آخر الْحُرُوف بعد الْألف بدل الْهمزَة، يُقَال: أوصيت لَهُ بِشَيْء، والإسم الْوِصَايَة بِالْكَسْرِ وَالْفَتْح، وأوصيته ووصيته بِمَعْنى والإسم الوصاءة وَفِي بعض النّسخ.
بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم:
كتاب الْبر والصلة بَاب الوصاءة بالجار
هَكَذَا وَقع فِي نُسْخَة صَاحب (التَّوْضِيح) ، وَلما فرغ من شرح حَدِيث جرير فِي آخر الْبَاب السَّابِق قَالَ: هَذَا آخر كتاب الْأَدَب، ثمَّ ذكر مَا قُلْنَا من الْبَسْمَلَة وَمَا بعْدهَا، وَرِوَايَة النَّسَفِيّ.
بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم: بَاب الوصاءة بالجار
وقَوْلِ الله تَعَالَى: { (٤) واعبدوا الله وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئا وبالوالدين إحساناً} إِلَى قَوْلِهِ: { (٤) مختالاً فخوراً} (النِّسَاء: ٣٦)
وَقَول الله بِالْجَرِّ عطفا على قَوْله: الوصاءة، بالجار وَالْمَقْصُود من إِيرَاد هَذِه الْآيَة: {والجارذي الْقُرْبَى وَالْجَار الْجنب} وَالْمَذْكُور من الْآيَة الْمَذْكُورَة على هَذَا الْوَجْه هُوَ رِوَايَة الْأَكْثَرين، وَفِي رِوَايَة أبي ذَر من قَوْله: {واعبدوا الله} إِلَى قَوْله: {إحساناً} ... الْآيَة، وَفِي رِوَايَة النَّسَفِيّ وَقَوله تَعَالَى: {وبالوالدين إحساناً} الْآيَة. قَوْله: {واعبدوا الله} أَي: وحدوه وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئا، ثمَّ أوصى بِالْإِحْسَانِ إِلَى الْوَالِدين ثمَّ عطف على الْإِحْسَان إِلَى الْوَالِدين الْإِحْسَان إِلَى الْقرَابَات من الرِّجَال وَالنِّسَاء، ثمَّ أوصى بالجار ذِي الْقُرْبَى، قَالَ عَليّ بن أبي طَلْحَة: عَن ابْن عَبَّاس: {الجارذي الْقُرْبَى} يَعْنِي: الَّذِي بَيْنك وَبَينه قرَابَة. وَالْجَار ذِي الْجنب الَّذِي لَيْسَ بَيْنك وَبَينه قرَابَة، وَكَذَا رُوِيَ عَن عِكْرِمَة وَمُجاهد وَالضَّحَّاك وَقَتَادَة وَمُقَاتِل وَابْن حبَان، وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق عَن نوف الْبكالِي {والجارذي الْقُرْبَى} يَعْنِي الْمَرْأَة، وَقَالَ مُجَاهِد {الْجَار الْجنب} يَعْنِي: الرفيق فِي السّفر. قَوْله والصاحب بالجنب، قَالَ الثَّوْريّ: عَن جَابر الْجعْفِيّ عَن الشّعبِيّ عَن عَليّ وَابْن مَسْعُود قَالَا: هِيَ الْمَرْأَة، رُوِيَ كَذَلِك عَن الْحسن وَإِبْرَاهِيم وَسَعِيد بن جُبَير فِي رِوَايَة، وَفِي رِوَايَة أُخْرَى: هُوَ الرفيق الصَّالح، وَقَالَ زيد بن أسلم: هُوَ جليسك فِي الْحَضَر ورفيقك فِي السّفر. قَوْله: {وَابْن السَّبِيل} هُوَ الضَّيْف، قَالَه ابْن عَبَّاس، وَقَالَ مُجَاهِد وَالْحسن وَالضَّحَّاك: هُوَ الَّذِي يمر عَلَيْك مجتازاً فِي السّفر. قَوْله: {وَمَا ملكت أَيْمَانكُم} يَعْنِي الأرقاء، لِأَن الرَّقِيق ضَعِيف الجنبة أَسِير فِي أَيدي النَّاس، قَوْله: {إِن الله لَا يحب من كَانَ مختالاً} أَي: متكبراً معجباً {فخوراً} على النَّاس يرى أَنه خير مِنْهُم، فَهُوَ فِي نَفسه كَبِير وَعند الله حقير وَعند النَّاس بغيض.
٦٠١٤ - حدَّثنا إسْماعِيلُ بنُ أبي أوَيْسِ قَالَ: حدّثني مالِكٌ عَنْ يَحْياى بنِ سَعِيدٍ قَالَ: أَخْبرنِي أبُو بَكْر بن مُحَمَّدٍ عَنْ عَمْرَةَ عَنْ عائِشَةَ رَضِي الله عَنْهَا، عَن النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ: مَا زَال جِبْرِيلُ يُوصِينِي بالجارِ حَتَّى ظَنَنْتُ أنَّهُ سَيُوَرِّثُهُ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَيحيى بن سعيد الْأنْصَارِيّ، وَأَبُو بكر بن مُحَمَّد بن عَمْرو بن حزم، وَعمرَة بنت عبد الرَّحْمَن أم أبي بكر.
والسند كُله مدنيون وَالثَّلَاثَة من التَّابِعين على نسق وَاحِد أَوَّلهمْ: يحيى وَهُوَ روى عَن عمْرَة كثيرا وَهَهُنَا أَدخل بَينه وَبَينهَا وَاسِطَة، وَرِوَايَته عَن أبي بكر الْمَذْكُور من الأقران.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي الْأَدَب عَن قُتَيْبَة عَن مَالك وَعَن غير قُتَيْبَة. وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِيهِ عَن مُسَدّد. وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي الْبر عَن قُتَيْبَة عَن لَيْث بِهِ. وَأخرجه ابْن مَاجَه فِي الْأَدَب عَن مُحَمَّد بن رمح بِهِ وَعَن أبي بكر بن أبي شيبَة بِهِ.
قَوْله: (سيورثه) أَي: سيجعله قَرِيبا وَارِثا، وَقيل: مَعْنَاهُ أَي يَأْمُرنِي عَن الله بتوريث الْجَار من جَاره، وَهَذَا خرج مخرج الْمُبَالغَة فِي شدَّة حفظ حق الْجَار، وإسم الْجَار يَشْمَل الْمُسلم وَالْكَافِر والعباد وَالْفَاسِق وَالصديق والعدو والغريب والبلدي والنافع والضار والقريب وَالْأَجْنَبِيّ وَالْأَقْرَب دَارا والأبعد. وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ: الْجَار يُطلق وَيُرَاد بِهِ الدَّاخِل فِي الْجوَار، وَيُطلق وَيُرَاد بِهِ المجاور فِي الدَّار وَهُوَ الْأَغْلَب وَهُوَ المُرَاد.
وَاخْتلف فِي حد الْجوَار، فَعَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ: من سمع النداء فَهُوَ جَاءَ، وَقيل: من صلى مَعَك صَلَاة الصُّبْح فِي الْمَسْجِد فَهُوَ جَار، وَعَن عَائِشَة: حق الْجوَار أَرْبَعُونَ دَارا من كل جَانب، وَعَن الْأَوْزَاعِيّ مثله، ثمَّ كَيْفيَّة حفظ حق الْجَار هِيَ: أَن يعاشر مَعَ كل وَاحِد من الَّذين ذَكَرْنَاهُمْ بِمَا يَلِيق بِحَالهِ من إِرَادَة الْخَيْر وَدفع الْمضرَّة والنصيحة وَنَحْو ذَلِك.