للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فهر بن ثَعْلَبَة بن غنم بن سَالم بن عَوْف وَهُوَ الْأَصَح، وَلَا يثبت شَيْء غير ذَلِك، وَزوجهَا أَوْس بن الصَّامِت بن قيس بن أَصْرَم بن فهر ابْن ثَعْلَبَة بن غنم بن سَالم بن عَوْف بن الْخَزْرَج الْأنْصَارِيّ، شهد بَدْرًا وأحداً والمشاهد كلهَا مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَبَقِي إِلَى زمن عُثْمَان، رَضِي الله عَنهُ.

ثمَّ الْكَلَام فِيهِ على أَنْوَاع:

الأول فِي سَبَب نزُول هَذ الْآيَات، وَهُوَ أَن خَوْلَة بنت ثَعْلَبَة كَانَت امْرَأَة جسيمة الْجِسْم فرآها زَوجهَا سَاجِدَة فِي صلَاتهَا فَنظر إِلَى عجيزتها، فَلَمَّا انصرفت أرادها فامتنعت عَلَيْهِ وَكَانَ أمرأ فِيهِ سرعَة ولمم فَقَالَ لَهَا: أَنْت عَليّ كَظهر أُمِّي، ثمَّ نَدم على مَا قَالَ. وَكَانَ الْإِيلَاء وَالظِّهَار من طَلَاق أهل الْجَاهِلِيَّة، فَقَالَ لَهَا: مَا أَظُنك إلَاّ قد حرمت عَليّ، فَأَتَت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَت: يَا رَسُول الله {إِن زَوجي أَوْس بن الصَّامِت تزَوجنِي وَأَنا شَابة غنية ذَات مَال وَأهل حَتَّى أكل مَالِي وأفنى شَبَابِي وتفرق أَهلِي وَكبر سني ظَاهر مني، وَقد نَدم فَهَل من شَيْء يجمعني وإياه ينعشني بِهِ؟ فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: حرمت عَلَيْهِ، فَقَالَت: يَا رَسُول الله} وَالَّذِي أنزل عَلَيْك الْكتاب مَا ذكر طَلَاقا وَإنَّهُ أَبُو وَلَدي وَأحب النَّاس إِلَيّ. فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: حرمت عَلَيْهِ. فَقَالَت: أَشْكُو إِلَى الله فَاقَتِي وَوحْدَتِي. قد طَالَتْ صحبتي ونفضت لَهُ بَطْني، أَي: كثر وَلَدي، فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: مَا أَرَاك إِلَّا قد حرمت عَلَيْهِ، وَلم أومر فِي شَأْنك بِشَيْء، فَجعلت تراجع رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَإِذا قَالَ لَهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: حرمت عَلَيْهِ، هَتَفت وَقَالَت: أَشْكُو إِلَى الله فَاقَتِي وَشدَّة حَالي، أللهم أنزل على لِسَان نبيك، وَكَانَ هَذَا أول ظِهَار فِي الْإِسْلَام، فَأنْزل الله تَعَالَى عَلَيْهِ: {قد سمع الله قَول الَّتِي تُجَادِلك فِي زَوجهَا} (المجادلة: ١)

الْآيَات قَالَ لَهَا: إدعي زَوجك، فجَاء فَتلا عَلَيْهِ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (قد سمع الله) الْآيَات ثمَّ قَالَ لَهُ: هَل تَسْتَطِيع أَن تعْتق رَقَبَة؟ قَالَ: إِذا يذهب مَالِي كُله، الرَّقَبَة غَالِيَة وَأَنا قَلِيل المَال. فَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: هَل تَسْتَطِيع أَن تَصُوم شَهْرَيْن مُتَتَابعين؟ قَالَ: وَالله يَا رَسُول الله إِن لم آكل فِي الْيَوْم ثَلَاث مَرَّات كلَّ بَصرِي وخشيت أَن تغشو عَيْني، قَالَ فَهَل تَسْتَطِيع أَن تطعم سِتِّينَ مِسْكينا؟ قَالَ: لَا وَالله إلَاّ أَن تعينني على ذَلِك يَا رَسُول الله. قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَنِّي معينك بِخَمْسَة عشر صَاعا، وَاجْتمعَ لَهما أَمرهمَا، فَذَلِك قَوْله تَعَالَى: {الَّذين يظاهرون مِنْكُم من نِسَائِهِم} (المجادلة: ٢) وَكلمَة: مِنْكُم، توبيخ للْعَرَب وتهجين لعادتهم فِي الظِّهَار لِأَنَّهُ كَانَ من إِيمَان أهل جاهليتهم خَاصَّة دون سَائِر الْأُمَم. قَوْله: {مَا هن أمهاتهم} أَي: لَيست النِّسَاء اللَّاتِي يظاهرون مِنْهُنَّ أمهاتهم، لِأَنَّهُ تَشْبِيه بَاطِل لتباين الْحَالين. {إِن أمهاتهم} أَي: مَا أمهاتهم {إِلَّا اللائي ولدنهم وَإِنَّهُم ليقولون مُنْكرا من القَوْل} (المجادلة: ٢) لَا يعرف صِحَّته {وزورا} يَعْنِي: كذبا بَاطِلا منحرفاً عَن الْحق.

النَّوْع الثَّانِي: فِي صُورَة الظِّهَار: إعلم أَن الْأَلْفَاظ الَّتِي يصير بهَا الْمَرْء مُظَاهرا على نَوْعَيْنِ: صَرِيح، نَحْو أَنْت عَليّ كَظهر أُمِّي، أَو أَنْت عِنْدِي كَظهر أُمِّي، وكناية نَحْو: أَن يَقُول: أَنْت عَليّ كأمي، أَو مثل أُمِّي، أَو نَحْوهمَا، يعْتَبر فِيهِ نِيَّته، فَإِن أَرَادَ ظِهَارًا كَانَ ظِهَارًا، وَإِن لم ينْو لَا يصير ظِهَارًا وَعند مُحَمَّد بن الْحسن: هُوَ ظِهَار، وَعَن أبي يُوسُف: هُوَ مثله إِن كَانَ فِي الْغَضَب وَعنهُ أَن يكون إِيلَاء وَإِن نوى طَلَاقا. كَانَ طَلَاقا بَائِنا.

النَّوْع الثَّالِث: لَا يكون الظِّهَار إِلَّا بالتشبيه بِذَات محرم، فَإِذا ظَاهر بِغَيْر ذَات محرم فَلَيْسَ بظهار، وَبِه قَالَ الْحسن وَعَطَاء وَالشعْبِيّ، وَهُوَ قَول أبي حنيفَة وَالشَّافِعِيّ فِي قَول، وَعنهُ وَهُوَ أشهر أَقْوَاله: إِن كل من ظَاهر بِامْرَأَة حل لَهُ نِكَاحهَا يَوْمًا من الدَّهْر فَلَيْسَ ظِهَارًا، وَمن ظَاهر بِامْرَأَة لم يحل لَهُ نِكَاحهَا قطّ فَهُوَ ظِهَار. وَقَالَ مَالك: من ظَاهر بِذَات محرم أَو بأجنبية فَهُوَ كُله ظِهَار، وَعَن الشّعبِيّ: لَا ظِهَار إلاّ بِأم أَو جده، وَهُوَ قَول للشَّافِعِيّ رَوَاهُ عَنهُ أَبُو ثَوْر، وَبِه قَالَت الظَّاهِرِيَّة.

وَاخْتلفُوا فِيمَن ظَاهر من أَجْنَبِيَّة ثمَّ تزَوجهَا، فروى الْقَاسِم بن مُحَمَّد عَن عمر بن الْخطاب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: إِن تزَوجهَا فَلَا يقربهَا حَتَّى يكفر، وَهُوَ قَول عَطاء وَسَعِيد بن الْمسيب وَالْحسن وَعُرْوَة، قَالَ ابْن حزم: صَحَّ ذَلِك عَنْهُم. قلت: إِن أَرَادَ بِالصِّحَّةِ عَن الْمَذْكُورين فالأثر عَن عمر مُنْقَطع لِأَن الْقَاسِم لم يُولد إلَاّ بعد قتل عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَإِن أَرَادَ البَاقِينَ فَيمكن. وَقَالَ فِي (التَّلْوِيح) : قَالَ ابْن عمر: قَالَ ابْن أبي ليلى وَالْحسن بن حَيّ: إِن قَالَ: كل امْرَأَة أَتَزَوَّجهَا فَهِيَ على كَظهر أُمِّي، أَو سمي قَرْيَة أَو قَبيلَة لزمَه الظِّهَار، وَقَالَ الثَّوْريّ فِيمَن قَالَ: إِن تَزَوَّجتك فَأَنت طَالِق، وَأَنت عَليّ كَظهر أُمِّي، وَوَاللَّه لَا أقْربك أَرْبَعَة أشهر فَمَا زَاد، ثمَّ تزَوجهَا وَقع الطَّلَاق وَسقط الظِّهَار وَالْإِيلَاء لِأَنَّهُ بَدَأَ بِالطَّلَاق.

النَّوْع الرَّابِع: فِيمَن يَصح مِنْهُ الظِّهَار وَمن لَا يَصح، كل زوج صَحَّ طَلَاقه صَحَّ ظِهَاره سَوَاء كَانَ حرا أَو رَقِيقا مُسلما أَو ذِمِّيا دخل بِالْمَرْأَةِ أَو لم

<<  <  ج: ص:  >  >>