عَنهُ وَبَقِي فِي الْمَدِينَة إِلَى أَن قتل عُثْمَان، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، ثمَّ انحدر إِلَى مَكَّة فَلم يزل بهَا حَتَّى قدم الْحصين بن نمير مَكَّة لقِتَال ابْن الزبير وحاصر مَكَّة، وَفِي محاصرته أهل مَكَّة أَصَابَهُ حجر من حِجَارَة المنجنيق وَهُوَ يُصَلِّي فِي الْحجر، فَقتله، وَذَلِكَ فِي ربيع الأول سنة أَربع وَسِتِّينَ، وَصلى عَلَيْهِ ابْن الزبير بالحجون.
وَمر هَذَا التَّعْلِيق فِي المناقب فِي: بَاب ذكر أَصْهَار النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مِنْهُم أَبُو الْعَاصِ بن الرّبيع، وَأخرجه هُنَاكَ مطولا عَن أبي الْيَمَان عَن شُعَيْب عَن الزُّهْرِيّ. وَمر الْكَلَام فِيهِ.
قَوْله:(ذكر صهرا لَهُ) هُوَ أَبُو الْعَاصِ بن الرّبيع بن عبد الْعُزَّى بن عبد شمس بن عبد منَاف بن قصى الْقرشِي العبشمي صهر رَسُول الله صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسلم، زوج ابْنَته زَيْنَب أكبر بَنَاته، وَاخْتلف فِي اسْمه فَقيل: لَقِيط، وَقيل: مهشم، وَقيل: هشيم: وَالْأَكْثَر: لَقِيط، وَأمه هَالة بنت خويلد بن أَسد أُخْت خَدِيجَة لأَبِيهَا وَأمّهَا، وَكَانَ أَبُو الْعَاصِ فِيمَن شهد بَدْرًا مَعَ كفار قُرَيْش وَأسر يَوْم بدر مَعَ من أسر، فَلَمَّا بعث أهل مَكَّة فِي فدَاء أساراهم قدم فِي فدائه أَخُوهُ عَمْرو بن الرّبيع بِمَال دَفعته زَيْنَب بنت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وقصته مَشْهُورَة، وَكَانَ مواخيا لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مصافيا، وَكَانَ أَبى أَن يُطلق زَيْنَب إِذْ مَشى إِلَيْهِ مشركو قُرَيْش فِي ذَلِك فَشكر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مصاهرته وَأثْنى عَلَيْهِ بذلك خيرا، وَهَاجَرت زَيْنَب مسلمة وَتركته على شركَة، ثمَّ بعد ذَلِك جرى عَلَيْهِ مَا جرى حَتَّى أسلم بعد قدومه على النَّبِي صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسلم، ورد رَسُول الله صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسلم، ابْنَته إِلَيْهِ. وَاخْتلف: هَل ردهَا بعقدجديد أَو على عقده الأول؟ وَتُوفِّي فِي ذِي الْحجَّة سنة اثْنَي عشرَة. قَوْله:(فَأحْسن) أَي: فِي الثَّنَاء عَلَيْهِ. قَوْله:(فصدقني) من صدق الحَدِيث بتَخْفِيف الدَّال، وَيُقَال أَيْضا: صدق فِي الحَدِيث، من الصدْق خلاف الْكَذِب، وصدقني بتَشْديد الدَّال الَّذِي يصدقك فِي حَدِيثك. قَوْله:(فوفاني) من وفى الشَّيْء وأوفى ووفّى بِالتَّشْدِيدِ بِمَعْنى،، ووفى الشَّيْء إِذا تمّ، وأصل الْوَفَاء التَّمام، ويروي: فوفى لي.
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من مَعْنَاهُ وَهُوَ وُقُوع الشَّرْط فِي النِّكَاح.
وَلَيْث هُوَ اللَّيْث بن سعد، وَفِي أَكثر النّسخ اللَّيْث، بِالْألف وَاللَّام، وَيزِيد بن أبي حبيب أبي رَجَاء الْمصْرِيّ، وَاسم أبي حبيب سُوَيْد، وَأَبُو الْخَيْر مرْثَد عبد الله الْيَزنِي، وَعقبَة بن عَامر الْجُهَنِيّ.
والْحَدِيث مضى فِي كتاب الشُّرُوط فِي: بَاب الشُّرُوط فِي الْمهْر عِنْد عقدَة النِّكَاح، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن عبد الله بن يُوسُف عَن اللَّيْث إِلَى آخِره، وَمر الْكَلَام فِيهِ.
قَوْله:(أَحَق مَا أوفيتم من الشُّرُوط) أَحَق، مُبْتَدأ مُضَاف وَخَبره قَوْله:(أَن توفوا) و: أَن مَصْدَرِيَّة أَي: بِأَن توفوا أَي: بإيفاء مَا استحللتم أَي بِالشّرطِ. قَوْله:(الْفروج) بِالنّصب مفعول: استحللتم، وَفِي رِوَايَة مُسلم: إِن أَحَق الشُّرُوط أَن يُوفي بِهِ) ، وَحَاصِل الْمَعْنى: أَحَق الشُّرُوط بِالْوَفَاءِ شُرُوط النِّكَاح، لِأَن امْرَأَة أحوط وبابه أضيق. وَفِي التَّوْضِيح: معنى أَحَق الشُّرُوط إِلَى آخِره، يحْتَمل أَن يكون مَعْنَاهُ الْمَشْهُور الَّذِي أجمع أهل الْعلم عَلَيْهِ، على أَن على الزَّوْج الْوَفَاء بهَا يحْتَمل أَن يكون مَا شَرط على الناكح فِي عقدَة النِّكَاح مِمَّا أَمر الله تَعَالَى بِهِ من إِمْسَاكه بِمَعْرُوف أَو تَسْرِيح بِإِحْسَان، فَإِذا احْتمل الحَدِيث مَعَاني كَانَ مَا وَافق الْكتاب وَالسّنة أولى، وَقد أبطل الشَّارِع كل شَرط لَيْسَ فِي كتاب الله. وَقَالَ شَيخنَا زين الدّين، رَحمَه الله: قَوْله: أَحَق الشُّرُوط، هَل المُرَاد بِهِ أَحَق الْحُقُوق اللَّازِمَة أَو هُوَ من بَاب الأولويه؟ قَالَ صَاحب الْإِكْمَال: أَحَق هُنَا بِمَعْنى أولى لَا بِمَعْنى الْإِلْزَام عِنْد كَافَّة الْعلمَاء. قَالَ: وَحمله بَعضهم على الْوُجُوب، وَقَالَ ابْن بطال: فَإِن كَانَ فِي هَذِه الشُّرُوط مَا لَيْسَ بِطَلَاق أَو عتق وَجب ذَلِك عَلَيْهِ وَلَزِمَه عِنْد مَالك والكوفيين، عِنْد كل من يرى الطَّلَاق قبل النِّكَاح بِشَرْط الطَّلَاق لَازِما، وَكَذَلِكَ الْعتْق، وَهُوَ قَول عَطاء وَالنَّخَعِيّ وَالْجُمْهُور. قَالَ النَّخعِيّ: كل شَرط فِي النِّكَاح فَالنِّكَاح يهدمه إلَاّ الطَّلَاق وَلَا يلْزمه شَيْء من هَذِه الْأَيْمَان عِنْد الشَّافِعِي لِأَنَّهُ لَا يرى الطَّلَاق قبل النِّكَاح لَازِما وَلَا الْعتْق قبل الْملك، وَاسْتدلَّ بِهِ بَعضهم على أَنه إِذا شَرط الْوَلِيّ لنَفسِهِ شَيْئا غير الصَدَاق أَنه يجب على الزَّوْج الْقيام بِهِ، لِأَنَّهُ من الشُّرُوط الَّتِي اسْتحلَّ بِهِ فرج الْمَنْكُوحَة.
لَكِن اخْتلف الْعلمَاء: هَل يكون ذَلِك للْوَلِيّ أَو للْمَرْأَة؟ فَذهب عَطاء وَطَاوُس وَالزهْرِيّ إِلَى أَنه للْمَرْأَة، وَبِه قضى عمر بن عبد الْعَزِيز، وَهُوَ قَول الثَّوْريّ وَأبي عبيد. وَذهب عَليّ بن الْحسن ومسروق