على المظروف، بل من حَيْثُ كَونه دَالا عَلَيْهِ إِجْمَالا ومتقاضياً لَهُ بِوَجْه مَا، وَالْعجب من الْكرْمَانِي حَيْثُ نفى كَونه بدل الاشتمال لكَون الشَّرْط أَن يكون بَينهمَا مُلَابسَة بِغَيْر الْجُزْئِيَّة والكلية. وَهَهُنَا الشَّرْط مُنْتَفٍ. ثمَّ يَقُول: مَا قَوْلك فِيهِ؟ ثمَّ يُجيب بِأَنَّهُ بدل الاشتمال، وَهَهُنَا الملابسة مَوْجُودَة، وَمَعَ هَذَا قَوْله: لكَون الشَّرْط. إِلَى آخِره، لَيْسَ على الْإِطْلَاق لِأَنَّهُ يدْخل فِيهِ بعض الْغَلَط، نَحْو: جَاءَنِي زيد غُلَامه أَو حِمَاره، وَلَقِيت زيدا أَخَاهُ. وَلَا شكّ فِي كَونهَا بدل الْغَلَط. وَمن العجيب أَيْضا أَنه قَالَ: وَلَا يجوز أَن يكون بدل الْغَلَط لِأَنَّهُ لَا يَقع فِي فصيح الْكَلَام، ثمَّ قَالَ: أَو هُوَ بدل الْغَلَط وَقد يَقع فِي الْكَلَام الفصيح قَلِيلا، وَلَا مُنَافَاة بَين الْغَلَط والبلاغة. قلت: لَا يَقع بدل الْغَلَط الصّرْف وَلَا بدل النسْيَان فِي كَلَام الفصحاء، وَإِنَّمَا يَقع بدل البداء فِي كَلَام الشُّعَرَاء للْمُبَالَغَة والتفنن، وَبدل البداء أَن يذكر الْمُبدل مِنْهُ عَن قصد وتعمد ثمَّ يتدارك بِالثَّانِي، وَيدل الصّرْف وَهُوَ يدل على غلط صَرِيح فِيمَا إِذا أردْت أَن تَقول: جَاءَنِي حمَار فيسبقك لسَانك إِلَى رجل ثمَّ تداركت الْغَلَط فَقلت: حمَار، وَبدل النسْيَان أَن تتعمد ذكر مَا هُوَ غلط، وَلَا يسبقك لسَانك إِلَى ذكره، لَكِن تنسى الْمَقْصُود ثمَّ بعد ذَلِك تتداركه بِذكر الْمَقْصُود، فَمن هَذَا عرفت أَن أَنْوَاع بدل الْغَلَط ثَلَاثَة. فَإِن قلت: فِي رِوَايَة ابي الْوَقْت: (وَفِي شَأْنه) ، بِإِثْبَات الْوَاو، قلت: على هَذَا يكون عطف الْعَام على الْخَاص، وَهُوَ ظَاهر. فان قلت: هَل يجوز أَن تقدر: الْوَاو، وَفِي الرِّوَايَة الخالية عَن: الْوَاو؟ قلت: جوزه بعض النُّحَاة إِذا قَامَت قرينَة عَلَيْهِ. وَقَالَ بَعضهم نَاقِلا عَن الْكرْمَانِي من غير تَصْرِيح بِهِ، قَوْله: (فِي شَأْنه كُله) بِدُونِ: الْوَاو، مُتَعَلق: بيعجبه، لَا: بالتيمن، أَي يُعجبهُ فِي شَأْنه كُله التَّيَمُّن فِي تنعله ... إِلَى آخِره أَي: لَا يتْرك ذَلِك سفرا وَلَا حضرا، وَلَا فِي فراغة وَلَا شغله وَنَحْو ذَلِك. قلت: كَلَام النَّاقِل وَالْمَنْقُول مِنْهُ سَاقِط، لِأَنَّهُ يلْزم مِنْهُ أَن يكون إعجابه التَّيَمُّن فِي هَذِه الثَّلَاثَة مَخْصُوصَة فِي حالاته كلهَا، وَلَيْسَ كَذَلِك، بل كَانَ يُعجبهُ التَّيَمُّن فِي كل الْأَشْيَاء فِي جَمِيع الْحَالَات. أَلا ترى أَنه أكد الشَّأْن بمؤكد؟ والشأن بِمَعْنى الْحَال، وَالْمعْنَى فِي جَمِيع حالاته؟ ثمَّ قَالَ هَذَا النَّاقِل: وَقَالَ الطَّيِّبِيّ، فِي قَوْله: (فِي شَأْنه) بدل من قَوْله: (فِي تنعله) ، بِإِعَادَة الْعَامِل، وَكَأَنَّهُ ذكر التنعل لتَعَلُّقه بِالرجلِ، والترجل لتَعَلُّقه بِالرَّأْسِ، وَالطهُور لكَونه مِفْتَاح أَبْوَاب الْعِبَادَة، فَكَأَنَّهُ نبه على جَمِيع الْأَعْضَاء، فَيكون كبدل الْكل من الْكل. قلت: هَذَا لم يتَأَمَّل كَلَام الطَّيِّبِيّ، لِأَن كَلَامه لَيْسَ على رِوَايَة البُخَارِيّ وَإِنَّمَا هُوَ على رِوَايَة مُسلم، وَهِي: (كَانَ رَسُول الله، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، يحب التَّيَمُّن فِي شَأْنه كُله: فِي تنعله وَترَجله) . لِأَن صَاحب الْمشكاة نقل عبارَة مُسلم، وَقَالَ الطَّيِّبِيّ فِي شَرحه: بِهَذِهِ الْعبارَة أَقُول. قَوْله: (فِي طهوره وَترَجله وتنعله) بدل من قَوْله: (فِي شَأْنه) ، بِإِعَادَة الْعَامِل وَلَعَلَّه إِنَّمَا بَدَأَ فِيهَا بِذكر الطّهُور لِأَنَّهُ فتح لأبواب الطَّاعَات كلهَا، وثنى بِذكر التَّرَجُّل وَهُوَ يتَعَلَّق بِالرَّأْسِ، وَثلث بالتنعل وَهُوَ مُخْتَصّ بِالرجلِ ليشْمل جَمِيع الْأَعْضَاء، فَيكون كبدل الْكل من الْكل، وَالْعجب من هَذَا النَّاقِل أَنه لما نقل كَلَام الطَّيِّبِيّ على رِوَايَة مُسلم، ثمَّ قَالَ: وَوَقع فِي رِوَايَة مُسلم بِتَقْدِيم قَوْله: (فِي شَأْنه كُله) على قَوْله فِي: تنعله. إِلَى آخِره، قَالَ: فَيكون بدل الْبَعْض من الْكل، فَكَأَنَّهُ ظن أَن كَلَام الطَّيِّبِيّ من الرِّوَايَة الَّتِي فِيهَا ذكر الشان مُتَأَخِّرًا كَمَا هِيَ رِوَايَة البُخَارِيّ هُنَا، ثمَّ قَالَ: وَوَقع فِي رِوَايَة مُسلم بِتَقْدِيم قَوْله: (فِي شَأْنه) ، وَهَذَا كَمَا ترى فِيهِ خبط ظَاهر.
بَيَان الْمعَانِي قَوْله: (التَّيَمُّن) لفظ مُشْتَرك ترك بَين الِابْتِدَاء بِالْيَمِينِ، وَبَين تعَاطِي الشَّيْء بِالْيَمِينِ، وَبَين التَّبَرُّك وَبَين قصد الْيمن، وَلَكِن الْقَرِينَة دلّت على أَن المُرَاد الْمَعْنى الأول. قَوْله: (فِي تنعله) إِلَى آخِره زَاد أَبُو دَاوُد فِيهِ عَن مُسلم بن إِبْرَاهِيم عَن شُعْبَة: (وسواكه) ، وَفِي رِوَايَة لأبي دَاوُد: (كَانَ يحب التَّيَامُن مَا اسْتَطَاعَ فِي شَأْنه) ، وَفِي رِوَايَة للْبُخَارِيّ أَيْضا عَن شُعْبَة: (مَا اسْتَطَاعَ) ، فنبه على الْمُحَافظَة على ذَلِك مَا لم يمْنَع مَانع، وَفِي رِوَايَة ابْن حبَان: (كَانَ يحب التَّيَامُن فِي كل شَيْء حَتَّى فِي التَّرَجُّل والانتعال) . وَفِي رِوَايَة ابْن مَنْدَه: (كَانَ يحب التَّيَامُن فِي الْوضُوء والانتعال) . قَوْله: (كُله) تَأْكِيد لقَوْله: (فِي شَأْنه) ، فَإِن قلت: مَا وَجه التَّأْكِيد وَقد اسْتحبَّ التياسر فِي بعض الْأَفْعَال كدخول الْخَلَاء وَنَحْوه؟ قلت: هَذَا عَام مَخْصُوص بالأدلة الخارجية. قَالَ الْكرْمَانِي: وَمَا من عَام إِلَّا وَقد خص: إلَاّ {وَالله بِكُل شَيْء عليم} (الْبَقَرَة: ٢٨٢، النِّسَاء: ٢١٧٦، النُّور: ٣٥ و ٦٤ الحجرات: ١٦، التغابن: ١١) . قلت: إِن أَرَادَ بِهِ أَنه يقبل التَّخْصِيص أَو يحْتَملهُ فَمُسلم، وَإِن أَرَادَ بِالْإِطْلَاقِ فَفِيهِ نظر. وَقَالَ الشَّيْخ محيي الدّين: هَذِه قَاعِدَة مستمرة فِي الشَّرْع، وَهِي أَن مَا كَانَ من بَاب التكريم والتشريف: كلبس الثَّوْب والسراويل والخف وَدخُول الْمَسْجِد والسواك والاكتحال وتقليم الأظافر وقص الشَّارِب وترجيل الشّعْر ونتف
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute