أَي: قَرَأَ عَامر بن شرَاحِيل الشّعبِيّ هَذِه الْآيَة لما سُئِلَ عَن طَلَاق النَّاسِي والمخطىء، وَاحْتج بهَا على عدم وُقُوع طَلَاق النَّاسِي والمخطىء، وَجه الِاسْتِدْلَال بهَا ظَاهر.
وَمَا لَا يَجُوزُ مِنْ إقْرَارِ المُوسْوِس
هُوَ عطف على قَوْله: الطَّلَاق فِي الإغلاق، وَالتَّقْدِير: وَفِي بَيَان مَا لَا يجوز من إِقْرَار الموسوس على صِيغَة الْفَاعِل وسوس توسوس نَفسه إِلَيْهِ، والوسوسة حَدِيث النَّفس وَلَا مُؤَاخذَة بِمَا يَقع فِي النَّفس.
وَقَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، لِلَّذِي أقَرَّ علَى نفْسِهِ أبِكَ جُنُونٌ؟
أَشَارَ بِهَذَا إِلَى الِاسْتِدْلَال بِهِ فِي عدم وُقُوع طَلَاق الْمَجْنُون، وَهُوَ قِطْعَة من حَدِيث أخرجه فِي المتحاربين عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: أَتَى رجلٌ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ فِي الْمَسْجِد فناداه، فَقَالَ: يَا رَسُول الله! إِنِّي زَنَيْت، فَأَعْرض عَنهُ حَتَّى ردده عَلَيْهِ أَربع مَرَّات، فَلَمَّا شهد على نَفسه أَربع شَهَادَات دَعَاهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: أبك جُنُون؟ فَقَالَ: لَا ... الحَدِيث، وَسَيَأْتِي الْكَلَام فِيهِ فِي مَوْضِعه إِن شَاءَ الله تَعَالَى قَوْله: (للَّذي أقرّ) أَي: الرجل الَّذِي أقرّ على نَفسه بِالزِّنَا، وَإِنَّمَا قَالَ لَهُ: أبك جُنُون؟ لِأَنَّهُ لَو كَانَ ثَبت عَنهُ أَنه مَجْنُون كَانَ أسقط الْحَد عَنهُ.
وَقَالَ عَلِيٌّ: بقَر حَمْزَةُ خَوَاصِرَ شارِفَيَّ، فَطَفِقَ النبيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَلُومُ حَمْزَةَ، فإذَا حَمْزَةُ قدْ ثَمِلَ مُحَمَرَةٌ عَيْنَاهُ ثُمَّ قَالَ حَمْزَةُ هَلْ أنْتُمْ إِلَّا عَبِيدٌ لأبي؟ فَعَرَفَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أنَّهُ ثَمِلَ، فَخَرَجَ وخَرَجْنَا معَهُ.
أَشَارَ بِهَذَا إِلَى الِاسْتِدْلَال بِأَن السَّكْرَان لَا يُؤَاخذ بِمَا صدر مِنْهُ فِي حَال سكره من طَلَاق وَغَيره، وَعلي هُوَ ابْن أبي طَالب، رَضِي الله عَنهُ، وَهَذَا قِطْعَة من حَدِيث قد مَضَت فِي غَزْوَة بدر فِي بَاب مُجَرّد عقيب: بَاب شُهُود الْمَلَائِكَة بَدْرًا. مطولا. قَوْله: (بقر) بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة وَتَخْفِيف الْقَاف أَي: شقّ قَوْله: (خواصر) جمع خاصرة. قَوْله: (شارفي) تَثْنِيَة شَارف أضيف إِلَى يَاء الْمُتَكَلّم وَالْفَاء الْمَفْتُوحَة وَالْيَاء مُشَدّدَة، والشارف بالشين الْمُعْجَمَة وَكسر الرَّاء وَهِي المسنة من النوق قَوْله: (فَطَفِقَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) أَي: شرع النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يلوم حَمْزَة بن عبد الْمطلب على فعله هَذَا قَوْله فَإِذا كلمة مفاجأة وَحَمْزَة مُبْتَدأ وَقد ثمل خَبره بِفَتْح الثَّاء الْمُثَلَّثَة وَكسر الْمِيم أَي: قد أَخذه الشَّرَاب وَالرجل ثمل بِكَسْر الْمِيم أَيْضا، وَلكنه فِي الحَدِيث مَاض فِي الْمَوْضِعَيْنِ، وَفِي قَوْلنَا: الرجل ثمل، صفة مشبهة فَافْهَم، ويروى: فَإِذا حَمْزَة ثمل، على صِيغَة الصّفة المشبهة فَافْهَم. قَوْله: (محمرة عَيناهُ) خبر بعد خبر وَيجوز أَن يكون حَالا فَحِينَئِذٍ تنصب محمرة، قَوْله: (فَخرج) أَي: النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من عِنْد حَمْزَة وَخَرجْنَا مَعَه. وَاعْترض الْمُهلب بِأَن الْخمر حِينَئِذٍ كَانَت مُبَاحَة، قَالَ: فبذلك سقط عَنهُ حكم مَا نطق بِهِ فِي تِلْكَ الْحَال، قَالَ: وبسب هَذِه الْقِصَّة كَانَ تَحْرِيم الْخمر، ورد عَلَيْهِ بِأَن الِاحْتِجَاج بِهَذِهِ الْقِصَّة إِنَّمَا هُوَ بِعَدَمِ مُؤَاخذَة السَّكْرَان. لما يصدر مِنْهُ، وَلَا يفْتَرق الْحَال بَين أَن يكون الشّرْب فِيهِ مُبَاحا أَولا، وبسبب هَذِه القسعة كَانَ تَحْرِيم الْخمر، غير صَحِيح، لِأَن قصَّة الشارفين كَانَت قبل أحد اتِّفَاقًا، لِأَن حَمْزَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، اسْتشْهد بِأحد وَكَانَ ذَلِك بَين بدر وَأحد عِنْد تَزْوِيج عَليّ بفاطمة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، وَقد ثَبت فِي (الصَّحِيح) أَن جمَاعَة اصطحبوا الْخمر يَوْم أحد واستشهدوا فِي ذَلِك الْيَوْم، فَكَانَ تَحْرِيم الْخمر بعد أحد لهَذَا الحَدِيث الصَّحِيح.
وَقَالَ عُثْمانُ لَيْسَ لِمَجْنُونٍ وَلَا لِسَكْرَانَ طلاقٌ
أَي: قَالَ عُثْمَان بن عَفَّان أَمِير الْمُؤمنِينَ: لَيْسَ لمَجْنُون وَلَا لسكران طَلَاق، يَعْنِي: لَا يَقع طلاقهما، وَرَوَاهُ ابْن أبي شيبَة عَن وَكِيع بِسَنَد صَحِيح: حَدثنَا ابْن أبي ذِئْب عَن الزُّهْرِيّ عَن أبان بن عُثْمَان عَنهُ بِلَفْظ: كَانَ لَا يُجِيز طَلَاق السَّكْرَان وَالْمَجْنُون، وَكَانَ عمر بن عبد الْعَزِيز يُجِيز ذَلِك جتى حَدثهُ أبان بِهَذَا.
قَالَ ابنُ عبّاس: طَلَاقُ السَّكْرَانِ والمُسْتَكْرَهِ ليْسَ بجَائِزٍ
هَذَا التَّعْلِيق وَصله ابْن أبي شيبَة بِسَنَد صَحِيح: عَن هشيم عَن عبد الله بن طَلْحَة الْخُزَاعِيّ عَن أبي يزِيد الْمَدِينِيّ عَن عِكْرِمَة