أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله عز وَجل: {تضحكون وَلَا تَبْكُونَ وَأَنْتُم سامدون} (النَّجْم: ٠١، ١٦) وَقَالَ: (سامدون البرطمة) بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون الرَّاء وَفتح الطَّاء الْمُهْملَة وَالْمِيم، كَذَا فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين، وَفِي رِوَايَة الْحَمَوِيّ والأصيلي والقابسي، البرطنة، بالنُّون بدل الْمِيم، وَمَعْنَاهُ الْإِعْرَاض، وَقَالَ ابْن عُيَيْنَة: البرطمة هَكَذَا وَوضع ذقنه فِي صَدره، وَعَن مُجَاهِد: سامدون غضاب متبرطمون، فَقيل لَهُ: مَا البرطمة، فَقَالَ الْإِعْرَاض، وَيُقَال: البرطمة الانتفاخ من الْغَضَب، وَرجل مبرطم متكبر، وَقيل: هُوَ الْغناء الَّذِي لَا يفهم، وَفِي التَّفْسِير: سامدون لاهون غافلون، يُقَال: دع عَنْك سمودك. أَي: لهوك، وَهُوَ لُغَة أهل الْيمن للَاّهي، وَعَن الضَّحَّاك: أشرون بطرون. قَوْله: (وَقَالَ عِكْرِمَة) ، هُوَ مولى ابْن عَبَّاس: معنى سامدون يتغنون بلغَة الْحمير، رَوَاهُ ابْن عُيَيْنَة فِي تَفْسِيره عَن ابْن أبي نجيح عَن عِكْرِمَة.
وَقَالَ إبْرَاهِيمُ أفَتُمَارُونَهُ أفَتُجادِلُونَهُ وَمَنْ قَرَأَ أَفَتَمْرُونَهُ يَعْنِي أفَتَجْحَدُونَهُ.
أَي: قَالَ إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ فِي قَوْله تَعَالَى: {أفتمارونه على مَا يرى} وَفَسرهُ بقوله: (أفتجادلونه) من المراء وَهُوَ الملاحاة والمجادلة، واشتقاقه من مري النَّاقة كَانَ كل وَاحِد من المتجادلين يمري مَا عِنْد صَاحبه، وَيُقَال: مريت النَّاقة مريا إِذا مسحت ضرْعهَا لندر، وَهَكَذَا رَوَاهُ قوم مِنْهُم سعيد بن مَنْصُور عَن هشيم عَن مُغيرَة عَن إِبْرَاهِيم. قَوْله: (وَمن قَرَأَ: افتمرونه) ، بِفَتْح التَّاء وَسُكُون الْمِيم وَهِي قِرَاءَة حَمْزَة وَالْكسَائِيّ وَخلف وَيَعْقُوب على معنى: أفتجحدونه، وَاخْتَارَهُ أَبُو عُبَيْدَة. وَقَالَ لأَنهم لم يماروه وَإِنَّمَا جَحَدُوا. وَتقول الْعَرَب: مريت الرجل حَقه إِذا جحدته، وَفِي رِوَايَة الْحَمَوِيّ: أفتجحدون، بِغَيْر ضمير.
مَا زَاغَ البَصَرُ بَصَرُ مُحَمَّدٍ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: وَمَا طَغَى وَلا جَاوَزَ مَا رَأَى
هَذَا ظَاهر. وَفِي التَّفْسِير أَي: مَا جَاوز مَا أَمر بِهِ وَلَا مَال عَمَّا قصد لَهُ، وَفِي رِوَايَة أبي ذَر، وَقَالَ: مَا زاغ الْبَصَر، وَلم يعين الْقَائِل، وَهُوَ قَول الْفراء، يُقَال مَا عدل يَمِينا وَلَا شمالاً وَلَا زَاد وَلَا تجَاوز، وَهَذَا وصف أدب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
فَتَمَارَوْا: كَذَبُوا
هَذَا لَيْسَ فِي هَذِه السُّورَة بل فِي سُورَة الْقَمَر الَّتِي تلِي هَذِه السُّورَة، وَلَعَلَّ هَذَا من تخبيط النساخ، وَمعنى: (تماروا: كذبُوا) وَقَالَ الْكرْمَانِي: تتمارى تكذب، وَقَالَ بَعضهم بعد أَن نقل كَلَام الْكرْمَانِي: وَلم أَقف عَلَيْهِ. قلت: لَا حَاجَة إِلَى وُقُوفه عَلَيْهِ، بل هَذِه اللَّفْظَة فِي هَذِه السُّورَة. وَهُوَ قَوْله تَعَالَى: {فَبِأَي آلَاء رَبك تمّارى} (النَّجْم: ٥٥) أَي: فَبِأَي نعمائه عَلَيْك تتمارى أَي: تشك وتجادل، وَالْخطاب للْإنْسَان على الْإِطْلَاق وَفِي (تَفْسِير النَّفْسِيّ) الْخطاب لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَلَا يُعجبنِي هَذَا. وَالله أعلم.
وَقَالَ الحَسَنُ: إذَا هَوَى: غَابَ
أَي: قَالَ الْحسن الْبَصْرِيّ فِي قَوْله تَعَالَى: {والنجم إِذا هوى} (النَّجْم: ١) مَعْنَاهُ: إِذا غَابَ، وَكَذَا رَوَاهُ عبد الرَّزَّاق عَن معمر عَن قَتَادَة عَن الْحسن، وَيُقَال: إِذا سقط الْهوى السُّقُوط وَالنُّزُول، يُقَال: هوى يهوي هويا، مثل مضى يمْضِي مضيا، وَعَن جَعْفَر الصَّادِق، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ {والنجم إِذا هوى} يَعْنِي: مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا نزل من السَّمَاء لَيْلَة الْمِعْرَاج.
وَقَالَ ابنُ عَبَّاسٍ أغْنَى وَأفْنَى: أعْطَى فَأرْضَى
أَي: قَالَ ابْن عَبَّاس فِي قَوْله عز وَجل: {وَإنَّهُ أغْنى وأقنى} (النَّجْم: ٨٤) وَكَذَا رَوَاهُ ابْن أبي حَاتِم من طَرِيق عَليّ بن أبي طَلْحَة عَنهُ، وَعَن أبي صَالح: غنى النَّاس بِالْمَالِ، وأفنى أعْطى الْقنية وأصول الْأَمْوَال، وَقَالَ الضَّحَّاك: أَعنِي بِالذَّهَب وَالْفِضَّة وصنوف الْأَمْوَال، وأقنى بِالْإِبِلِ وَالْبَقر وَالْغنم. وَعَن ابْن زيد: أغْنى أَكثر وأفنى أقل، وَعَن الْأَخْفَش: أفنى أفقر، وَعَن ابْن كيسَان أولد.
٥٥٨٤ - حدَّثنا يَحْيَى حدَّثنا وَكِيعُ عَنْ إسْمَاعِيلَ بنِ أبِي خَالِدٍ عَنْ عَامِر عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ قُلْتُ لِعَائِشَةَ رَضِيَ الله عَنْهَا يَا امتاهْ هَلْ رَأي مُحَمَّدٌ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رَبَّهُ فَقَالَتْ لَقَدْ قَفَّ شَعْرِي مِمَّا قُلْتَ أيْنَ أنْتَ مِنْ ثَلاثٍ مَنْ حَدَّثَكَهُنَّ فَقَدْ كَذَبَ مَنْ حَدَّثَكَ أنَّ مُحَمَّدا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رَأَى رَبَّهُ فَقَدْ كَذَبَ