فِي الْجُمْلَة أَن الله تَعَالَى لم يخلقهم لِلْعِبَادَةِ خلق جبلة وَاخْتِيَار، وَإِنَّمَا خلقهمْ لَهَا خلق تَكْلِيف واختبار. فَمن وَفقه وسدده أَقَامَ الْعِبَادَة الَّتِي خلق لَهَا، وَمن خذله وطرده حرمهَا وَعمل بِمَا خلق لَهُ كَقَوْلِه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اعْمَلُوا فَكل ميسر لما خلق لَهُ، وَفِي نفس الْأَمر: هَذَا سر لَا يطلع عَلَيْهِ غير الله تَعَالَى، وَقَالَ: {لَا يسْأَل عَمَّا يفعل وهم يسْأَلُون} (الْأَنْبِيَاء: ٣٢) قَوْله: (وَلَيْسَ فِيهِ حجَّة لأهل الْقدر) ، أَي: الْمُعْتَزلَة وهم احْتَجُّوا بهَا على أَن إِرَادَة الله تَعَالَى لَا تتَعَلَّق إلَاّ بِالْخَيرِ، وَأما الشَّرّ فَلَيْسَ مرَادا لَهُ، وَأجَاب أهل السّنة بِأَنَّهُ لَا يلْزم من كَون الشَّيْء مُعَللا بِشَيْء أَن يكون ذَلِك الشَّيْء أَي: الْعلَّة مرَادا وَلَا يلْزم أَن يكون غَيره مرَادا. قَالُوا: أَفعَال الله لَا بُد أَن تكون معللة أُجِيب: بِأَنَّهُ لَا يلْزم من وُقُوع التَّعْلِيل وُجُوبه، وَنحن نقُول: بِجَوَاز التَّعْلِيل قَالُوا: أَفعَال الْعباد مخلوقة لَهُم لإسناد الْعِبَادَة إِلَيْهِم أُجِيب بِأَنَّهُ لَا حجَّة لَهُم فِيهِ لِأَن الْإِسْنَاد من جِهَة الْكسْب وَكَون العَبْد محلا لَهَا.
وَالذَّنُوبُ: الدَّلْوُ العَظِيمُ
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {فَإِن للَّذين ظلمُوا ذنوبا مثل ذنُوب أَصْحَابهم فَلَا يستعجلون} (الذاريات: ٩٥) وَهَذَا التَّفْسِير الَّذِي فسره من حَيْثُ اللُّغَة فَإِن الذُّنُوب فِي اللُّغَة: الدَّلْو الْعَظِيم، المملوء مَاء وَأهل التَّفْسِير اخْتلفُوا فَعَن مُجَاهِد: سَبِيلا، وَعَن النَّخعِيّ ظرفا وَعَن قَتَادَة وَعَطَاء، عذَابا. وَعَن الْحسن دولة، وَعَن الْكسَائي: حظاً وَعَن الْأَخْفَش نَصِيبا.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ ذنُوبا سَجْلاً
أَي: قَالَ مُجَاهِد فِي تَفْسِير ذنوبا سجلاً، وَهُوَ المُرَاد هُنَا، وَفِي بعض النّسخ وَقع هَذَا بعد قَوْله: صرة صَيْحَة، وَهُوَ تخبيط من النَّاسِخ، والسجل، بِفَتْح السِّين الْمُهْملَة وَسُكُون الْجِيم وباللام. هُوَ الدَّلْو الممتلىء مَاء. ثمَّ اسْتعْمل فِي الخظ والنصيب.
صَرَّةٍ صَيْحَةٍ
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {وَقَالَت عَجُوز عقيم} هِيَ: سارة، وَكَانَت لم تَلد قبل ذَلِك فَولدت وَهِي بنت تسع وَتِسْعين سنة، وَإِبْرَاهِيم، صلوَات الله عَلَيْهِ، يَوْمئِذٍ ابْن مائَة سنة.
وَقَالَ ابنُ عَبَّاسٍ: والحُبكَ اسْتوَاؤُها وَحُسْنُها
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {وَالسَّمَاء ذَات الحبك} (الذاريات: ٧) وَفسّر الحبك باستواء السَّمَاء وحسنها، وَكَذَا روى ابْن أبي حَاتِم عَن الْأَشَج: حَدثنَا ابْن فُضَيْل أخبرنَا عَطاء بن السَّائِب عَن سعيد عَن ابْن عَبَّاس وَقَتَادَة وَالربيع: ذَات الْخلق الْحسن المستوي، وَكَذَا قَالَ عِكْرِمَة، وَقَالَ: ألم تَرَ إِلَى النساج نسج الثَّوْب وأجاد نسجه. قيل: مَا أحسن حبكه؟ وَعَن الْحسن: حبكت بالنجوم، وَعَن سعيد بن جُبَير: ذَات الزِّينَة، وَعَن مُجَاهِد: هُوَ المتقن الْبُنيان، وَعَن الضَّحَّاك: ذَات الطرائق وَلكنهَا تبعد عَن الْخَلَائق فَلَا يرونها.
فِي غَمْرةٍ فِي ضَلالَتِهِمْ يَتَمَادَوْنَ
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {قتل الخراصون الَّذين هم فِي غمرة ساهون} (الذاريات: ٠١، ١١) وَفسّر الغمرة بالضلالة، وَقيل: الغمرة الشُّبْهَة والغفلة، وَفِي بعض النّسخ. فِي غمرة فِي ضَلَالَة يتمادون يتطاولون. قَوْله: (ساهون) ، أَي: لاهون.
وَقَالَ غَيْرُهُ: تَوَاصوْا تَوَاطَؤُا
أَي: قَالَ غير ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى: {أتواصوا بِهِ بل هم قوم طاغون} (الذاريات: ٣٥) وَفسّر: (تواصوا) بقوله: (تواطؤا) وَأخرجه ابْن الْمُنْذر من طَرِيق أبي عُبَيْدَة بقوله: تواطؤوا عَلَيْهِ. وَأخرجه بَعضهم عَن بعض، قَالَ الثَّعْلَبِيّ: أوصى بَعضهم بَعْضًا بالتكذيب وَتَوَاصَوْا عَلَيْهِ، وَالْألف فِيهِ التوبيخ.
وَقَالَ: مُسَوَّمَةً مُعَلَمَةً مِنَ السَّمَا
أَي: قَالَ غير ابْن عَبَّاس أَيْضا فِي قَوْله تَعَالَى: {لنرسل عَلَيْهِم حِجَارَة من طين مسومة عِنْد رَبك للمسرفين} (الذاريات: ٣٣، ٤٣) وَفسّر: (مسومة) بقوله: (معلمة من السيما) وَهِي من السومة وَهِي الْعَلامَة.
قُتِلَ الخَرَّاصُونَ: لُعِنُوا
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {قتل الخراصون} (الذاريات: ٠١) أَي: لعنُوا، وَوَقع هَذَا فِي بعض النّسخ، وَعَن ابْن عَبَّاس: الخراصون المرتابون،