إِلَى بَيتهَا يَعْنِي إِلَى مَسْكَنهَا الَّذِي طلقت فِيهِ. فَأجَاب مَرْوَان لعَائِشَة، فِي رِوَايَة سُلَيْمَان بن يسَار، إِن عبد الرَّحْمَن بن الحكم غلبني، يَعْنِي: لم أقدر على مَنعه عَن نقلهَا.
وَقَالَ الْقَاسِم فِي رِوَايَته: إِن مَرْوَان قَالَ لعَائِشَة: أَو مَا بلغك الْخطاب لعَائِشَة شَأْن فَاطِمَة؟ يَعْنِي: قصَّة فَاطِمَة بنت قيس؟ وَهِي أَنَّهَا لم تَعْتَد فِي بَيت زَوجهَا بل انْتَقَلت إِلَى غَيره. قَوْله: (قَالَت: لَا يَضرك) أَي: قَالَت عَائِشَة لمروان: لَا يَضرك أَن لَا تذكر حَدِيث فَاطِمَة أَرَادَت: لَا تحتج فِي تَركك نقلهَا إِلَى بَيت زَوجهَا بِحَدِيث فَاطِمَة بنت قيس، لِأَن انتقالها من بَيت زَوجهَا كَانَ لعِلَّة وَهِي أَن مَكَانهَا كَانَ وحشاً مخوفا عَلَيْهِ، وَقيل: فِيهِ عِلّة أُخْرَى وَهِي أَنَّهَا كَانَت لَسِنَةً استطالت على أحمائها. قَوْله: (فَقَالَ مَرْوَان) أَي: فِي جَوَاب عَائِشَة مُخَاطبا لَهَا: إِن كَانَ بك شرّ فِي فَاطِمَة أَو فِي مَكَانهَا عِلّة لِقَوْلِك لجَوَاز انتقالها، فحسبك. أَي فكفاك فِي جَوَاز انْتِقَال هَذِه الْمُطلقَة أَيْضا مَا بَين هذَيْن أَي: الزَّوْجَيْنِ من الشَّرّ لَو سكنت دَار زَوجهَا، وَقيل: الْخطاب لبِنْت أخي مَرْوَان الْمُطلقَة أَي: لَو كَانَ شَرّ مُلْصقًا بك فحسبك من الشَّرّ مَا بَين هذَيْن الْأَمريْنِ من الطَّلَاق والانتقال إِلَى بَيت الْأَب. وَقَالَ ابْن بطال: قَول مَرْوَان لعَائِشَة: (إِن كَانَ بك شَرّ فحسبك) يدل أَن فَاطِمَة إِنَّمَا أمرت بالتحويل إِلَى الْموضع الآخر لشر كَانَ بَينهَا وَبينهمْ. قلت: حَاصِل الْكَلَام من هَذَا كُله أَن عَائِشَة لم تعْمل بِحَدِيث فَاطِمَة بنت قيس وَكَانَت تنكر ذَلِك، وَكَذَلِكَ عمر كَانَ يُنكر ذَلِك، وَكَذَا أُسَامَة وَسَعِيد بن الْمسيب وَآخَرُونَ، عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، أنكر ذَلِك بِحَضْرَة أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَلم يُنكر ذَلِك عَلَيْهِ مُنكر، فَدلَّ تَركهم الْإِنْكَار فِي ذَلِك عَلَيْهِ أَن مَذْهَبهم فِيهِ كمذهبه.
٣٢٣٥ -، ٤٢٣٥ حدّثني مُحَمَّدُ بنُ بَشّارٍ حدَّثنا غُنْدَرٌ حَدثنَا شُعْبَةُ عنْ عبْدِ الرَّحْمنِ بنِ القاسِمِ عنْ أبِيهِ عنْ عائِشَةَ أنّها قالَتْ: مَا لِفاطِمَةَ؟ ألَا تَتَّقِي الله؟ يَعْنِي فِي قَوْلِها: لَا سُكْنَى وَلَا نَفَقَة.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة: وغندر بِضَم الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَسُكُون النُّون مُحَمَّد بن جَعْفَر وَقد تكَرر ذكره.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم أَيْضا عَن مُحَمَّد بن الْمثنى عَن غنْدر.
قَوْله: (حَدثنِي مُحَمَّد بن بشار) قَالَ الْحَافِظ الْمزي: أخرج البُخَارِيّ هَذَا الحَدِيث عَن مُحَمَّد وَلم ينْسبهُ وَهُوَ مُحَمَّد بن بشار، وَكَذَا نسبه أَبُو مَسْعُود. قَوْله: (مَا لفاطمة؟) أَي: مَا شَأْنهَا وَمَا جرى عَلَيْهَا (أَلا تتقى الله) يَعْنِي: أَلا تخَاف الله فِي قَوْلهَا: الْمُطلقَة الْبَتَّةَ لَا نَفَقَة لَهَا وَلَا سكن على زَوجهَا، وَالْحَال أَنَّهَا تعرف قصَّتهَا يَقِينا فِي أَنَّهَا إِنَّمَا أمرت بالانتقال لعذر وَعلة كَانَت بهَا، وَقَالَ الْمُهلب: إِنْكَار عَائِشَة على فَاطِمَة فتياها بِمَا أَبَاحَ لَهَا الشَّارِع من الِانْتِقَال وَتَركه السُّكْنَى، وَلم يخبر بِالْعِلَّةِ.
٥٢٣٥ -، ٦٢٣٥ حدّثنا عَمْرُو بنُ عبَّاسٍ حَدثنَا ابنُ مَهْدِي حَدثنَا سُفْيانُ عنْ عبْدِ الرَّحمانِ بنِ القاسمِ عنْ أبِيه قَالَ: قَالَ عُرْوَةُ بنُ الزُّبَيْرِ لِعائِشَةَ: أَلَمْ تَرَيْنَ إِلَى فُلَانَةَ بِنْتِ الحَكَمِ طلَّقَها زَوْجُها البَتَّةَ فَخَرَجَتْ؟ فقالَتْ: بِئْسَ مَا صَنَعَتْ. قَالَ: أَلَمْ تَسْمِعِي فِي قَوْلِ فاطِمَةَ؟ قالَتْ: أما إنَّهُ لَيْسَ لَهَا خَيْرٌ فِي ذِكْرِ هاذَا الحَدِيثِ.
وزَاد بنُ أبي الزِّنادِ عنْ هِشامٍ عنْ أبِيهِ: عابتْ عائِشَةُ أشَدَّ الْعَيْبِ، وقالَتْ: إنَّ فاطِمَة كانَتْ فِي مَكانٍ وحْشٍ فَخِيفَ علَى ناحِيتَها، فَلِذَلِكَ أرْخَصَ لَهَا النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
هَذَا طَرِيق آخر فِي حَدِيث عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا أخرجه عَن عَمْرو بن عَبَّاس أبي عُثْمَان الْبَصْرِيّ عَن عبد الرَّحْمَن بن مهْدي عَن سُفْيَان الثَّوْريّ.
قَوْله: (عَن أَبِيه) هُوَ الْقَاسِم بن مُحَمَّد بن أبي بكر الصّديق رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ. قَوْله: (قَالَ عُرْوَة بن الزبير) وَفِي بعض النّسخ: قَالَ عُرْوَة، بِدُونِ ذكر أَبِيه. قَوْله: (ألم تَرين) ويروى على الأَصْل: ألم ترى. قَوْله: (إِلَى فُلَانَة بنت الحكم) نَسَبهَا إِلَى جدها. وَهِي بنت عبد الرَّحْمَن بن الحكم كَمَا ذكر فِي الطَّرِيق الأول. قَوْله: (أَلْبَتَّة) همزتها للْقطع لَا للوصل وَالْمَقْصُود أَنَّهَا بَانَتْ مِنْهُ وَلم يكن طَلقهَا رَجْعِيًا. قَوْله: (فَخرجت) أَي: من مسكن الْفِرَاق. قَوْله: (بئس مَا صنعت) وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: بئس صنع أَي: زَوجهَا فِي تمكينها من ذَلِك، أَو بئس مَا صنع أَبوهَا فِي موافقها. قَوْله: (قَالَ: ألم تسمعي) يحْتَمل أَن يكون فَاعل