للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَيُقَال مَعْنَاهُ لم يكمله يَعْنِي تَوَضَّأ مرّة مرّة لَكِن بالإسباغ وَقيل مَعْنَاهُ خفف اسْتِعْمَال المَاء بِالنِّسْبَةِ إِلَى غَالب عاداته وَقيل المُرَاد بِهِ الْوضُوء اللّغَوِيّ أَي اقْتصر على بعض الْأَعْضَاء وَهُوَ بعيد وَأبْعد مِنْهُ مَا قيل أَن المُرَاد بِهِ الِاسْتِنْجَاء كَمَا قَالَ عِيسَى بن دِينَار وَجَمَاعَة وَمِمَّا يوهنه رِوَايَة البُخَارِيّ الْآتِيَة فِي بَاب الرجل يوضىء صَاحبه أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام عدل إِلَى الشّعب فَقضى حَاجته فَجعلت أصب المَاء عَلَيْهِ وَيتَوَضَّأ وَلَا يجوز أَن يصب أُسَامَة عَلَيْهِ إِلَّا وضوء الصَّلَاة لِأَنَّهُ كَانَ لَا يقرب مِنْهُ أحد وَهُوَ على حَاجته وَأَيْضًا فقد قَالَ أُسَامَة عقيب ذَلِك الصَّلَاة يَا رَسُول الله ومحال أَن يَقُول لَهُ الصَّلَاة وَلم يتَوَضَّأ وضوء الصَّلَاة وَأبْعد من قَالَ إِنَّمَا لم يسبغه لِأَنَّهُ لم يرد أَن يُصَلِّي بِهِ فَفعله ليَكُون مستصحبا للطَّهَارَة فِي مسيره فَإِنَّهُ كَانَ فِي عَامَّة أَحْوَاله على طهر وَقَالَ أَبُو الزِّنَاد إِنَّمَا لم يسبغه ليذكر الله لأَنهم يكثرون مِنْهُ عَشِيَّة الدّفع من عَرَفَة وَقَالَ غَيره إِنَّمَا فعله لإعجاله الدّفع إِلَى الْمزْدَلِفَة فَأَرَادَ أَن يتَوَضَّأ وضُوءًا يرفع بِهِ الْحَدث لِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام كَانَ لَا يبْقى بِغَيْر طَهَارَة وَكَذَا قَالَ الْخطابِيّ إِنَّمَا ترك إسباغه حَتَّى نزل الشّعب ليَكُون مستصحبا للطَّهَارَة فِي طَرِيقه وَيجوز فِيهِ لِأَنَّهُ لم يرد أَن يُصَلِّي بِهِ فَلَمَّا نزل وَأَرَادَهَا أسبغه قَوْله الصَّلَاة أمامك بِفَتْح الْهمزَة أَي قدامك وَقَالَ الْخطابِيّ يُرِيد أَن مَوضِع هَذِه الصَّلَاة الْمزْدَلِفَة وَهِي أمامك وَهَذَا تَخْصِيص لعُمُوم الْأَوْقَات المؤقتة للصلوات الْخمس لبَيَان فعل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَفِيه دَلِيل على أَنه لَا يُصليهَا الْحَاج إِذا أَفَاضَ من عَرَفَة حَتَّى يبلغهَا وَأَن عَلَيْهِ أَن يجمع بَينهَا وَبَين الْعشَاء بِجمع على مَا سنه الرَّسُول عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام بِفِعْلِهِ وَبَينه بقوله وَلَو أَجْزَأته فِي غير الْمَكَان لما أَخّرهَا عَن وَقتهَا الْمُؤَقت لَهَا فِي سَائِر الْأَيَّام وَقَالَ الْكرْمَانِي لَيْسَ فِيهِ دَلِيل على أَنه لَا يجوز إِذْ فعله الْمُجَرّد لَا يدل إِلَّا على النّدب وملازمة الشّرطِيَّة فِي قَوْله لما أَخّرهَا مَمْنُوعَة لِأَن ذَلِك لبَيَان جَوَاز تَأْخِيرهَا أَو بَيَان ندبية التَّأْخِير إِذْ الأَصْل عدم الْجَوَاز قلت لَا نسلم نفي الدَّلِيل على عدم الْجَوَاز لِأَن فعله قارنه قَوْله فَدلَّ على عدم الْجَوَاز وَإِنَّمَا يمشي كَلَامه إِن لَو كَانَ أُسَامَة عَالما بِالسنةِ وَلم يكن يعلم ذَلِك لِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام أول من سنّهَا فِي حجَّة الْوَدَاع والموضع مَوضِع الْحَاجة إِلَى الْبَيَان فقر أَن بقوله دَلِيل على عدم الْجَوَاز وَوُجُوب تَأْخِيرهَا إِلَى غير وَقتهَا الْمَعْهُود وَالله أعلم فَإِن قلت الصَّلَاة أمامك قَضِيَّة حملية فَكيف يَصح هَذَا الْحمل لِأَن الصَّلَاة لَيست بِإِمَام قلت الْمُضَاف فِيهِ مَحْذُوف تَقْدِيره وَقت الصَّلَاة أمامك إِذْ نَفسهَا لَا تُوجد قبل إيجادها وَعند إيجادها لَا تكون أَمَامه وَقيل مَعْنَاهُ الْمصلى أمامك أَي مَكَان الصَّلَاة فَيكون من قبيل ذكر الْحَال وَإِرَادَة الْمحل وَهُوَ أَعم من أَن يكون مَكَانا أَو زَمَانا قَوْله ثمَّ أَنَاخَ كل إِنْسَان بعيره كَأَنَّهُمْ فعلوا ذَلِك خشيَة مَا يحصل مِنْهَا من التشويش بقيامها قَوْله ثمَّ أُقِيمَت الْعشَاء بِكَسْر الْعين وبالمد وَالْمرَاد بِهِ صَلَاة الْعشَاء وَهِي الَّتِي وَقتهَا من غرُوب الشَّفق إِلَى طُلُوع الْفجْر الصَّادِق وَهُوَ فِي اللُّغَة من صَلَاة الْمغرب إِلَى الْعَتَمَة وَقيل من الزَّوَال إِلَى الطُّلُوع (بَيَان استنباط الْأَحْكَام) الأول فِيهِ دَلِيل لأبي حنيفَة وَمُحَمّد بن الْحسن فِيمَا ذَهَبا إِلَيْهِ من وجوب تَأْخِير صَلَاة الْمغرب إِلَى وَقت الْعشَاء حَتَّى لَو صلى الْمغرب فِي الطَّرِيق لم يجز وَعَلِيهِ إِعَادَتهَا مَا لم يطلع الْفجْر وَبِه قَالَ زفر وَجَمَاعَة من الْكُوفِيّين وَقَالَ مَالك لَا يجوز أَن يُصليهَا قبلهَا إِلَّا من بِهِ أَو بدابته عذر فَلهُ أَن يُصليهَا قبلهَا بِشَرْط كَونه بعد مغيب الشَّفق وَحكى ابْن التِّين عَن الْمُدَوَّنَة أَنه يُعِيد إِذا صلى الْمغرب قبل أَن يَأْتِي الْمزْدَلِفَة أَو جمع بَينهَا وَبَين الْعشَاء بعد مغيب الشَّفق وَقبل أَن يَأْتِيهَا وَعَن أَشهب الْمَنْع إِلَّا أَن يكون صلى قبل مغيب الشَّفق فَيُعِيد الْعشَاء بعْدهَا أبدا وَبئسَ مَا صنع وَقيل يُعِيد الْأَخِيرَة فَقَط وَقَالَ فِي المعونة إِن صلى الْمغرب بِعَرَفَة فِي وَقتهَا فقد ترك الِاخْتِيَار وَالسّنة ويجزيه خلافًا لأبي حنيفَة وَقَالَ أَشهب وَإِذا أسْرع فوصل الْمزْدَلِفَة قبل مغيب الشَّفق جمع وَخَالفهُ ابْن الْقَاسِم فَقَالَ لَا يجمع حَتَّى يغيب وَقَالَت الشَّافِعِيَّة لَو جمع بَينهمَا فِي وَقت الْمغرب فِي أَرض عَرَفَات أَو فِي الطَّرِيق أَو فِي مَوضِع آخر وَصلى كل صَلَاة فِي وَقتهَا جَازَ جَمِيع ذَلِك وَإِن خَالف الْأَفْضَل وَبِه قَالَ جمَاعَة من الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ وَقَالَ بِهِ الْأَوْزَاعِيّ وَأَبُو يُوسُف وَأَشْهَب وفقهاء أَصْحَاب الحَدِيث. الثَّانِي فِيهِ عدم وجوب الْمُوَالَاة فِي جمع التَّأْخِير فَإِنَّهُ وَقع الْفَصْل بَينهَا بإناخة كل إِنْسَان بعيره فِي منزله. الثَّالِث فِيهِ الْإِقَامَة لكل من صَلَاتي الْجمع وَهُوَ مَذْهَب عبد الرَّحْمَن بن يزِيد وَالْأسود وَمَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد وَقَالَ القَاضِي عِيَاض وَهُوَ مَذْهَب عمر بن الْخطاب وَابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنْهُمَا وَقَالَ ابْن الْقَاسِم عَن مَالك كل صَلَاة إِلَى الْأَئِمَّة فلهَا أَذَان وَإِقَامَة وَقَالَ

<<  <  ج: ص:  >  >>