فِيهِ على التَّرْغِيب أصلا. لِأَن الْآيَة سيقت لبَيَان مَا يجوز الْجمع بَينه من أعداد النِّسَاء. وَقَوله: (يَقْتَضِي الطّلب) كَلَام من لم يذقْ شَيْئا من الْأُصُول، فَإِن الْأَمر إِبَاحَة كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {وَإِذا حللتم فاصطادوا} (الْمَائِدَة: ٢) ، وَهل يُقَال: طلب الله مِنْهُ النِّكَاح، أَو طلب مِنْهُ الصَّيْد غَايَة مَا فِي الْبَاب أَنه أَبَاحَ النِّكَاح بِالْعدَدِ الْمَذْكُور، وأباح الصَّيْد بعد التَّحْلِيل من الْإِحْرَام، ثمَّ بنى هَذَا الْقَائِل على هَذَا الْكَلَام الواهي. قَوْله: وَأَقل دجاته النّدب، فَيثبت التَّرْغِيب.
٣٦٠٥ - حدَّثنا سَعيدُ بنُ أبي مَرْيَمَ أخبرنَا مُحَمَّدُ بنُ جعْفَرٍ أخبرنَا حُمَيْدُ بنُ الطَّوِيلُ أنَّهُ سَمِعَ أنَسَ بنَ مَالِكٍ، رَضِي الله عَنهُ، يَقُولُ: جاءَ ثلاثَةُ رَهْطٍ إِلَى بُيُوتِ أزْوَاجِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، يَسألُونَ عنْ عِبَادَةِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فلَمَّا أُخْبِرُوا كأنَّهُمْ تَقالُّوها، فقالُوا: وَأيْنَ نَحْنُ مِنَ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم؟ قَدْ غُفِرَ لهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تأخَّرَ. قَالَ أحَدُهُمْ: أمَّا أَنا فإِنِّي أُصَلِّي اللَّيْلَ أَبدا، وَقَالَ آخَرُ: أَنا أصومُ الدَّهْرَ وَلَا أَفْطِرُ، وَقَالَ أخَرُ: أَنا أعْتَزِلُ النِّساءَ فَلَا أَتَزَوَّجَ أبَدا، فَجاءَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: أنْتُمُ الَّذين قُلتُمْ كَذَا وكَذَا؟ أما وَالله إنِّي لَأخْشاكُمْ لِلَّهِ، وأتْقاكُمْ لَهُ، لَكِنِّي أصُومُ وأفْطِرُ وأصَلِّي وأرْقُدُ وأتَزَوَّجُ النِّساءَ، فَمَنْ رَغِبَ عنْ سُنَّتي فَليْسَ مِنِّي.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (فَمن رغب عَن سنتي فَلَيْسَ مني) . قَوْله: (ثَلَاثَة رَهْط) وَفِي رِوَايَة مُسلم من حَدِيث ثَابت عَن أنس: أَن نَفرا من أَصْحَاب النَّبِي صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَآله وَسلم، وَالْفرق بَين الرَّهْط والنفر أَن الرَّهْط من ثَلَاثَة إِلَى عشرَة، والنفر من ثَلَاثَة إِلَى تِسْعَة، وكل مِنْهُمَا اسْم جمع لَا وَاحِد لَهُ، وَلَا مُنَافَاة بَينهمَا من حَيْثُ الْمَعْنى، وَوَقع فِي مُرْسل سعيد بن الْمسيب من رِوَايَة عب الرَّزَّاق: أَن الثَّلَاثَة الْمَذْكُورين هم: عَليّ بن أبي طَالب. وَعبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ، وَعُثْمَان بن مَظْعُون. قَوْله: (يسْأَلُون عَن عبَادَة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) وَفِي رِوَايَة مُسلم: عَن عمله فِي السِّرّ، قَوْله: (فَلَمَّا أخبروا) بِضَم الْهمزَة على صِيغَة الْمَجْهُول. قَوْله: (تقالوها) بتَشْديد اللَّام المضمومة أَي: عدوها قَليلَة، وَأَصله: تقاللوا فأدغمت اللَّام فِي اللَّام لِاجْتِمَاع المثلين. قَوْله: (قد غفر لَهُ) على صِيغَة الْمَجْهُول. هَذَا فِي رِوَايَة الْحَمَوِيّ والكشميهني، وَفِي رِوَايَة غَيرهمَا: غفر الله لَهُ. قَوْله: (أما أَنا) بِفَتْح الْهمزَة وَتَشْديد الْمِيم للتفصيل. قَوْله: (أبدا) ، قيد لِليْل لَا لقَوْله: أُصَلِّي. قَوْله: (وَلَا أفطر) ، أَي: بِالنَّهَارِ سوى أَيَّام الْعِيد والتشريق وَلِهَذَا لم يُقيد بالتأبيد. قَوْله: (فجَاء رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) فَقَالَ: وَفِي رِوَايَة مُسلم: فَبلغ ذَلِك النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَحَمدَ الله وَأثْنى عَلَيْهِ وَقَالَ: مَا بَال أَقوام قَالُوا كَذَا. . والتوفيق بَينهمَا بِأَنَّهُ منع من ذَلِك عُمُوما جَهرا مَعَ عدم تعيينهم، وخصوصا فِيمَا بَينه وَبينهمْ رفقا بهم، وسترا عَلَيْهِم. قَوْله: (أما وَالله) بِفَتْح الْهمزَة وَتَخْفِيف الْمِيم حرف تَنْبِيه. قَوْله: (إِنِّي لأخشاكم لله وأتقاكم لَهُ) يَعْنِي: أَكثر خشيَة وَأَشد تقوى، وَفِيه رد لما بنوا عَلَيْهِ أَمرهم من أَن المغفور لَا يحْتَاج إِلَى مزِيد فِي الْعِبَادَة، بِخِلَاف غَيره، فأعلمهم أَنه مَعَ كَونه يشدد فِي الْعِبَادَة غَايَة الشدَّة أخْشَى لله وَأتقى من الَّذين يشددون. قَوْله: (لكني) اسْتِدْرَاك من شَيْء مَحْذُوف تَقْدِيره أَنا وَأَنْتُم بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْعُبُودِيَّة سَوَاء، لَكِن أَنا أَصوم إِلَى آخِره. قَوْله: (فَمن رغب عَن سنتي) أَي: فَمن أعرض عَن طريقتي (فَلَيْسَ مني) أَي: لَيْسَ على طريقتي، وَلَفظ رغب إِذا اسْتعْمل بِكَلِمَة: عَن فَمَعْنَاه: أعرض. وَإِذا اسْتعْمل بِكَلِمَة: فِي، فَمَعْنَاه أقبل إِلَيْهِ، وَالْمرَاد بِالسنةِ الطَّرِيقَة وَهِي أَعم من الْفَرْض وَالنَّفْل، بل الْأَعْمَال والعقائد وَكلمَة: من فِي مني، اتصالية أَي: لَيْسَ مُتَّصِلا بِي قَرِيبا مني.
وَفِيه: أَن النِّكَاح من سنة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَزعم الْمُهلب أَنه من سنَن الْإِسْلَام، وَأَنه لَا رَهْبَانِيَّة فِيهِ. وَأَن من تَركه رَاغِبًا عَن سنَنه النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَهُوَ مَذْمُوم مُبْتَدع وَمن تَركه من أجل أَنه أرْفق لَهُ وأعون على الْعِبَادَة فَلَا ملامة عَلَيْهِ، وَزعم دَاوُد وَمن تبعه أَنه وَاجِب. وَأَن الْوَاجِب عِنْدهم العقد لَا الدُّخُول فَإِنَّهُ إِنَّمَا يجب عِنْدهم فِي الْعُمر مرّة، وَعند أَكثر الْعلمَاء هُوَ مَنْدُوب إِلَيْهِ وَعند أَحْمد فِي رِوَايَة: يلْزمه الزواج أَو التَّسَرِّي إِذا خَافَ الْعَنَت، وَغَيره لم يشْتَرط خوف الْعَنَت. فَإِن قلت: ظَاهر الْآيَة يدل على وُجُوبه؟ قلت: حصل الْجَواب عَنهُ بِمَا ذَكرْنَاهُ فِي أول الْبَاب، وَأَيْضًا فَإِن آخر الْآيَة وَهُوَ قَوْله: {أَو مَا ملكت أَيْمَانكُم} (النِّسَاء: ٣) وينافي الْوُجُوب، وَذَلِكَ لِأَن فِيهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute