(السَّلَام عَلَيْكُم) هَكَذَا كَانَ ابْن عمر يَقُول فِي سَلَامه وَفِي رده، وَقَالَ ابْن عَبَّاس: السَّلَام يَنْتَهِي إِلَى الْبركَة وَلَا يَنْبَغِي أَن يَقُول فِي السَّلَام: سَلام الله عَلَيْك، وَلَكِن: عَلَيْك السَّلَام، أَو: السَّلَام عَلَيْكُم، وَأَقل السَّلَام: السَّلَام عَلَيْكُم، فَإِن كَانَ وَاحِدًا خَاطب وَالْأَفْضَل الْجمع لتنَاوله مَلَائكَته، وأكمل مِنْهُ زِيَادَة، وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته، اقْتِدَاء بقوله عز وَجل: { (١١) رَحْمَة الله وَبَرَكَاته عَلَيْكُم أهل الْبَيْت} (هود: ١١) وَيكرهُ أَن يَقُول الْمُبْتَدِي: عَلَيْكُم السَّلَام، فَإِن قَالَهَا اسْتحق الْجَواب على الصَّحِيح من أَقْوَال الْعلمَاء، وَقيل: لَا يسْتَحق. روى التِّرْمِذِيّ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لأبي جري الهجمي: لَا تقل عَلَيْك السَّلَام، فَإِن: عَلَيْك السَّلَام، تَحِيَّة الْمَوْتَى، وَقَالَ: حَدِيث صَحِيح، وَالْأَفْضَل الْأَكْمَل فِي الرَّد أَن يَقُول: وَعَلَيْكُم السَّلَام وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته، وَيَأْتِي بِالْوَاو، وَقَالَ النَّوَوِيّ: فَلَو حذفهَا جَازَ وَكَانَ تَارِكًا للأفضل، وَلَو اقْتصر على: وَعَلَيْكُم السَّلَام، أَجزَأَهُ، وَلَو اقْتصر على: وَعَلَيْكُم، لم يجزه. وَلَو قَالَ: وَعَلَيْكُم، بِالْوَاو. قَالَ النَّوَوِيّ: فَفِي إجزائه وَجْهَان لِأَصْحَابِنَا، وَأَقل السَّلَام ابْتِدَاء وردا أَن يسمع بِصَاحِبِهِ، وَلَا يُجزئهُ دون ذَلِك، وَيشْتَرط كَون الرَّد على الْفَوْر فَإِن أَخّرهُ ثمَّ رد لم يعد جَوَابا وَكَانَ آثِما بِتَرْكِهِ، وَلَو أَتَاهُ سَلام من غَائِب مَعَ رَسُول أَو فِي ورقة وَجب الرَّد على الْفَوْر، وَيسْتَحب أَن يرد على الْمبلغ أَيْضا فَيَقُول: وَعَلَيْك وَعَلِيهِ السَّلَام، وَلَو كَانَ السَّلَام على أَصمّ فَيَنْبَغِي الْإِشَارَة مَعَ التَّلَفُّظ ليحصل الإفهام، وإلَاّ فَلَا يسْتَحق جَوَابا، وَكَذَا إِذا سلم عَلَيْهِ الْأَصَم وَأَرَادَ الرَّد عَلَيْهِ فيتلفظ بِاللِّسَانِ، وَيُشِير بِالْجَوَابِ. وَلَو سلم على الْأَخْرَس فَأَشَارَ الْأَخْرَس بِالْيَدِ سقط عَنهُ الْفَرْض، وَكَذَا لَو سلم عَلَيْهِ أخرس بِالْإِشَارَةِ اسْتحق الْجَواب. قَوْله: (فَقَالُوا: السَّلَام عَلَيْك وَرَحْمَة الله) كَذَا هُوَ فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: فَقَالُوا: وَعَلَيْك السَّلَام وَرَحْمَة الله. قَوْله: (فَكل من يدْخل الْجنَّة) مُبْتَدأ. وَقَوله: (على صُورَة آدم) خَبره، وَفِي رِوَايَة أبي ذَر: فَكل من يدْخل، يَعْنِي: الْجنَّة، وَكَانَ لفظ: الْجنَّة سقط من رِوَايَته فَزَاد فِيهِ، يَعْنِي: الْجنَّة. قَوْله: (ينقص) أَي: طوله.
وَفِيه: الْإِشْعَار بِجَوَاز فنَاء الْعَالم كُله كَمَا جَازَ فنَاء بعضه، وَقَالَ الْمُهلب: فِيهِ أَن الْمَلَائِكَة يَتَكَلَّمُونَ بِالْعَرَبِيَّةِ ويتحيون بِتَحِيَّة الْإِسْلَام. وَفِيه: الْأَمر بتَعَلُّم الْعلم من أَهله.
٢ - ياأَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُواْ لَا تَدْخُلُواْ بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُواْ وَتُسَلِّمُواْ عَلَى أَهْلِهَا ذاَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ فَإِن لَّمْ تَجِدُواْ فِيهَآ أَحَداً فَلَا تَدْخُلُوهَا حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمُ وَإِن قِيلَ لَكُمْ ارْجِعُواْ فَارْجِعُواْ هُوَ أَزْكَى لَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ لَّيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَدْخُلُواْ بُيُوتاً غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيهَا مَتَاعٌ لَّكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ} (النُّور: ٢٧ ٢٩)
هَذِه ثَلَاث آيَات سَاقهَا الْأصيلِيّ وكريمة فِي روايتهما، وَفِي رِوَايَة أبي ذَر قَوْله: {لَا تدْخلُوا بُيُوتًا غير بُيُوتكُمْ} إِلَى قَوْله: {وَمَا تكتمون} وَسبب نزُول قَوْله تَعَالَى: {اأيها الَّذين آمنُوا} ... الْآيَة. مَا ذكره عدي بن ثَابت، قَالَ: جَاءَت امْرَأَة من الْأَنْصَار فَقَالَت: يَا رَسُول الله {إِنِّي أكون فِي بَيْتِي على حَال لَا أحب أَن يراني عَلَيْهَا أحد والدولا ولد فَيدْخل عَليّ، وَإنَّهُ لَا يزَال يدْخل عَليّ رجل من أَهلِي وَأَنا على تِلْكَ الْحَالة، فَكيف أصنع؟ فَنزلت هَذِه الْآيَة. قَوْله: (حَتَّى تستأنسوا) قَالَ الثَّعْلَبِيّ: أَي: تستأذنوا. قَالَ ابْن عَبَّاس: إِنَّمَا هُوَ تستأذنوا، وَلَكِن أَخطَأ الْكَاتِب، وَكَانَ أبي وَابْن عَبَّاس وَالْأَعْمَش يقرؤونها كَذَلِك: حَتَّى تستأذنوا، وَفِي الْآيَة تَقْدِيم وَتَأْخِير تَقْدِيره: حَتَّى تسلموا على أَهلهَا وتستأنسوا، وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ: يحْتَمل أَن يكون ذَلِك فِي الْقِرَاءَة الأولى ثمَّ نسخت تِلَاوَته معنى، وَلم يطلع عَلَيْهِ ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا. وَالْمرَاد بالاستئناس الاسْتِئْذَان بتنحنح وَنَحْوه عِنْد الْجُمْهُور. وَأخرج الطَّبَرِيّ عَن مُجَاهِد: حَتَّى تستأنسوا: تتنحنحوا أَو تنخموا، وَأخرج ابْن أبي حَاتِم بِسَنَد ضَعِيف من حَدِيث أبي أَيُّوب قَالَ: قلت: يَا رَسُول الله} هَذَا السَّلَام فَمَا الِاسْتِئْنَاس؟ قَالَ: يتَكَلَّم الرجل بتسبيحة وَتَكْبِيرَة وَيَتَنَحْنَح فَيُؤذن أهل الْبَيْت. وَأخرج الطَّبَرِيّ من طَرِيق قَتَادَة. الاسْتِئْذَان ثَلَاثًا، فَالْأولى ليسمع، وَالثَّانيَِة لِيَتَأَهَّبُوا لَهُ، وَالثَّالِثَة أَن شاؤوا أذنوا وَإِن شاؤوا أَرَادوا. والاستئناس فِي اللُّغَة طَالب الإيناس وَهُوَ من الْأنس بِالضَّمِّ ضد الوحشة، وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ: معنى: تستأنسوا، تستبصروا ليَكُون الدَّاخِل على بَصِيرَة فَلَا يُصَادف مَا لَا يكره صَاحب الْمنزل أَن يطلعوا عَلَيْهِ. وَأخرج من طَرِيق الْبَراء، قَالَ: الِاسْتِئْنَاس فِي كَلَام الْعَرَب
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute