عَن قَتَادَة عَن أنس قَالَ: طلق النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَفْصَة فَأنْزل الله عز وَجل قَوْله تَعَالَى: قَوْله: {يَا أَيهَا النَّبِي إِذا طلّقْتُم النِّسَاء} (الطَّلَاق: ١) الْآيَة. وَقيل لَهُ: رَاجعهَا فَإِنَّهَا صَوَّامَة قوامه، وَهِي من إِحْدَى أَزوَاجك ونسائك فِي الْجنَّة. وَقَالَ السّديّ: نزلت فِي عبد الله بن عمر، وَذَلِكَ أَنه طلق امْرَأَته حَائِضًا، فَأمره رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يُرَاجِعهَا. وَقَالَ مقَاتل: نزلت فِي عبد الله بن عمر وَعقبَة بن عَمْرو الْمَازِني، وطفيل بن الْحَارِث بن الْمطلب، وَعَمْرو بن سعيد بن الْعَاصِ، وَفِي (تَفْسِير ابْن عَبَّاس) : قَالَ عبد الله: وَذَلِكَ أَن عمر وَنَفَرًا مَعَه من الْمُهَاجِرين كَانُوا يطلقون بِغَيْر عدَّة ويراجعون بِغَيْر شُهُود، فَنزلت وَالطَّلَاق أبْغض الْمُبَاحَات وَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن من أبْغض الْحَلَال إِلَى الله الطَّلَاق، وَقَالَ: تزوجوا وَلَا تطلقوا فَإِن الطَّلَاق يَهْتَز مِنْهُ الْعَرْش، وَقَالَ: لَا تطلقوا النِّسَاء إلَاّ من رِيبَة فَإِن الله لَا يحب الذواقين وَلَا يحب الذواقات، وَقَالَ: مَا حلف بِالطَّلَاق وَلَا اسْتحْلف بِهِ إلَاّ مُنَافِق.
وطَلَاقُ السُّنَّةِ أنح يُطَلِّقبَها طاهِرا مِنْ غَيْرِ جِماعٍ، ويُشْهِدَ شاهِدَيْنِ
أَي: الطَّلَاق السّني أَن يُطلق امْرَأَته حَالَة طَهَارَتهَا عَن الْحيض، وَلَا تكون مَوْطُوءَة فِي ذَلِك الطُّهْر وَأَن يشْهد شَاهِدين على الطَّلَاق، فمفهومه: أَنه إِن طَلقهَا فِي الْحيض أَو فِي طهر وَطئهَا فِيهِ أَو لم يشْهد يكون طَلَاقا بدعيا. وَاخْتلفُوا فِي طَلَاق السّنة، فَقَالَ مَالك: طَلَاق السّنة أَن يُطلق الرجل امْرَأَته فِي طهر لم يسمهَا فِيهِ تَطْلِيقَة وَاحِدَة ثنم يَتْرُكهَا حَتَّى تَنْقَضِي الْعدة بِرُؤْيَة أول الدَّم من الْحَيْضَة الثَّالِثَة. وَهُوَ قَول اللَّيْث وَالْأَوْزَاعِيّ. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: هَذَا حسن من الطَّلَاق، وَله قَول آخر، وَهُوَ: مَا إِذا أَرَادَ أَن يطلقهَا ثَلَاثًا طَلقهَا عِنْد كل طهر طَلْقَة وَاحِدَة من غير جماع، وَهُوَ قَول الثَّوْريّ وَأَشْهَب، وَزعم المرغيناني أَن الطَّلَاق على ثَلَاثَة أوجه عِنْد أَصْحَاب أبي حنيفَة: حسن وَأحسن وبدعي، فَالْأَحْسَن أَن يطلقهَا وَهِي مَدْخُول بهَا تَطْلِيقَة وَاحِدَة فِي طهر لم يُجَامِعهَا فِيهِ وَيَتْرُكهَا حَتَّى تَنْقَضِي عدتهَا، وَالْحسن وَهُوَ طَلَاق السّنة وَهُوَ أَن يُطلق الْمَدْخُول بهَا ثَلَاثًا فِي ثَلَاثَة أطهار، والبدعي أَن يطلقهَا ثلاقا بِكَلِمَة وَاحِدَة، أَو ثَلَاثًا فِي طهر وَاحِد، فَإِذا فعل ذَلِك وَقع الطَّلَاق وَكَانَ عَاصِيا.
١٥٢٥ - حدّثنا إسْماعِيلُ بنُ عبْدِ الله قَالَ: حدّثني مالِكٌ عنْ نافِعٍ عنْ عبدِ الله بنِ عُمَر رَضِي الله عَنْهُمَا، أنَّهُ طَلَّقَ امْرَأتَهُ وهْيَ حائِضٌ علَى عَهْدِ رسولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَسَأَلَ عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، عنْ ذَلك؟ فَقَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: مُرْهُ فلْيُرَاجِعْها ثُمَّ لِيُمْسِكْها حتَّى تَطْهَرُ ثُمَّ تَحِيضَ ثُمَّ تَطْهَرُ ثُمَّ إنْ شاءَ أمْسَكَ بَعْدُ، وإنْ شاءَ طَلَّقَ قَبْلَ أنْ يَمَسَّ فَتِلْكَ العِدَّةُ الَّتي أمَرَ الله أَن تُطَلَّقَ لَهَا النِّساء.
إِسْمَاعِيل بن عبد الله هُوَ إِسْمَاعِيل بن أبي أويس ابْن أُخْت مَالك بن أنس.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم أَيْضا فِي الطَّلَاق عَن يحيى بن يحيى عَن مَالك وَأخرجه أَبُو دَاوُد أَيْضا عَن القعْنبِي عَن مَالك. وَأخرج النَّسَائِيّ أَيْضا فِيهِ عَن مُحَمَّد بن سَلمَة عَن ابْن الْقَاسِم.
قَوْله: (طلق امْرَأَته) وَهِي آمِنَة بنت غفار، بِكَسْر الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَتَخْفِيف الْفَاء، قَالَه النَّوَوِيّ فِي (تهذيبه) وَقيل: بنت عمار، بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَتَشْديد الْمِيم، وَوَقع فِي (مُسْند أَحْمد) أَن اسْمهَا نوار، وَيُمكن الْجمع بَينهمَا بِأَن يكون اسْمهَا: آمِنَة ونوار لقبها، وآمنة بِهَمْزَة مَفْتُوحَة ممدودة وَمِيم مَكْسُورَة وَنون، ونوار بنُون مَفْتُوحَة. قَوْله: (وَهِي حَائِض) ، قيل: هَذِه جملَة من الْمُبْتَدَأ وَالْخَبَر، فالمطابقة بَينهمَا شَرط. وَأجِيب بِأَن الصّفة إِذا كَانَت خَاصَّة بِالنسَاء فَلَا حَاجَة إِلَيْهَا، وَفِي رِوَايَة قَاسم بن إصبغ من طَرِيق عبد الحميد بن جَعْفَر عَن نَافِع عَن ابْن عمر: أَنه طلق امْرَأَته وَهِي فِي دَمهَا حَائِض، وَعند الْبَيْهَقِيّ من طَرِيق مَيْمُون بن مهْرَان عَن ابْن عمر: أَنه طلق امْرَأَته فِي حَيْضهَا وَأخرج الطَّحَاوِيّ هَذَا الحَدِيث من ثَمَان طرق صِحَاح. مِنْهَا: عَن نصر بن مَرْزُوق وَابْن أبي دَاوُد كِلَاهُمَا عَن عبد الله بن صَالح عَن اللَّيْث عَن عقيل عَن ابْن شهَاب عَن سَالم بن عبد الله عَن عبد الله بن عمر أخبرهُ: أَنه طلق امْرَأَته وَهِي حَائِض فَذكر ذَلِك عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فتغيظ عَلَيْهِ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، ثمَّ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (لتراجعها ثمَّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute