فِي غَالب الْأُمُور، وَلِأَن الْخطاب يثاوبونها أَي: يعاودونها. وَقَوْلهمْ: ثيبت الْمَرْأَة تثييبا كعجزت النَّاقة وثيبت النَّاقة إطا صَارَت عجوزا.
وقالَتْ أمُّ حَبيبَةَ: قَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَا تَعْرِضْنَ علَيَّ بَناتِكُنَّ وَلَا أخَوَاتِكُنَّ
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (بناتكن) لِأَنَّهُ خطاب أَزوَاجه ونهاهن أَن يعرضن عَلَيْهِ ربائبه لحرمتهن وَهن ثيبات قطعا، وَهُوَ تَحْقِيق أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تزوج الثّيّب ذَات الْبِنْت، وَقَالَ بَعضهم: استنبط المُصَنّف التَّرْجَمَة من قَوْله: (بناتكن) لِأَنَّهُ خطاب بذلك نِسَاءَهُ فَاقْتضى أَن لَهُنَّ بَنَات من غَيره، فيستلزم أَنَّهُنَّ ثيبات. انْتهى. قلت: سُبْحَانَ الله! مَا أبعد هَذَا الْكَلَام عَن الْمَقْصُود، وَالْمَقْصُود إِثْبَات الْمُطَابقَة للتَّرْجَمَة وَلَيْسَ فِيمَا قَالَه وَجه الْمُطَابقَة، لِأَن الَّذِي قَالَ: إِن لنسائه بَنَات من غَيره، وَأَنه يسْتَلْزم أَنَّهُنَّ ثيبات والترجمة فِي زويج الثيبات لَا فِي بَيَان أَن لَهُنَّ بَنَات، فَمن أَيْن يفهم من قَوْله هَذَا؟ وَقد أَخذ كَلَام النَّاس وأفسده، وَلَا يخفي ذَلِك على المتأمل وَأما تَعْلِيق أم حَبِيبَة أم الْمُؤمنِينَ رَملَة بنت أبي سُفْيَان الْأمَوِي، فَإِن البُخَارِيّ أسْندهُ عَن الحكم بن نَافِع عَن شُعَيْب عَن الزُّهْرِيّ عَن عُرْوَة عَن زَيْنَب بنت أبي سَلمَة عَن أم حَبِيبَة، وَسَيَأْتِي بعد عشرَة أَبْوَاب إِن شَاءَ الله تَعَالَى. قَوْله: (لَا تعرضن) قَالَ ابْن التِّين: ضبط بِضَم الضَّاد وَلَا أعلم لَهُ وَجها لِأَنَّهُ إِمَّا خَاطب النِّسَاء أَو وَاحِدَة مِنْهُنَّ، فَإِن كَانَ خطابه لجَماعَة النِّسَاء فصوابه تسكينها لِأَنَّهُ دخل عَلَيْهِ النُّون الْمُشَدّدَة فيجتمع ثَلَاث نونات فيفصل بَينهمَا بِأَلف، فَيُقَال: لَا تعرضنان، وَلَا تدخل النُّون الْخَفِيفَة فِي جمَاعَة النِّسَاء، وَلَا فِي تثنيتهن، وَإِن كَانَ خطابه لأم حَبِيبَة خَاصَّة فَتكون الضَّاد مَكْسُورَة وَالنُّون مُشَدّدَة أَو نون خَفِيفَة. قلت: عِنْد يُونُس تدخل النُّون الْخَفِيفَة فِي جمَاعَة النِّسَاء وتثنيتهن، كَمَا عرف فِي مَوْضِعه.
٥٧٠٥ - حدَّثنا أبُو النُّعْمانِ حَدثنَا هُشَيْمٌ حَدثنَا سَيَّارٌ عنِ الشُّعْبِيِّ عنْ جابِرِ بنِ عبْدِ الله قَالَ: قَفَلْنا مَعَ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، مِنْ غَزْوَةٍ، فَتَعَجَّلْتُ علَى بَعيرٍ لِي قَطُوفٍ، فَلَحِقَني راكِبٌ مِنْ خَلْفِي فَنَخَسَ يَعِيرِي بعَنَزَةٍ كانَتْ مَعَه، فانْطَلَقَ بَعِيرِي كأجْوَدِ مَا أنْتَ رَاءٍ مِنَ الإبِلِ، فإِذَا النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَقَالَ: مَا يُعْجِلُكَ؟ قُلْتُ: كُنْتُ حَدِيثَ عَهْدٍ بِعُرُصٍ. قَالَ: أبِكْرا أمْ ثَيِّبا؟ قُلْتُ: ثَيِّبٌ. قَالَ: فَهَلَاّ جارِيَةً تُلَاعِبُها وتُلَاعِبُكَ؟ قَالَ: فلَمَّا ذَهَبْنَا لِنَدْخُل، قَالَ: أمْلُهوا حتَّى تَدْخُلُوا لَيْلاً أيْ: عِشاءً لِكَي تَمْتَشِطَ الشَّعَثةُ، وتَسْتَحِدَّ المُغِيبَةُ..
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (قلت: ثيب) وَأَبُو النُّعْمَان مُحَمَّد بن الْفضل السدُوسِي، وهشيم بن مصغر هشم بن بشير مصغر بشر وسيار، بِفَتْح السِّين الْمُهْملَة وَتَشْديد الْيَاء آخر الْحُرُوف وَفِي آخِره رَاء: ابْن أبي سيار واسْمه وردان أَبُو الحكم الْعَنزي الوَاسِطِيّ، وَالشعْبِيّ عَامر بن شرَاحِيل.
والْحَدِيث قد مر مطولا ومختصرا فِي الْبيُوع، والاستقراض وَالْجهَاد والشروط وَمر الْكَلَام فِيهِ فِي كل بَاب بِمَا يحْتَاج إِلَيْهِ.
قَوْله: (قَفَلْنَا) أَي: رَجعْنَا. قَوْله: (من غَزْوَة) وَهِي غَزْوَة تَبُوك. قَوْله: (قطوف) بِفَتْح الْقَاف أَي: بطيء. قَوْله: (بعنزة) وَهِي أقصر من الرمْح وأطول من الْعَصَا، وَفِي الْبيُوع: ضربه بمحجن وَهُوَ الصولجان، وَلَا مُنَافَاة بَينهمَا لِأَنَّهُ إِذا كَانَ أحد طَرفَيْهِ معوجا وَالْآخر فِيهِ حَدِيد يصدق اللفظان عَلَيْهِ. قَوْله: (فَإِذا النَّبِي) أَي: فَإِذا هُوَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. قَوْله: (مَا يعجلك) أَي: مَا سَبَب إسراعك؟ قَوْله: (حَدِيث عهد بعرس) أَي: قريب عهدبالدخول على الْمَرْأَة. قَوْله: (أبكرا) مَنْصُوب بمقدر أَي: أتزوجت بكرا؟ قَوْله: (ثيب) خبرمبتدأ مَحْذُوف أَي: هِيَ تيب. قَوْله: (فَهَلا جَارِيَة) أَي: فَهَلا تزوجت جَارِيَة، وَكلمَة هلا، للتخصيص. قَوْله: (لَيْلًا أَي غشاء) قَالَ الْكرْمَانِي: إِنَّمَا فسر اللَّيْل بالعشاء لِئَلَّا يُنَافِي مَا تقدم فِي كتاب الْعمرَة فِي: بَاب لَا يطْرق أَهله، أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نهى أَن يطْرق أَهله لَيْلًا. قلت: هَذَا غير مُخَالف لِأَن هَذَا قَالَه لمن يقدم بغنة من غير أَن يعلم أَهله بِهِ، وَأما هُنَا فَتقدم خبر مَجِيء الْجَيْش وَالْعلم بوصوله وَقت كَذَا وَكَذَا. قَوْله: (الشعثة) بِفَتْح الشين الْمُعْجَمَة وَكسر الْعين الْمُهْملَة بعْدهَا ثاء مُثَلّثَة، لِأَن الَّتِي يغيب زَوجهَا فِي مَظَنَّة عدم التزين، وَقيل: الشعثة منتشرة الشّعْر مغبرة الرَّأْس. قَوْله: (وتستحد المغيبة) أَي: تسْتَعْمل الحديدة فِي إِزَالَة الشّعْر، والمغيبة، بِضَم الْمِيم وَكسر الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة: من أغابت الْمَرْأَة إِذا غَابَ زَوجهَا فَهِيَ مغيبة.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute