وَعَن آخَرين.
قَوْله: (ليراجعها) دَلِيل على وُقُوع الطَّلَاق فِي الْحيض. قَوْله: (قلت: تحتسب) الْقَائِل أنس بن سِيرِين، وَتحْتَسب على صِيغَة الْمَجْهُول، أَي: تحتسب طَلْقَة من عدد الطلقات؟ (قَالَ: فَمه) أَي: قَالَ ابْن عمر: فِيهِ أَصله فَمَا للاستفهام وأبدل الْألف: خاء أَي، فَمَا يكون إِن لم تحتسب طَلْقَة؟ وَيحْتَمل أَن يكون كلمة: مَه، للكف والزجر أَي: انزجر عَنهُ فَإِنَّهُ لَا شكّ فِي وُقُوع الطَّلَاق. وَكَونه محسوبا فِي عدد الطلقات،.
وَقَالَ عبد الْحق: روى ابْن وهب عَن ابْن أبي ذِئْب أَن نَافِعًا أخبرهُ عَن ابْن عمر أَنه طلق امْرَأَته وَهِي حَائِض، فَسَأَلَ عمر عَن ذَلِك، فَقَالَ: مره فَلْيُرَاجِعهَا ثمَّ يمْسِكهَا ... الحَدِيث، وَفِي آخِره: وَهِي وَاحِدَة، وَكَذَلِكَ ذكره الدَّارَقُطْنِيّ عَن ابْن عمر عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: هِيَ وَاحِدَة، وَبِهَذَا رد عبد الْحق على ابْن حزم فِي قَوْله: إِنَّه لَا يحْتَسب من الطَّلَاق. قَالَ: فَهَذَا نَص فِي مَوضِع الْخلاف، وَلَيْسَ فِي مَا تقدم من الْكَلَام شَيْء يصلح أَن يعود عَلَيْهِ الضَّمِير إِلَّا الطَّلَاق الْمُتَقَدّم. وَقَالَ ابْن حزم: لَعَلَّ قَوْله: وَهِي وَاحِدَة، لَيْسَ من كَلَام النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. قَالَ عبد الْحق: كَيفَ هَذَا وَفِي الحَدِيث: فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم؟ وَقَالَ ابْن حزم: أَو يكون معنى قَوْله: وَهِي وَاحِدَة أَي: وَاحِدَة أَخطَأ فِيهَا ابْن عمر أَو قَضِيَّة وَاحِدَة لَازِمَة لكل مُطلق قَالَ عبد الْحق: وَيَكْفِي فِي هَذَا التَّأْوِيل سَمَاعه، وَلَو فعل هَذَا غَيره لقام وَقعد.
وعَنْ قَتَادَةَ عنْ يُونُسَ بنِ جُبَيْرٍ عنِ ابنِ عُمَرَ، قَالَ: مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْها قُلْتُ: تُحْتَسَبُ؟ قَالَ: أرَأيْتَ إنْ عَجَزَ واسْتَحْمَقَ؟ .
هُوَ مَعْطُوف على قَوْله: عَن أنس بن سِيرِين فَهُوَ مَوْصُول. وَيُونُس بن جُبَير، بِضَم الْجِيم وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون الْيَاء آُر الْحُرُوف وَفِي آخِره رَاء: أَبُو غلاب، بِفَتْح الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَتَشْديد اللَّام وبالباء الْمُوَحدَة: الْبَاهِلِيّ الْبَصْرِيّ، مَاتَ قبل أنس وَأوصى أَن يُصَلِّي عَلَيْهِ أنس.
قَوْله: (قلت تحتسب؟) الْقَائِل يُونُس بن جُبَير، وَهِي على صِيغَة الْمَجْهُول. قَوْله: (أَرَأَيْت؟) هَكَذَا فِي رِوَايَة الْكشميهني، وَفِي رِوَايَة غَيره: أرأيته؟ وَقَالَ الْخطابِيّ: يُرِيد: (أَرَأَيْت إِن عجز واستحمق؟) أَي: أيسقط عَجزه وحمقه حكم الطَّلَاق الَّذِي أوقعه فِي الْحيض؟ وَهَذَا من الْمَحْذُوف الْجَواب الَّذِي يدل عَلَيْهِ الفحوى. وَقَالَ النَّوَوِيّ: أفيرتفع عَنهُ الطَّلَاق وَإِن عجز واستحمق؟ وَهُوَ اسْتِفْهَام إنكاري، وَتَقْدِيره: نعم، يحْتَسب وَلَا يمْنَع احتسابها لعَجزه وحماقته، وَالْقَائِل لهَذَا الْكَلَام هُوَ ابْن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، صَاحب الْقِصَّة وبريد بِهِ نَفسه، وَإِن أعَاد: الضَّمِير بِلَفْظ الْغَيْبَة، وَقد جَاءَ فِي رِوَايَة مُسلم أَن ابْن عمر قَالَ: مَالِي لَا أَعْتَد بهَا وَإِن كنت عجزت واستحمقت؟ وَقَالَ القَاضِي: أَي: إِن عجز عَن الرّجْعَة، وَفعل فعل الأحمق. وَقَالَ الْكرْمَانِي: يحْتَمل أَن يكون كلمة ... أَن نَافِيَة أَي: مَا عجز ابْن عمر، وَمَا استحمق يَعْنِي: لَيْسَ طفْلا وَلَا مَجْنُونا حَتَّى لَا يَقع طَلَاقه وَالْعجز لَازم الطِّفْل، والحمق لَازم الْجُنُون وَهُوَ من إِطْلَاق اللَّازِم وَإِرَادَة الْمَلْزُوم، وَأَن يكون مُخَفّفَة من الثَّقِيلَة، لَو صحت الرِّوَايَة بِالْفَتْح فَالْمَعْنى أظهر، وَقَالَ ابْن الخشاب: التَّاء فِي استحمق مَفْتُوحَة وَالْمعْنَى: فعل فعلا يصير بِهِ أَحمَق عَاجِزا، فَيسْقط عَنهُ عَجزه وحمقه حكم الطَّلَاق، وَهَذِه الْمَادَّة، أَعنِي: مَادَّة الاستفعال، إِشَارَة إِلَى أَنه تكلّف الْحمق بِمَا فعله من تطليق امْرَأَته، وَهِي حَائِض. قيل: قد وَقع فِي بعض الْأُصُول بِضَم التَّاء، أَعنِي على صِيغَة الْمَجْهُول، أَي أَن النَّاس استحمقوه بِمَا فعل. وَقَالَ الْمُهلب: معنى قَوْله: (إِن عجز واستحمق) يَعْنِي فِي الْمُرَاجَعَة الَّتِي أَمر بهَا عَن إِيقَاع الطَّلَاق أَو فقد عقله فَلم يكن مِنْهُ الرّجْعَة، أتبقى الْمَرْأَة معلقَة لَا ذَات بعل وَلَا مُطلقَة؟ وَقد نهى الله عز وَجل عَن ذَلِك، فَلَا بُد أَن يحْتَسب بِتِلْكَ التطليقة الَّتِي أوقعهَا على غير وَجههَا، كَمَا أَنه لَو عجز عَن فرض آخر لله تَعَالَى فَلم يقمه واستحمق فَلم يَأْتِ بِهِ مَا كَانَ يعْذر بذلك، وَسقط عَنهُ.
٣٥٢٥ - حدّثنا وَقَالَ أَبُو مَعْمَر: حدَّثنا عبْدُ الوَارثِ حدَّثنا أيُّوبُ عَنْ سَعِيدِ بنِ جُبَيْرٍ عنِ ابنِ عُمَرَ قَالَ: حُسِبَتْ عَلَيَّ بِتَطْلِيقَةٍ.
(انْظُر الحَدِيث ٨٠٩٤)
أَبُو معمر بِفَتْح الميمين عبد الله بن عَمْرو الْمنْقري الْبَصْرِيّ المقعد، كَذَا فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين، قَالَ أَبُو معمر: وَفِي رِوَايَة أبي ذَر: حَدثنَا أَبُو معمر، وَلَيْسَ هَذَا الحَدِيث فِي رِوَايَة النَّسَفِيّ أصلا، وَعبد الْوَارِث بن سعيد وَأَيوب السّخْتِيَانِيّ. قَوْله: (حسبت) على صِيغَة الْمَجْهُول. قَوْله: (عَليّ) بتَشْديد الْيَاء الْمَفْتُوحَة. وَأخرج هَذَا الْمُعَلق أَبُو نعيم من طَرِيق عبد الصَّمد بن عبد الْوَارِث عَن أَبِيه مثل مَا أخرجه البُخَارِيّ مُخْتَصرا، وَزَاد يَعْنِي: حِين طلق امْرَأَته، فَسَأَلَ عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَقَالَ ابْن
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute