وَالشَّمْس فِي المري، وَذبح فعل مَاض على صِيغَة الْمَعْلُوم، وَالْخمر مَنْصُوب بِهِ لِأَنَّهُ مفعول، والنينان بِالرَّفْع فَاعله وَالشَّمْس عطف عَلَيْهِ، وَقيل: لفظ ذبح مصدر مُضَاف إِلَى الْخمر فَيكون مَرْفُوعا بِالِابْتِدَاءِ وَخَبره هُوَ قَوْله النينان، وَالْمعْنَى: زَوَال الْخمر فِي المري النينان وَالشَّمْس أَي: تطهيرها فَهَذَا يدل على أَن أَبَا الدَّرْدَاء مِمَّن يرى جَوَاز تَخْلِيل الْخمر، وَهُوَ مَذْهَب الْحَنَفِيَّة. وَقَالَ أَبُو مُوسَى فِي: (ذيل الْغَرِيب) عبر عَن قُوَّة الْملح وَالشَّمْس وغلبتهما على الْخمر وإزالتهما طعمها ورائحتها بِالذبْحِ، وَإِنَّمَا ذكر النينان دون الْملح لِأَن الْمَقْصُود من ذَلِك يحصل بِدُونِهِ، وَلم يرد أَن النينان وَحدهَا هِيَ الَّتِي خللته وَقَالَ: كَانَ أَبُو الدَّرْدَاء: يُفْتِي بِجَوَاز تَخْلِيل الْخمر فَقَالَ: إِن السّمك بالآلة الَّتِي أضيفت إِلَيْهِ تغلب على ضراوة الْخمر وتزيل شدتها، وَالشَّمْس تُؤثر فِي تخليلها فَتَصِير حَلَالا. قَالَ: وَكَانَ أهل الرِّيف من الشَّام يعجنون الرّيّ بِالْخمرِ وَرُبمَا يجْعَلُونَ فِيهِ السّمك الَّذِي يربى بالملح والأبزار مِمَّا يسمونه الصحناء، وَالْقَصْد من المري هضم الطَّعَام يضيفون إِلَيْهِ كل ثَقِيف أَو حريف ليزِيد فِي جلاء الْمعدة واستدعاء الطَّعَام بحرافته، وَكَانَ أَبُو الدَّرْدَاء وَجَمَاعَة من الصَّحَابَة يَأْكُلُون هَذَا المري الْمَعْمُول بِالْخمرِ. قَالَ: وَأدْخلهُ البُخَارِيّ فِي طَهَارَة صيد الْبَحْر يُرِيد أَن السّمك طَاهِر حَلَال وَأَن طَهَارَته وحله يتَعَدَّى إِلَى غَيره كالملح حَتَّى تصير الْحَرَام النَّجِسَة بإضافتها إِلَيْهِ طَاهِرَة حَلَالا وَفِي (التَّوْضِيح) وَكَانَ أَبُو هُرَيْرَة وَأَبُو الدَّرْدَاء وَابْن عَبَّاس وَغَيرهم من التَّابِعين يَأْكُلُون هَذَا المري الْمَعْمُول بِالْخمرِ وَلَا يرَوْنَ بِهِ بَأْسا، وَيَقُول أَبُو الدَّرْدَاء: إِنَّمَا حرم الله الْخمر بِعَينهَا وسكرها وَمَا ذبحته الشَّمْس وَالْملح فَنحْن نأكله وَلَا نرى بِهِ بَأْسا.
٥٤٩٣ - حدَّثنا مُسَدَّدٌ حدَّثَنا يَحْيَى عنِ ابنِ جُرَيْجٍ قَالَ: أخْبَرَنِي عَمْروٌ أنَّهُ سَمِعَ جَابِرا، رَضِيَ الله عَنْهُ يَقُولُ: غَزَوْنَا جَيْشَ الخَبطِ وَأُمِّرَ أبُو عُبَيْدَةَ فَجُعْنا جَوْعا شَدِيدا فَألْقَى البَحْرُ حُوتا مَيِّتا لَمْ يُرَ مِثْلُهُ يُقالُ لَهُ: العَنْبَرُ فَأكَلْنَا مِنْهُ نِصْفَ شَهْرٍ فَأخذ أبُو عُبَيْدَةَ عَظْما مِنْ عِظامِهِ فَمَرَّ الرَّاكِبُ تَحْتَهُ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَيحيى هُوَ الْقطَّان وَابْن جريج عبد الْملك وَعمر وَهُوَ ابْن دِينَار.
والْحَدِيث قد مضى فِي الْمَغَازِي فِي: بَاب غَزْوَة سيف الْبَحْر، بِعَين هَذَا الْإِسْنَاد عَن مُسَدّد عَن يحيى وَفِيه زِيَادَة على مَا تقف عَلَيْهَا.
قَوْله: (جَيش الْخبط) قيل: إِنَّه مَنْصُوب بِنَزْع الْخَافِض أَي: مصاحبين الْجَيْش الْخبط أَو فِيهِ الْخبط بِفَتْح الْخَاء الْمُعْجَمَة وَالْبَاء الْمُوَحدَة الْوَرق الَّذِي يخبط لعلف الْإِبِل قَوْله: (وَأمر أَبُو عُبَيْدَة) وَهُوَ عَامر بن عبد الله بن الْجراح أحد الْعشْرَة المبشرة. وَقَوله: (أَمر) على صِيغَة الْمَجْهُول أَي: جعل عَلَيْهِم أَمِيرا، ويروى: وأميرنا أَبُو عُبَيْدَة، قَوْله: (العنبر) بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَسُكُون النُّون وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة وبالراء.
٥٤٩٤ - حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ مُحَمَّدٍ أخْبَرَنا سُفْيَانُ عَنْ عَمْروٍ قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرا يَقُولُ: بَعَثَنَا النبيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، ثَلاثَمَائَةِ رَاكِبٍ وَأمِيرُنا أبُو عُبَيْدَةَ نَرْصُد عيرًا لِقُرَيْشٍ، فَأصابَنا جُوعٌ شَدِيدٌ حَتَّى أكَلْنا الخَبَطَ، فَسُمِّيَ جَيْشَ الخَبَطِ، وَألْقَى البَحْرَ حُوتا يُقَالُ لَهُ: العَنْبَرُ فَأكَلْنَا نِصْفَ شَهْرٍ وَادَّهَنَّا بِوَدَكهِ حتَّى صَلَحَتْ أجْسَامُنا قَالَ: فَأخَذَ أبُو عُبَيْدَةَ ضِلَعا مِنْ أضْلاعِهِ فَنَصَبَهُ فَمرَّ الرَّاكِبُ تَحْتَهُ، وَكَانَ فِينا رَجُلٌ فَلَمَّا اشْتَدَّ الجُوعُ نَحَرَ ثَلاثَ جَزَائِرَ ثُمَّ ثَلاثَ جَزَائِرَ ثُمَّ نَهَاهُ أبُو عُبَيْدَةَ.
هَذَا طَرِيق آخر فِي الحَدِيث الْمَذْكُور عَن عبد الله بن مُحَمَّد الْجعْفِيّ الْمَعْرُوف بالمسندي عَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة عَن عَمْرو بن دِينَار.
قَوْله: (عيرًا لقريش) بِكَسْر الْعين الْإِبِل الَّتِي تحمل الْميرَة. قَوْله: (بودكه) بِفَتْح الْوَاو وَالدَّال الْمُهْملَة وَهُوَ دهنه. قَوْله: (ضلعا) بِكَسْر الضَّاد الْمُعْجَمَة وَفتح اللَّام. قَوْله: (رجل) هُوَ قيس بن سعد بن عبَادَة الْأنْصَارِيّ. قَوْله: (ثَلَاث جزائر) غَرِيب لِأَن الجزائر جمع جَزِيرَة
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute