للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ضد أَعْطَتْ أَي: لَا يشْربهَا كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وأنهار من خمر لَذَّة للشاربين} (مُحَمَّد: ١٥) فَإِن قلت: الْمعْصِيَة لَا توجب حرمَان الْجنَّة. قلت: يدخلهَا وَلَا يشرب من نهرها فَإِنَّهَا من فاخر شراب أَهلهَا. فَإِن قلت: فِيهَا كل مَا تشْتَهي الْأَنْفس. قلت قيل: إِنَّه ينسى شهوتها، وَقيل: لَا يشتهيها وَإِن ذكرهَا. وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ: ظَاهر الحَدِيث تأبيد التَّحْرِيم، فَإِن دخل الْجنَّة شرب من جَمِيع أشربتها إلَاّ الْخمر، وَمَعَ ذَلِك فَلَا يتألم لعدم شربهَا وَلَا يحْسد من يشْربهَا وَيكون حَاله كَحال أَصْحَاب الْمنَازل فِي الْخَفْض والرفعة فَكَمَا لَا يَشْتَهِي منزلَة من هُوَ أرفع مِنْهُ لَا يشتهيها أَيْضا، وَلَيْسَ ذَلِك بعقوبة لَهُ. قَالَ تَعَالَى: {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورهمْ من غل إخْوَانًا} (الْحجر: ٤٧) وَقيل: إِنَّه يعذب فِي النَّار فَإِذا خرج من النَّار بِالرَّحْمَةِ وبالشفاعة وَدخل الْجنَّة لم يحرم شَيْئا. قَوْلنَا: فِي لبس الْحَرِير وَالشرب فِي آنِية الذَّهَب وَالْفِضَّة. وَقَالَ أَبُو عمر: قَالَ بعض من تقدم: إِن من شرب الْخمر ثمَّ لم يتب مِنْهَا لم يدْخل الْجنَّة وَهُوَ مَذْهَب غير مرضِي عندنَا إلَاّ إِذا كَانَ على الْقطع فِي إِنْفَاذ الْوَعيد، ومحمله عندنَا أَنه لَا يدْخل الْجنَّة إلَاّ أَن يغْفر الله لَهُ إِذا مَاتَ غير تائب مِنْهَا كَسَائِر الْكَبَائِر، وَكَذَلِكَ قَوْلهم: لم يشْربهَا فِي الْآخِرَة مَعْنَاهُ: عندنَا إلَاّ أَن يغْفر الله لَهُ فَيدْخل الْجنَّة ويشربها وَهُوَ عندنَا فِي الْمَشِيئَة، إِن شَاءَ غفر لَهُ وَإِن شَاءَ عذبه، فَإِن عذبه بِذَنبِهِ ثمَّ أدخلهُ الْجنَّة برحمته لم يحرمها إِن شَاءَ الله عز وَجل.

٥٥٧٦ - حدَّثنا أبُو اليَمانِ أخْبَرَنا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ أخْبَرَنِي سَعِيدُ بنُ المُسَيَّبِ أنَّهُ سَمِعَ أبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ الله عَنْهُ: أنَّ رَسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أُُتِيَ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِهِ بِإبْلياءَ بِقَدَحَيْنِ مِنْ خَمْرٍ وَلَبَنٍ فَنَظَرَ إلَيْهِمَا ثُمَّ أخَذَ اللَّبَنَ فَقَالَ جِبْرِيلُ: الْحَمْدُ لله الَّذِي هَدَاكَ لِلْفِطْرَةِ وَلَوْ أخَذْتَ الخَمْرَ غَوَتْ أُمَّتُكَ.

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. قيل: مَحل التَّرْجَمَة قَوْله: (غوت أمتك) وَأَبُو الْيَمَان بِفَتْح الْيَاء آخر الْحُرُوف الحكم بن نَافِع الْحِمصِي، وَشُعَيْب بن أبي حَمْزَة الْحِمصِي.

والْحَدِيث أخرجه بَقِيَّة السِّتَّة بأسانيد مُخْتَلفَة. وَقَالَ التِّرْمِذِيّ: رَوَاهُ مَالك، رَحمَه الله تَعَالَى، عَن نَافِع عَن ابْن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، مَوْقُوفا وَلم يرفعهُ. وَفِيه نظر.

قَوْله: (أُتِي) على صِيغَة الْمَجْهُول. قَوْله: (بإيلياء) بِكَسْر الْهمزَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف الْخَفِيفَة مَعَ الْمَدّ وَهُوَ اسْم مَدِينَة بَيت الْمُقَدّس، وَقيل: بِالْقصرِ وَالْمعْنَى: عرض ذَلِك عَلَيْهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، كَانَ بإيلياء، وَقيل: جِيءَ بِثَلَاثَة أقداح قدح من عسل وقدحان من خمر وَلبن، وَأجِيب بِأَن عرض القدحين فِي إيلياء وَعرض الثَّلَاثَة عِنْد رَفعه إِلَى سِدْرَة الْمُنْتَهى. قَوْله: (للفطرة) أَي: لِلْإِسْلَامِ والاستقامة. قَوْله: (وَلَو أخذت الْخمر غوت أمتك) أَي: ضلت وانهمكت فِي الشّرْب وَلَكِن بلطف الله تَعَالَى اخْتَار اللَّبن لكَونه سهلاً طيبا طَاهِرا سائغا للشاربين سليم الْعَاقِبَة.

وَفِيه: اسْتِحْبَاب حمد الله تَعَالَى عِنْد تجدّد النِّعْمَة وَحُصُول مَا كَانَ يتَوَقَّع حُصُوله. واندفاع مَا كَانَ يخَاف وُقُوعه.

{تَابَعَهُ مَعْمَر وَابْنُ الهَادِ وَعُثْمَانُ بنُ عُمَرَ وَالزُّبَيْدِيُّ عَنِ الزُّهْرِيِّ}

أَي: تَابع شعيبا فِي رِوَايَته عَن الزُّهْرِيّ معمر بِفَتْح الميمين ابْن رَاشد وَابْن الْهَاد وَيزِيد بن عبد الله بن أُسَامَة بن الْهَاد اللَّيْثِيّ وَعُثْمَان بن عمر بن مُوسَى بن عبد الله بن عبيد الله بن معمر التَّيْمِيّ والزبيدي بِضَم الزَّاي وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وبالدال الْمُهْملَة مُحَمَّد بن الْوَلِيد بن عَامر أَبُو الْهُذيْل الشَّامي الْحِمصِي، والزبيدي هَذَا مَا وَقع مَعَ هَؤُلَاءِ الْمَذْكُورين إلَاّ فِي غير رِوَايَة أبي ذَر، أما مُتَابعَة معمر فوصلها البُخَارِيّ فِي قصَّة مُوسَى من أَحَادِيث الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم السَّلَام، وَلَيْسَ فِيهِ ذكر إيلياء، وَفِيه إشرب أَيهمَا شِئْت فَأخذت اللَّبن وشربته، وَأما رِوَايَة ابْن الْهَاد فوصلها النَّسَائِيّ من طَرِيق اللَّيْث عَنهُ عَن عبد الْوَهَّاب بن بخت عَن ابْن شهَاب وَهُوَ الزُّهْرِيّ فعلى هَذَا قد سقط ذكر عبد الْوَهَّاب من الأَصْل بَين ابْن الْهَاد وَابْن شهَاب، عَليّ أَن ابْن الْهَاد قد روى عَن الزُّهْرِيّ أَحَادِيث بِغَيْر وَاسِطَة وَوَصله أَحْمد من طَرِيق ابْن الْهَاد عَن الزُّهْرِيّ بِغَيْر وَاسِطَة وَأما رِوَايَة عُثْمَان بن عمر فوصلها تَمام الرَّازِيّ فِي فَوَائده من طَرِيق إِبْرَاهِيم بن الْمُنْذر عَن عُثْمَان بن عمر، وَأما رِوَايَة الزبيدِيّ فوصلها النَّسَائِيّ من طَرِيق مُحَمَّد بن حَرْب عَنهُ لَكِن لَيْسَ فِيهِ ذكر إيلياء.

٥٥٧٧ - حدَّثنا مُسْلِمُ بنُ إبْرَاهِيمَ حدَّثنا هِشَامٌ حدَّثنا قَتَادَةُ عَنْ أنَسٍ، رَضِيَ الله عَنْهُ، قَالَ: سَمِعْتُ مِنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>