للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ويروى نعما، بِكَسْر النُّون جمع: نعْمَة، وَالْأول هُوَ الْأَشْهر. قَوْله: (وَأَعْطَانِي من كل رَائِحَة زوجا) أَي: من كل مَا يروح من النعم وَالْعَبِيد وَالْإِمَاء زوجا. أَي: اثْنَيْنِ وَيحْتَمل أَنَّهَا أَرَادَت صنفا وَفِي رِوَايَة مُسلم: وَأَعْطَانِي من كل ذابحة أَي مذبوحة. مثل {عيشة راضية} (الحاقة: ١٢) أَي: مرضية، وَحَاصِل المعني: أَعْطَانِي من كل شَيْء يذبح زوجا، وَفِي رِوَايَة الطَّبَرَانِيّ: وَأَعْطَانِي من كل سَائِمَة، والسائمة الراعية، والرائحة الْآتِيَة وَقت الرواح وَهُوَ آخر النَّهَار قَوْله: (وميري أهلك) بِكَسْر الْمِيم أَي: صلى أهلك بالميرة وَهِي الطَّعَام قَوْله: (قَالَت) أَي أم زرع. قَوْله: (كل شَيْء أعطانيه) ، أَي: الزَّوْج الثَّانِي الَّذِي تزوج بهَا بعد أبي زرع. قَوْله: (مَا بلغ) خبر لقَوْله: (كل شَيْء) وَفِي رِوَايَة مُسلم أَعْطَانِي، بِلَا هَاء. وَفِي رِوَايَة النَّسَائِيّ: مَا بلغت أناء، وَفِي رِوَايَة الطَّبَرَانِيّ: فَلَو جمعت كل شَيْء أصبته مِنْهُ فَجعلت فِي أَصْغَر وعَاء من أوعية أبي زرع مَا ملاه.

قَوْله: (قَالَت عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا، قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: كنت لَك كَأبي زرع لأم زرع) قَالَه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تطبيبا لنَفسهَا، وإيضاحا لحس عشرته إِيَّاهَا، ثمَّ اسْتثْنى من ذَلِك الْأَمر الْمَكْرُوه مِنْهُ أَنه طَلقهَا، وَإِنِّي لَا أطلقك، تتميما لطيب نَفسهَا وإكمالاً لطمأنينة قَلبهَا ورفعا للإبهام لعُمُوم التَّشْبِيه بجملة أَحْوَال أبي زرع إِذا لم يكن فِيهَا مَا تذمه سوى طَلَاقه لَهَا، وَقَول عَائِشَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا: بِأبي أَنْت وَأمي، بل أَنْت خير لي من أبي زرع، جَوَاب مثلهَا فِي فَضلهَا، فَإِن سيدنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما أخْبرهَا أَنه لَهَا كَأبي زرع لأم زرع، لفرط محبَّة أم زرع لَهُ وإحسانه لَهَا، أخْبرته هِيَ أَنه عِنْدهَا أفضل وَهِي لَهُ أحب من أم زرع لأبي زرع. وَقَالَ الْكرْمَانِي: وَكَانَ هِيَ زَائِدَة أَي: أَنا لَك. قلت: يُؤَيّد قَوْله: فِي زِيَادَة كَانَ، رِوَايَة الزبير: أَنا لَك كَأبي زرع لأم زرع، وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ: قَوْله: (كنت لَك) مَعْنَاهُ أَنا لَك، وَهَذَا نَحْو قَوْله عز وَجل: {كُنْتُم خير أمة} (آل عمرَان: ٠١١) أَي أَنْتُم خير أمة. قَالَ: وَيُمكن بَقَاؤُهَا على ظَاهرهَا، أَي: كنت لَك فِي علم الله السَّابِق، وَيُمكن أَن يُرِيد بِهِ مِمَّا أُرِيد بِهِ الدَّوَام كَقَوْلِه تَعَالَى: {وَكَانَ الله سمعيا بَصيرًا} (النِّسَاء: ٨٥٢) [/ ح.

وَفِي هَذَا الحَدِيث فَوَائِد مِنْهَا: ذكر محَاسِن النِّسَاء للرِّجَال إِذا كن مجهولات بِخِلَاف المعينات، فَهَذَا مَنْهِيّ عَنهُ لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: وَلَا تصف الْمَرْأَة الْمَرْأَة لزَوجهَا حَتَّى كَأَنَّهُ ينظر إِلَيْهَا. وَمِنْهَا: جَوَاز إِعْلَام الرجل بمحبته للْمَرْأَة إِذا أَمن عَلَيْهَا من هجر وَشبهه. وَمِنْهَا: مَا يدل على التَّكَلُّم بالألفاظ الْعَرَبيَّة والأسجاع، وَإِنَّمَا يكره من ذَلِك التَّكَلُّف. وَمِنْهَا: مَا قَالَه الْمُهلب فِيهِ: التأسي بِأَهْل الْإِحْسَان من كل أمة. أَلا يرى أَن أم زرع أخْبرت عَن أبي زرع بجميل عشرته، فامتثله النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم؟ قَالَ عِيَاض: وَهَذَا عِنْدِي غير مُسلم. لأَنا لَا نقُول إِن سيدنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إقتدى بِأبي زرع، بل أخبر أَنه لَهَا كَأبي زرع. وَأعلم أَن حَاله مَعهَا مثل حَاله ذَلِك لَا على التأسي بِهِ، وَأما قَوْله بِجَوَاز التأسي بِأَهْل الْإِحْسَان من كل أمة فَصَحِيح مَا لم تصادمه الشَّرِيعَة. وَمِنْهَا: شكر الْمَرْأَة إِحْسَان زَوجهَا، وَكَذَا ترْجم عَلَيْهِ النَّسَائِيّ، وَخرج مَعَه فِي الْبَاب حَدِيث ابْن عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا: لَا ينظر الله إِلَى امْرَأَة لَا تشكر زَوجهَا. وَمِنْهَا: مدح الرجل فِي وَجهه بِمَا فِيهِ إِذا علم أَن ذَاك غير مُفسد لَهُ وَلَا مغير نَفسه، وَالنَّبِيّ، صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسلم، مَظَنَّة كل مدح ومستحق كل ثَنَاء، وَأَن من أثنى بِمَا أثنى فَهُوَ فَوق ذَلِك كُله. وَمِنْهَا: أَن كنايات الطَّلَاق لَا يَقع بهَا الطَّلَاق إلَاّ بِالنِّيَّةِ، لِأَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: كنت لَك كَأبي زرع، وَمن جملَة أَفعَال أبي زرع أَنه طلق امْرَأَته أم زرع، وَلم يَقع على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم طَلَاق لتشبهه لكَونه لم ينْو الطَّلَاق وَقد جَاءَ فِي رِوَايَة إِلَّا أَن أَبَا زرع طلق أم زرع، وَأَنا لم أطلقك.

قَالَ أبُو عَبْدِ الله: قَالَ سَعيدُ بنُ سَلَمَةَ عنْ هِشَامٍ وَلَا تُعَشِّشُ بَيْتَنَا تَعْشِيشا.

قَالَ أبُو عبد الله: وَقَالَ بَعْضُهُمْ أتَقَمَّحُ، بِالْمِيم وهاذَا أصَحُّ.

أَبُو عبد الله هُوَ البُخَارِيّ نَفسه، هَذَا إِلَى آخِره لَيْسَ فِي بعض النّسخ. قَالَ الْكرْمَانِي: صَوَابه فِي هَذِه الْمُتَابَعَة كَمَا فِي بعض النّسخ هُوَ: قَالَ أَبُو سَلمَة عَن سعيد بن سَلمَة إِلَى آخِره، وَأَبُو سَلمَة هَذَا هُوَ مُوسَى بن إِسْمَاعِيل التَّبُوذَكِي، وَسَعِيد بن سَلمَة بالفتحات ابْن أبي الحسام الْعَدوي الْمَدِينِيّ، مولى آل عمر بن الْخطاب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، يكنى أَبَا عَمْرو وَمن رجال مُسلم، روى عَنهُ مُوسَى بن إِسْمَاعِيل، وَهُوَ حَدِيث وَاحِد: حَدِيث أم زرع، وَمَاله فِي البُخَارِيّ إلَاّ هَذَا الْموضع، وَهِشَام هُوَ ابْن عُرْوَة بن الزبير، روى عَنهُ سعيد بن سَلمَة بِهَذَا الْإِسْنَاد، وَقد وَصله مُسلم عَن الْحسن بن عَليّ عَن مُوسَى بن إِسْمَاعِيل عَن سعيد بن سَلمَة عَن هِشَام

<<  <  ج: ص:  >  >>