أبُو عُبَيْدٍ مَوْلَى ابنِ أزْهَرَ: أنَّهُ شَهِدَ العِيدَ يَوْمَ الأضْحَى مَعَ عُمَرَ بنِ الخَطَّابَ رَضِيَ الله عَنْهُ فَصَلَّى قَبْلَ الخُطْبَةِ ثُمَّ خَطَبَ النَّاسَ. فَقَالَ: يَا أيُّهَا النَّاسُ {إنَّ رَسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَدْ نَهَاكُمْ عَنْ صِيَامِ هاذَيْنِ العِيدَيْنِ أمَّا أحَدْهُما فَيَوْمُ فِطْرِكُمْ مِنْ صِيَامِكُمْ، وَأمَّا الآخَرُ فَيَوْمٌ تَأْكُلُونَ نُسُكَكُمْ.
٥٥٧٢ - حدَّثنا قَالَ أبُو عُبَيْدٍ: ثُمَّ شَهِدْتُ مَعَ عُثْمَانَ بنِ عَفَّانَ فَكَانَ ذالِكَ يَوْمَ الجُمُعَةِ فَصَلَّى قَبْلَ الخُطْبَةِ ثُمَّ خَطَبَ فَقَالَ: يَا أيُّها النَّاسُ} إنَّ هاذا يَوْمٌ قَدِ اجْتَمَعَ لَكُمْ فِيهِ عِيدَانِ، فَمَنْ أحَبَّ أنْ يَنْتَظِرَ الجُمُعَةَ مِنْ أهْلِ العَوَالِي فَلْيَنْظِرْ وَمَنْ أحَبَّ أنْ يَرْجِعَ فَقَدْ أذِنْتُ لَهُ. قَالَ أبُو عُبَيْدٍ: ثُمَّ شَهِدْتُهُ مَعَ عَلِيِّ بنِ أبِي طَالِبٍ فَصَلَّى قَبْلَ الخُطْبَةِ ثُمَّ خَطَبَ النًّاسَ فَقَالَ: إنَّ رَسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، نَهَاكُمْ أنْ تَأْكُلُوا لُحُومَ نُسُكَكُمْ فَوْقَ ثلاثٍ.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي أثر عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فِي آخر الحَدِيث، وَذَلِكَ لِأَن التَّرْجَمَة قَوْله: بَاب مَا يُؤْكَل من لُحُوم الْأَضَاحِي، وَهُوَ يَشْمَل مَا يُؤْكَل مِنْهَا فِي ثَلَاثَة أَيَّام وَمَا يُؤْكَل فِي أَكثر من ذَلِك وَلَكِن فِي أثر على بَين أَنه لَا يجوز فَوق ثَلَاثَة أَيَّام كَمَا ذكرنَا فِي أول الْبَاب.
وحبان بِكَسْر الْحَاء الْمُهْملَة وَتَشْديد الْبَاء الْمُوَحدَة: ابْن مُوسَى أَبُو مُحَمَّد السّلمِيّ الْمروزِي وَعبد الله هُوَ ابْن الْمُبَارك الْمروزِي، وَيُونُس هُوَ ابْن يزِيد الْأَيْلِي، وَالزهْرِيّ هُوَ مُحَمَّد بن مُسلم، وَأَبُو عبيد بِضَم الْعين وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة واسْمه سعد بن عبيد مولى عبد الرَّحْمَن بن أَزْهَر بن عَوْف بن أخي عبد الرَّحْمَن بن عَوْف، وينسب أَيْضا إِلَى عبد الرَّحْمَن بن عَوْف قَالَ يحيى بن بكير: مَاتَ سنة ثَمَان وَتِسْعين.
قَوْله: (نسككم) بِضَمَّتَيْنِ. أَي: أُضْحِيَتكُم.
قَوْله: (قَالَ أَبُو عبيد) ، هُوَ مَوْصُول بالسند الْمَذْكُور. قَوْله: (ثمَّ شهِدت مَعَ عُثْمَان) ، أَي: ثمَّ شهِدت الْعِيد مَعَ عُثْمَان، وَكَذَا فِي بعض النّسخ: لفظ الْعِيد مَذْكُور، وَلكنه لم يبين أَي: عيد. قَالَ بَعضهم: وَالظَّاهِر أَنه عيد الْأَضْحَى الَّذِي قدمه فِي حَدِيثه عَن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فَتكون اللَاّم فِيهِ للْعهد. قلت: يحْتَمل أحد الْعِيدَيْنِ وَلَا سِيمَا فِي الرِّوَايَة الَّتِي لم يذكر فِيهَا لفظ الْعِيد. قَوْله: (فَكَانَ ذَلِك) ، أَي: فَكَانَ يَوْم الْعِيد ذَاك يَوْم الْجُمُعَة. قَوْله: (فِيهِ عيدَان) ، يَعْنِي: عيد الْجُمُعَة وَيَوْم الْعِيد حَقِيقَة وسمى يَوْم الْجُمُعَة عيدا لِأَنَّهُ زمَان اجْتِمَاع الْمُسلمين فِي يَوْم عَظِيم لإِظْهَار شَعَائِر الشَّرِيعَة كَيَوْم الْعِيد وَالْإِطْلَاق على سَبِيل التَّشْبِيه. قَوْله: (من أهل العوالي) وَهُوَ جمع الْعَالِيَة وَهِي قرى بِقرب الْمَدِينَة من جِهَة الشرق، وأقربها من الْمَدِينَة على أَرْبَعَة أَمْيَال أَو ثَلَاثَة، وأبعدها ثَمَانِيَة. قَوْله: (فلينتظر) أَي: فليتأخر إِلَى أَن يُصَلِّي الْجُمُعَة. قَوْله: (أَن يرجع) ، أَي: إِلَى منزله (فقد أَذِنت لَهُ) بِالرُّجُوعِ، وَبِه اسْتدلَّ أَحْمد على سُقُوط الْجُمُعَة على من صلى الْعِيد إِذا وَافق الْعِيد يَوْم الْجُمُعَة، وَبِه قَالَ مَالك مرّة: وَأجِيب بِأَنَّهُم إِنَّمَا كَانُوا يأْتونَ الْعِيد وَالْجُمُعَة من مَوَاضِع لَا يجب عَلَيْهِم الْمَجِيء فَأخْبر بِمَا لَهُم فِي ذَلِك.
قَوْله: (ثمَّ شهِدت مَعَ عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ) أَي: ثمَّ شهِدت الْعِيد مَعَ عَليّ، وَالْمرَاد بِهِ عيد الْأَضْحَى لدلَالَة السِّيَاق عَلَيْهِ، وَيُؤَيِّدهُ مَا رَوَاهُ عبد الرَّزَّاق عَن معمر عَن الزُّهْرِيّ عَن أبي عبيد أَنه سمع عليا رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، يَقُول: يَوْم الْأَضْحَى. قَوْله: (فَوق ثَلَاث) ، زَاد عبد الرَّزَّاق فِي رِوَايَته، فَلَا تَأْكُلُوهَا بعْدهَا.
قَالَ الْقُرْطُبِيّ: اخْتلف فِي أول الثَّلَاث الَّتِي كَانَ الإدخار فِيهَا جَائِزا فَقيل: أَولهَا يَوْم النَّحْر فَمن ضحى فِيهِ جَازَ لَهُ أَن يمسك يَوْمَيْنِ بعده وَمن ضحى بعده أمسك مَا بَقِي لَهُ من الثَّلَاثَة، وَقيل: أَولهَا يَوْم يُضحي فِيهِ فَلَو ضحى فِي آخر أَيَّام النَّحْر جَازَ لَهُ أَن يمسك ثَلَاثًا بعْدهَا وَيحْتَمل أَن يُؤْخَذ من قَوْله فَوق ثَلَاث أَن لَا يحْسب الْيَوْم الَّذِي يَقع فِيهِ النَّحْر من الثَّلَاث وَتعْتَبر اللَّيْلَة الَّتِي تليه وَمَا بعْدهَا.
وَالْجَوَاب عَن أثر عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، أَنه مَحْمُول على أَن السّنة الَّتِي خطب فِيهَا عَليّ كَانَ بِالنَّاسِ فِيهَا جهد كَمَا وَقع فِي عهد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَبِذَلِك أجَاب ابْن حزم فَقَالَ: إِنَّمَا خطب عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، بِالْمَدِينَةِ فِي الْوَقْت الَّذِي كَانَ عُثْمَان حوصر فِيهِ وَكَانَ أهل الْبَوَادِي قد ألجأتهم الْفِتْنَة إِلَى الْمَدِينَة فَأَصَابَهُمْ الْجهد، فَلذَلِك قَالَ عَليّ مَا قَالَ، وَيُؤَيّد صِحَة هَذَا أَن الطَّحَاوِيّ أخرج من طَرِيق اللَّيْث