رَوَاهُ الْحَنْظَلِي عَن حجاج عَن شَبابَة عَن وَرْقَاء عَن ابْن أبي نجيح عَنهُ. وَالضَّمِير فِي: فذاقت، يرجع إِلَى قَوْله: {وكأين من قَرْيَة عنت عَن أَمر رَبهَا} (الطَّلَاق: ٨) .
إنَّ ارْتَبْتُمْ إنْ لَمْ تَعْلَمُوا أتَحِيض أمْ لَا تَحِيضُ: فَاللَاّئِي قَعَدْنَ عَنِ المَحِيضِ وَاللائِي لَمْ يَحِضْنَ بَعْدُ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أشْهُرٍ
هَذَا لأبي ذَر عَن الْحَمَوِيّ وَحده، وَأَشَارَ بقوله: (إِن ارتبتم) إِلَى قَوْله تَعَالَى: {واللائي يئسن من الْمَحِيض من نِسَائِكُم إِن ارتبتم فعدتهن ثَلَاثَة أشهر} (الطَّلَاق: ٤) الْآيَة. وَفسّر قَوْله: (ارتبتم) بقوله: (إِن لم تعلمُوا) إِلَى آخِره حَاصله إِن لم تعلمُوا حيضهن. قَوْله: (فعدن من الْمَحِيض) أَي: يئسن مِنْهُ لكبر عَن قَوْله: (واللائي لم يحضن بعد) أَي: من الصغر، وَقيل: مَعْنَاهُ إِن ارتبتم فِي حكمهن وَلم تدروا مَا الحكم فِي عدتهن.
٨٠٩٤ - حدَّثنا يَحْيَى بنُ بُكَيْرٍ حدَّثنا اللَّيْثُ قَالَ حدَّثني عُقَيْلٌ عَنْ ابنِ شهابٍ قَالَ أخْبَرَنِي سَالِمٌ أنَّ عَبْدَ الله بنَ عُمَرَ رَضِيَ الله عَنْهُمَا أخْبَرَهُ أنَّهُ طَلْقَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ فَذَكَرَ عُمَرُ لِرَسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَتَغَيَّظَ فِيهِ رَسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثُمَّ قَالَ لِيُرَاجِعْهَا ثُمَّ يُمْسِكْهَا حَتَّى تَطْهُرَ ثُمَّ تَحِيضَ فَتَطْهُرَ فَإنْ بَدَا لَهُ أنْ يُطَلِّقَها فَلْيُطَلِّقْها طَاهِرا قَبْلَ أنْ يَمَسَّها فَتِلْكَ العِدَّةَ كَمَا أمَرَهُ الله.
مطابقته لما فِي السُّورَة ظَاهِرَة وَرِجَاله قد ذكرُوا غير مرّة، وَعقيل: بِضَم الْعين ابْن خَالِد.
قَوْله: (فتغيظ) ، أَي: غضب فِيهِ لِأَن الطَّلَاق فِي الْحيض بِدعَة. قَوْله: (فَإِن بدا لَهُ) أَي: فَإِن ظهر لَهُ أَن يطلقهَا، وَكلمَة: أَن مَصْدَرِيَّة. قَوْله: (طَاهِرا) أَي: حَال كَونهَا طَاهِرَة وَإِنَّمَا ذكره بِلَفْظ التَّذْكِير لِأَن الطُّهْر من الْحيض من المختصات بِالنسَاء فَلَا يحْتَاج إِلَى التَّاء، كَمَا فِي الْحَائِض. قَوْله: (قبل أَن يَمَسهَا) ، أَي: قبل أَن يُجَامِعهَا. قَوْله: (فَتلك الْعدة) ، أَي: هِيَ الْعدة الَّتِي أَمر الله أَن يُطلق لَهَا النِّسَاء حَيْثُ قَالَ: {فطلقوهن لعدتهن} ثمَّ أعلم أَن هَذَا الحَدِيث أخرجه الْأَئِمَّة السِّتَّة عَن ابْن عمر: فَالْبُخَارِي أخرجه هُنَا وَفِي الطَّلَاق وَفِي الْأَحْكَام وَالْبَاقُونَ فِي الطَّلَاق، وَقَالَ التِّرْمِذِيّ: وَقد روى هَذَا الحَدِيث من غير وَجه عَن ابْن عمر عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقَالَ شَيخنَا زين الدّين، رَحمَه الله: رَوَاهُ عَن ابْن عمر نَافِع وَعبد الله بن دِينَار وَأنس بن سِيرِين وطاووس وَأَبُو الزبير وَسَعِيد بن جُبَير وَأَبُو وَائِل. فرواية نَافِع عِنْد السِّتَّة غير التِّرْمِذِيّ، وَرِوَايَة عبد الله بن دِينَار عِنْد مُسلم وَرِوَايَة أنس بن سِيرِين عِنْد الشَّيْخَيْنِ، وَرِوَايَة طَاوُوس عِنْد مُسلم وَالنَّسَائِيّ، وَرِوَايَة أبي الزبير عِنْد مُسلم وَأبي دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَرِوَايَة سعيد بن جُبَير عِنْد النَّسَائِيّ. وَرِوَايَة أبي وَائِل عِنْد ابْن أبي شيبَة فِي (مُصَنفه) .
ويستنبط مِنْهُ أَحْكَام: الأول: أَن طَلَاق السّنة أَن يكون فِي طهر، وَهَذَا بَاب اخْتلفُوا فِيهِ. فَقَالَ مَالك: طَلَاق السّنة أَن يُطلق الرجل امْرَأَته فِي طهر لم يَمَسهَا فِيهِ تَطْلِيقَة وَاحِدَة ثمَّ يَتْرُكهَا حَتَّى تَنْقَضِي الْعدة بِرُؤْيَة أول الدَّم من الْحَيْضَة الثَّالِثَة، وَهُوَ قَول اللَّيْث وَالْأَوْزَاعِيّ، وَقَالَ أَبُو حنيفَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، هَذَا أحسن من الطَّلَاق، وَله فِي قَول آخر قَالَ إِذا أَرَادَ أَن يطلقهَا ثَلَاثًا، طَلقهَا عِنْد كل طهر وَاحِدَة من غير جماع، وَهُوَ قَول الثَّوْريّ وَأَشْهَب، وَزعم المرغيناني: أَن الطَّلَاق على ثَلَاثَة أوجه عِنْد أَصْحَاب أبي حنيفَة حسن وَأحسن وبدعي، فالحسن هُوَ طَلَاق السّنة وَهُوَ أَن يُطلق الْمَدْخُول بهَا ثَلَاثًا فِي ثَلَاثَة أطهار، وَالْأَحْسَن أَن يطلقهَا تَطْلِيقَة وَاحِدَة فِي طهر لم يُجَامِعهَا فِيهِ وَيَتْرُكهَا حَتَّى تَنْقَضِي عدتهَا والبدعي أَن يطلقهَا ثَلَاثًا بِكَلِمَة وَاحِدَة أَو ثَلَاثًا فِي طهر وَاحِد فَإِذا فعل ذَلِك وَقع الطَّلَاق وَكَانَ عَاصِيا.
وَقَالَ عِيَاض: اخْتلف الْعلمَاء فِي صفة الطَّلَاق السّني. فَقَالَ مَالك وَعَامة أَصْحَابه، هُوَ أَن يُطلق الرجل امْرَأَته تَطْلِيقَة وَاحِدَة فِي طهر لم يَمَسهَا فِيهِ ثمَّ يَتْرُكهَا حَتَّى تكمل عدتهَا، وَبِه قَالَ اللَّيْث وَالْأَوْزَاعِيّ، وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه: هَذَا أحسن الطَّلَاق، وَله قَول آخر إِنَّه إِن شَاءَ أَن يطلقهَا ثَلَاثًا طَلقهَا فِي كل طهر مرّة وَكِلَاهُمَا عِنْد الْكُوفِيّين طَلَاق سنة، وَهُوَ قَول ابْن مَسْعُود، وَاخْتلف فِيهِ قَول أَشهب فَقَالَ مثله مرّة وَأَجَازَ أَيْضا ارتجاعها ثمَّ يُطلق ثمَّ يرتجع ثمَّ يُطلق فَيتم الثَّلَاث وَقَالَ الشَّافِعِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute