للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

بَيَان لطائف اسناده مِنْهَا: أَن فِيهِ القَوْل والتحديث والعنعنة. وَمِنْهَا: أَن رُوَاته مَا بَين بَصرِي وأيلي ومدني. وَمِنْهَا: أَن فِيهِ رِوَايَة تَابِعِيّ عَن تَابِعِيّ.

بَيَان من أخرجه غَيره أخرجه أَبُو دَاوُد: حَدثنَا أَحْمد بن صَالح، قَالَ: حَدثنَا عبد الله بن وهب، قَالَ: اخبرني يُونُس عَن ابْن شهَاب، قَالَ حَدثنِي حَمْزَة بن عبد الله بن عمر: (كنت أَبيت فِي الْمَسْجِد فِي عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَكنت شَابًّا فَتى عزباً، وَكَانَت الْكلاب تبول وَتقبل وتدبر فِي الْمَسْجِد وَلم يَكُونُوا يرشون شَيْئا من ذَلِك) . وَأخرجه الْإِسْمَاعِيلِيّ: حَدثنَا ابو يعلى حَدثنَا هَارُون بن مَعْرُوف حَدثنَا ابْن وهب اخبرني يُونُس عَن ابْن شهَاب حَدَّثَنى حَمْزَة بِلَفْظ: (كَانَت الْكلاب تبول وَتقبل وتدبر) . وَرَوَاهُ أَبُو نعيم عَن أبي إِسْحَاق بن مُحَمَّد حَدثنَا مُوسَى بن سعيد عَن أَحْمد بن شبيب، وَقَالَ: رَوَاهُ البُخَارِيّ بِلَا سَماع.

بَيَان الْمَعْنى وَالْإِعْرَاب قَوْله: (كَانَت الْكلاب تقبل وتدبر) وَفِي رِوَايَة أبي دَاوُد والإسماعيلي وَأبي نعيم وَالْبَيْهَقِيّ أَيْضا: (كَانَت الْكلاب تبول وَتقبل وتدبر) ، بِزِيَاد: تبول، قبل: (تقبل وتدبر) . وستقف على معنى هَذِه الزِّيَادَة. قَوْله: (تقبل) جملَة فِي مَحل النصب على الخبرية إِن جعلت: كَانَت، نَاقِصَة. وَإِن جعلت تَامَّة بِمَعْنى: وجدت، كَانَ مَحل الْجُمْلَة النصب على الْحَال. قَوْله: (فِي الْمَسْجِد) حَال أَيْضا، وَالتَّقْدِير: حَال كَون الإقبال والإدبار فِي الْمَسْجِد، وَالْألف وَاللَّام فِيهِ للْعهد. اي: فِي مَسْجِد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. قَوْله: (فَلم يَكُونُوا يرشون) من: رش المَاء، وَحكى ابْن التِّين عَن الدَّاودِيّ أَنه أبدل قَوْله: (يرشون) بِلَفْظ: (يرتقبون) ، بِإِسْكَان الرَّاء وَفتح التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق وَكسر الْقَاف بعْدهَا بَاء مُوَحدَة، وَفسّر مَعْنَاهُ بقوله: (وَلَا يَخْشونَ) فصحف اللَّفْظ وَأبْعد فِي التَّفْسِير لِأَن معنى: الارتقاب: الِانْتِظَار. وَأما نفي الْخَوْف من نفي الارتقاب فَهُوَ تَفْسِير بِبَعْض لوازمه. قَوْله: (من ذَلِك) أَي من الْمَسْجِد، وَهُوَ إِشَارَة إِلَى الْبعيد فِي الْمرتبَة، أَي: ذَلِك الْمَسْجِد الْعَظِيم الْبعيد دَرَجَته عَن فهم النَّاس.

بَيَان استنباط الْأَحْكَام الأول: احْتج بِهِ البُخَارِيّ على طَهَارَة بَوْل الْكَلْب، كَمَا ذكرنَا عَن قريب، فَإِن هَذَا التَّرْكِيب يشْعر باستمرار الإقبال والإدبار، وَلَفظ: فِي زمَان رَسُول الله، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، دَال على عُمُوم جَمِيع الْأَزْمِنَة، إِذْ اسْم الْجِنْس الْمُضَاف من الْأَلْفَاظ الْعَامَّة. وَفِي: (فَلم يَكُونُوا يرشون) مُبَالغَة، لَيْسَ فِي قَوْلك: فَلم يرشوا بِهِ، بِدُونِ لفظ: الْكَوْن، كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {وَمَا كَانَ الله ليعذبهم} (الْأَنْفَال: ٣٣) حَيْثُ لم يقل: وَمَا يعذبهم الله، وَكَذَا فِي لفظ الرش حَيْثُ اخْتَارَهُ على لفظ الْغسْل، لِأَن الرش لَيْسَ فِيهِ جَرَيَان المَاء، بِخِلَاف الْغسْل فَإِنَّهُ يشْتَرط فِيهِ الجريان، فنفي الرش يكون أبلغ من نفي الْغسْل، وَلَفظ: شَيْئا، أَيْضا عَام لِأَنَّهُ نكرَة وَقعت فِي سِيَاق النَّفْي، وَهَذَا كُله للْمُبَالَغَة فِي طَهَارَة سؤره، إِذْ فِي مثل هَذِه الصُّورَة الْغَالِب أَن لعابه يصل إِلَى بعض أَجزَاء الْمَسْجِد، فَإِذا قرر الرَّسُول، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، ذَلِك وَلم يَأْمُرهُ بِغسْلِهِ قطّ علم أَنه طَاهِر، وَهَذَا كُله من ناصري البُخَارِيّ: وَالْجَوَاب أَن نقُول: لَا دلَالَة على ذَلِك، وَالَّذِي ذَكرُوهُ إِنَّمَا كَانَ لِأَن طَهَارَة الْمَسْجِد متيقنة غير مَشْكُوك فِيهَا، وَالْيَقِين لَا يرفع بِالظَّنِّ، فضلا عَن الشَّك. وعَلى تَقْدِير دلَالَته فدلالته لَا تعَارض مَنْطُوق الحَدِيث النَّاطِق صَرِيحًا بِإِيجَاب الْغسْل حَيْثُ قَالَ: (فليغسله سبعا) . وَأما على رِوَايَة من رُوِيَ: (كَانَت الْكلاب تبول وَتقبل وتدبر) ، فَلَا حجَّة فِيهِ لمن اسْتدلَّ بِهِ على طَهَارَة الْكلاب للاتفاق على نَجَاسَة بولها، وَتَقْرِير هَذَا أَن إقبالها وإدبارها فِي الْمَسْجِد ثمَّ لَا يرش، فَالَّذِي فِي رِوَايَته: تبول، يذهب إِلَى طَهَارَة بولها وَكَانَ الْمَسْجِد لم يكن يغلق وَكَانَت تَتَرَدَّد، وعساها كَانَت تبول إِلَّا أَن علم بولها فِيهِ لم يكن عِنْد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلَا عِنْد اصحابه وَلَا عِنْد الرَّاوِي أَي مَوضِع هُوَ، وَلَو كَانَ علم لأمر بِمَا أَمر فِي بَوْل الْأَعرَابِي، فَدلَّ ذَلِك أَن بَوْل مَا سواهُ فِي حكم النَّجَاسَة سَوَاء. وَقَالَ الْخطابِيّ: يتَأَوَّل على أَنَّهَا كَانَت لَا تبول فِي الْمَسْجِد بل فِي مواطنها وَتقبل وتدبر فِي الْمَسْجِد عابرة، إِذْ لَا يجوز أَن تتْرك الْكلاب تبات فِي الْمَسْجِد حَتَّى تمتهنه وتبول فِيهِ، وَإِنَّمَا كَانَ إقبالها وإدبارها فِي أَوْقَات نادرة، وَلم يكن على الْمَسْجِد أَبْوَاب تمنع من عبورها فِيهِ. قلت: إِنَّمَا تَأَول الْخطابِيّ بِهَذَا التَّأْوِيل حَتَّى لَا يكون الحَدِيث حجَّة للحنفية فِي قَوْلهم، لِأَن أَصْحَابنَا استدلوا بِهِ على أَن الأَرْض إِذا أصابتها نَجَاسَة فجفت بالشمس أَو بالهواء فَذهب أَثَرهَا تطهر فِي حق الصَّلَاة، خلافًا للشَّافِعِيّ وَاحْمَدْ وزفرٍ، وَالدَّلِيل على ذَلِك أَن أَبَا دَاوُد وضع لهَذَا الحَدِيث بَاب طهُور الأَرْض إِذا يَبِسَتْ، وَأَيْضًا قَوْله: فَلم يَكُونُوا يرشون شَيْئا، إِذْ عدم الرش يدل على جفاف الأَرْض وطهارتها، وَمن أكبر مَوَانِع تَأْوِيله أَن قَوْله: (فِي الْمَسْجِد) لَيْسَ ظرفا لقَوْله: (وَتقبل وتدبر) وَحده، وَإِنَّمَا هُوَ ظرف لقَوْله: تبول. وَمَا بعده كلهَا، فَافْهَم.

<<  <  ج: ص:  >  >>