد لِأَن المُرَاد بِهِ الزِّيَادَة فِي عدد المرات أَو النَّقْص عَن الْوَاجِب أَو الثَّوَاب الْمُرَتّب على نقص الْعدَد لَا الزِّيَادَة على تَطْوِيل الْغرَّة أَو التحجيل وَكَذَلِكَ تَأْوِيل ابْن بطال الِاسْتِطَاعَة فِي الحَدِيث على إطالة الْغرَّة والتحجيل بالمواظبة على الْوضُوء لكل صَلَاة فتطول غرته بتقوية نور أَعْضَائِهِ وَبِأَن الطول والدوام مَعْنَاهُمَا مُتَقَارب فَاسد وَوَجهه ظَاهر وَكَذَلِكَ قَوْله الْوَجْه لَا سَبِيل إِلَى الزِّيَادَة فِي غسله إِذْ اسْتِيعَاب الْوَجْه بِالْغسْلِ وَاجِب فَاسد لَا مَكَان
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute