(بَيَان الْمعَانِي) قَوْله وَرُبمَا قَالَ اضْطجع أَي وَرُبمَا قَالَ سُفْيَان بن عُيَيْنَة اضْطجع رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى نفخ بدل قَوْله نَام حَتَّى نفخ وَقَالَ الْكرْمَانِي قَالَ فِي هَذِه الرِّوَايَة بدل نَام اضْطجع وَزَاد لَفْظَة قَامَ قلت لَفْظَة قَامَ لَا بُد مِنْهَا فِي الرِّوَايَتَيْنِ وَلَا يحْتَاج إِلَى أَن يُقَال زَاد لَفْظَة قَامَ لِأَن تَقْدِير الرِّوَايَة الأولى نَام حَتَّى نفخ ثمَّ قَامَ فصلى وَتَقْدِير الثَّانِيَة اضْطجع حَتَّى نفخ ثمَّ قَامَ فصلى وَقَالَ بَعضهم أَي كَانَ سُفْيَان يَقُول تَارَة نَام وَتارَة اضْطجع وليسا مترادفين بل بَينهمَا عُمُوم وخصوص من وَجه لكنه لم يرد إِقَامَة أَحدهمَا مقَام الآخر بل كَانَ إِذا روى الحَدِيث مطولا قَالَ اضْطجع فَنَامَ وَإِذا اخْتَصَرَهُ قَالَ نَام أَي مُضْطَجعا واضطجع أَي نَائِما قلت الِاضْطِجَاع فِي اللُّغَة وضع الْجنب بِالْأَرْضِ وَلَكِن المُرَاد بِهِ هَهُنَا النّوم فَحِينَئِذٍ يكون بَين قَوْله نَام حَتَّى نفخ وَبَين قَوْله اضْطجع حَتَّى نفخ مُسَاوَاة فَكيف يَقُول هَذَا الْقَائِل وليسا مترادفين بل بَينهمَا عُمُوم وخصوص من وَجه وَقَوله لم يرد إِقَامَة أَحدهمَا مقَام الآخر غير صَحِيح لِأَنَّهُ أطلق قَوْله اضْطجع على نَام فِي قَوْله فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ اضْطجع حَتَّى نفخ لِأَن مَعْنَاهُ نَام حَتَّى نفخ قَوْله ثمَّ حَدثنَا بِهِ سُفْيَان يَعْنِي قَالَ عَليّ بن الْمَدِينِيّ ثمَّ حَدثنَا بِالْحَدِيثِ سُفْيَان بن عُيَيْنَة وَأَشَارَ بِهِ إِلَى أَنه كَانَ يُحَدِّثهُمْ بِهِ تَارَة مُخْتَصرا وَتارَة مطولا قَوْله مَيْمُونَة هِيَ أم الْمُؤمنِينَ بنت الْحَارِث الْهِلَالِيَّة وَأُخْتهَا لبَابَة بِضَم اللَّام وبالموحدتين زَوْجَة الْعَبَّاس عَم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أم عبد الله وَالْفضل وَغَيرهمَا قَوْله يخففه عَمْرو ويقلله أَي عَمْرو بن دِينَار الْمَذْكُور فِي السَّنَد وَهَذَا إدراج من سُفْيَان بن عُيَيْنَة بَين أَلْفَاظ ابْن الْعَبَّاس وَالْفرق بَين التَّخْفِيف والتقليل أَن التَّخْفِيف يُقَابل التثقيل وَهُوَ من بَاب الكيف والتقليل يُقَابله التكثير وَهُوَ من بَاب الْكمّ وَقَالَ ابْن بطال يُرِيد بِالتَّخْفِيفِ تَمام غسل الْأَعْضَاء دون التكثير من إمرار الْيَد عَلَيْهَا وَذَلِكَ أدنى مَا تجوز الصَّلَاة بِهِ وَإِنَّمَا خففه الْمُحدث لعلمه بِأَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يتَوَضَّأ ثَلَاثًا ثَلَاثًا للفضل والمرة الْوَاحِدَة بِالْإِضَافَة إِلَى الثَّلَاث تَخْفيف وَقَالَ ابْن الْمُنِير يخففه أَي لَا يكثر الدَّلْك ويقلله أَي لَا يزِيد على مرّة مرّة ثمَّ قَالَ وَفِيه دَلِيل إِيجَاب الدَّلْك لِأَنَّهُ لَو كَانَ يُمكن اختصاره لاختصره قلت فِيهِ نظر لِأَن قَوْله يخففه يُنَافِي وجود الدَّلْك فَكيف يكون فِيهِ دَلِيل على وُجُوبه وَالْمرَاد بِالْوضُوءِ الْخَفِيف أَن يكون بَين الوضوءين وَلَيْسَ المُرَاد مِنْهُ ترك الإسباغ بل الِاكْتِفَاء بالمرة الْوَاحِدَة مَعَ الإسباغ وَقد جَاءَ فِي رِوَايَة أُخْرَى فِي الْوتر فَتَوَضَّأ فَأحْسن الْوضُوء قَوْله فَتَوَضَّأت نَحوا مِمَّا تَوَضَّأ أَرَادَ أَنه تَوَضَّأ وضُوءًا خَفِيفا مثل وضوء النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقَالَ الْكرْمَانِي قَالَ نَحوا وَلم يقل مثلا لِأَن حَقِيقَة مِمَّا ثلته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يقدر عَلَيْهَا غَيره قلت يرد على مَا ذكره مَا ثَبت فِي هَذَا الحَدِيث على مَا يَأْتِي بعد أَبْوَاب فَقُمْت فصنعت مثل مَا صنع فَعلم من ذَلِك أَن المُرَاد من قَوْله نَحوا مثلا لِأَن الحَدِيث وَاحِد والقضية وَاحِدَة وَبَعض أَلْفَاظه يُفَسر بَعْضهَا قَوْله فَقُمْت عَن يسَاره كلمة عَن هَهُنَا على مَعْنَاهَا الْمَوْضُوع لَهَا وَهِي الْمُجَاوزَة وَالْمعْنَى قُمْت مجاوزا عَن يسَاره وَلم يذكر البصريون لَهَا معنى سوى معنى الْمُجَاوزَة وَمَعَ هَذَا يحْتَمل أَن تكون هَهُنَا لِمَعْنى الظَّرْفِيَّة كَمَا فِي قَول الشَّاعِر
(وَأسر سراة الْحَيّ حَيْثُ لقيتهم ... وَلَا تَكُ عَن حمل الرباعة وانيا)
والرباعة نُجُوم الجمالة قَوْله وَرُبمَا قَالَ سُفْيَان عَن شِمَاله هَذَا إدراج من عَليّ بن الْمَدِينِيّ وَالشمَال بِكَسْر الشين هِيَ الْجَارِحَة وَهِي خلاف الْيَمين وبفتح الشين الرّيح الَّتِي تهب من نَاحيَة القطب وَهِي خلاف الْجنُوب قَوْله فآذنه أَي أعلمهُ كَمَا ذَكرْنَاهُ وَفِي بعض النّسخ يُؤذنهُ بِلَفْظ الْمُضَارع بِدُونِ الْفَاء وَفِي بَعْضهَا فناداه بِالصَّلَاةِ قَوْله فَقَامَ مَعَه أَي قَامَ الْمُنَادِي مَعَ النَّبِي عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام إِلَى الصَّلَاة وَيجوز أَن يُقَال فَقَامَ النَّبِي عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام مَعَ الْمُنَادِي إِلَى الصَّلَاة وَقَالَ الْكرْمَانِي مَعَه أَي مَعَ الْمُنَادِي أَو مَعَ الإيذان قلت قَوْله مَعَ الْمُنَادِي تَرْجِيح بِلَا مُرَجّح وَقَوله أَو مَعَ الإيذان بعيد وَإِن كَانَ لَهُ وَجه قَوْله قُلْنَا لعَمْرو أَي قَالَ سُفْيَان بن عُيَيْنَة قُلْنَا لعَمْرو بن دِينَار قَوْله أَن رَسُول الله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام تنام عينه وَلَا ينَام قلبه حَدِيث صَحِيح وَسَيَأْتِي من وَجه آخر قَوْله عبيد بن عُمَيْر كِلَاهُمَا بِصِيغَة التصغير ابْن قَتَادَة اللَّيْثِيّ الْمَكِّيّ وَعبيد هَذَا من كبار التَّابِعين وَقيل إِنَّه رأى النَّبِي عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَهُوَ قاص أهل مَكَّة مَاتَ قبل ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا روى لَهُ الْجَمَاعَة وَأَبوهُ عُمَيْر بن قَتَادَة من الصَّحَابَة رَضِي الله عَنْهُم قَوْله رُؤْيا الْأَنْبِيَاء وَحي رَوَاهُ مُسلم مَرْفُوعا الرُّؤْيَا مصدر كالرجعى تخْتَص برؤيا الْمَنَام كَمَا اخْتصَّ الرَّأْي بِالْقَلْبِ والرؤية بِالْعينِ وَالِاسْتِدْلَال بِالْآيَةِ عَلَيْهِ من جِهَة أَن الرُّؤْيَا لَو لم تكن وَحيا لما جَازَ لإِبْرَاهِيم عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام الْإِقْدَام على ذبح وَلَده لِأَنَّهُ محرم فلولا أَنه أُبِيح لَهُ فِي الرُّؤْيَا بِالْوَحْي لما ارْتكب الْحَرَام وَقَالَ الدَّاودِيّ فِي شَرحه قَول عبيد بن عُمَيْر لَا تعلق لَهُ بِهَذَا الْبَاب قلت يُرِيد بذلك أَن التَّبْوِيب على تَخْفيف الْوضُوء فَقَط وَلَكِن ذكر هَذَا لأجل أَن مُرَاده فِيهِ هُوَ نوم الْعين دون نوم الْقلب وَلم يلْتَزم البُخَارِيّ أَن لَا يذكر من الحَدِيث إِلَّا مَا يتَعَلَّق بالترجمة فَقَط وَهَذَا لم يَشْتَرِطه أحد بَيَان استنباط الْأَحْكَام الأول فِيهِ أَن نوم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تنام عينه وَلَا ينَام قلبه قَالَ عَمْرو سَمِعت عبيد بن عُمَيْر يَقُول
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute