مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. والمكي بن إِبْرَاهِيم بن بشير الْحَنْظَلِي الْبَلْخِي، قَالَ البُخَارِيّ: مَاتَ سنة أَربع عشرَة وَمِائَتَيْنِ، وَقَالَ الْكرْمَانِي: مكي مَنْسُوب إِلَى مَكَّة، وَلَيْسَ كَذَلِك بل هُوَ علم لَهُ فَإِنَّهُ ظن أَنه نِسْبَة، وحَنْظَلَة بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة وَسُكُون النُّون وَفتح الظَّاء الْمُعْجَمَة وباللام ابْن أبي سُفْيَان، واسْمه الْأسود بن عبد الرَّحْمَن الجُمَحِي الْقرشِي الْمَكِّيّ، وَنَافِع مولى ابْن عمر.
قَوْله:(قَالَ أَصْحَابنَا عَن الْمَكِّيّ عَن ابْن عمر عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) ، كَذَا وَقع عِنْد جَمِيع الروَاة، قَالَ صَاحب (التَّوْضِيح) : معنى قَوْله: (قَالَ أَصْحَابنَا: عَن الْمَكِّيّ) عَن حَنْظَلَة عَن نَافِع أَنه رَوَاهُ عَنهُ عَن ابْن عمر مَوْقُوفا على نَافِع وَأَصْحَابه أَي: أَصْحَاب البُخَارِيّ، وصلوه عَنهُ عَن ابْن عمر مَرْفُوعا، وَقَالَ الْكرْمَانِي: قَالَ البُخَارِيّ: روى أَصْحَابنَا مُنْقَطِعًا قَالُوا: حَدثنَا الْمَكِّيّ عَن ابْن عمر، بطرح الرَّاوِي الَّذِي بَينهمَا. انْتهى. قلت: الَّذِي يَقْتَضِيهِ ظَاهر كَلَام البُخَارِيّ هُوَ مَا قَالَه الْكرْمَانِي، وَقَرِيب مِنْهُ مَا قَالَه صَاحب (التَّوْضِيح) : وَالْعجب من بَعضهم أَنه نقل كَلَام البُخَارِيّ، وَقَالَ: وَهُوَ ظَاهر مَا أوردهُ البُخَارِيّ، ثمَّ نقل عَن بعض من عاصره أَنه قَالَ: يحْتَمل أَنه رَوَاهُ مرّة عَن شَيْخه مكي عَن نَافِع مُرْسلا، وَمرَّة عَن أَصْحَابه عَن مكي مَوْصُولا عَن ابْن عمر، وَيحْتَمل أَن بَعضهم نسب الرَّاوِي عَن ابْن عمر إِلَى أَنه الْمَكِّيّ، ثمَّ قَالَ: هَذَا الثَّانِي هُوَ الَّذِي جزم بِهِ الْكرْمَانِي، وَهُوَ مَرْدُود. قلت: الَّذِي قَالَه هُوَ الْمَرْدُود عَلَيْهِ لِأَنَّهُ نسب الرجل إِلَى غير مَا قَالَه، يظْهر ذَلِك لمن يتأمله. قَوْله:(من الْفطْرَة) أَي: من السّنة (قصّ الشَّارِب) والقص من قصصت الشّعْر قطعته، وَمِنْه طير مقصوص الْجنَاح. وَفِي هَذَا الْبَاب خلاف.
فَقَالَ الطَّحَاوِيّ: ذهب قوم من أهل الْمَدِينَة إِلَى أَن قصّ الشَّارِب هُوَ الْمُخْتَار على الاخفاء. قلت: أَرَادَ بالقوم هَؤُلَاءِ سالما وَسَعِيد بن الْمسيب وَعُرْوَة بن الزبير وجعفر بن الزبير وَعبيد الله بن عبد الله بن عتبَة وَأَبا بكر بن عبد الرَّحْمَن بن الْحَارِث فَإِنَّهُم قَالُوا: الْمُسْتَحبّ هُوَ أَن يخْتَار قصّ الشَّارِب على إحفائه، وَإِلَيْهِ ذهب حميد بن هِلَال وَالْحسن الْبَصْرِيّ وَمُحَمّد بن سِيرِين وَعَطَاء بن أبي رَبَاح، وَهُوَ مَذْهَب مَالك أَيْضا، وَقَالَ عِيَاض: ذهب كثير من السّلف إِلَى منع الْحلق والاستئصال فِي الشَّارِب، وَهُوَ مَذْهَب مَالك أَيْضا، وَكَانَ يرى حلقه مثلَة وَيَأْمُر بأدب فَاعله، وَكَانَ يكره أَن يَأْخُذ من أَعْلَاهُ وَالْمُسْتَحب أَن يَأْخُذ مِنْهُ حَتَّى يَبْدُو الإطار، وَهُوَ طرف الشّفة. وَقَالَ الطَّحَاوِيّ. وَخَالفهُم فِي ذَلِك آخَرُونَ، فَقَالُوا: بل يسْتَحبّ إحفاء الشَّوَارِب ونراه أفضل من قصها. قلت: أَرَادَ بقوله: الْآخرُونَ، جُمْهُور السّلف مِنْهُم: أهل الْكُوفَة وَمَكْحُول وَمُحَمّد بن عجلَان وَنَافِع مولى ابْن عمر وَأَبُو حنيفَة وَأَبُو يُوسُف وَمُحَمّد رَحِمهم الله، فَإِنَّهُم قَالُوا: الْمُسْتَحبّ إحفاء الشَّارِب وَهُوَ أفضل من قصها، وَرُوِيَ ذَلِك عَن فعل ابْن عمر وَأبي سعيد الْخُدْرِيّ وَرَافِع بن خديج وَسَلَمَة بن الْأَكْوَع وَجَابِر بن عبد الله وَأبي أسيد وَعبد الله بن عمر، وَذكر ذَلِك كُله ابْن أبي شيبَة بِإِسْنَادِهِ إِلَيْهِم. فَإِن قلت: جَاءَ فِي الحَدِيث أَنه قَالَ فِي الْخَوَارِج: سِيمَاهُمْ التسبيد، وَهُوَ حلق الشَّارِب من أَصله. قلت: قَالَ ابْن الْأَثِير: مَعْنَاهُ الْحلق واستئصال الشّعْر، وَلم يُقيد بالشارب وَهُوَ أَعم مِنْهُ وَمن غَيره، وَقَالَ أَيْضا: قيل: التسبيد هُوَ ترك التدهن وَغسل الرَّأْس. قلت: يدل على صِحَّته حَدِيث آخر وَهُوَ قَوْله: سبماهم التحليق، والتسبيد بعطف التسبيد على التحليق وَهُوَ غَيره، ومادة التسبيد السِّين وَالدَّال المهملتان بَينهمَا الْبَاء الْمُوَحدَة.