للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

التَّفْسِير على حَدِيث أبي دَاوُد الْمَرْفُوع، فَلَا يساعده ذَلِك، لِأَن لفظ حَدِيث أبي دَاوُد عَن أبي هُرَيْرَة أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (إِذا كَانَ أحدكُم فِي الصَّلَاة فَوجدَ حَرَكَة فِي دبره أحدث أَو لم يحدث فأشكل عَلَيْهِ، فَلَا ينْصَرف حَتَّى يسمع صَوتا أَو يجد ريحًا) . فالحدث هُنَا خَاص وَهُوَ: سَماع الصَّوْت أَو وجدان الرّيح. وَأثر أبي هُرَيْرَة عَام فِي سَائِر الْأَحْدَاث، لِأَن قَوْله: من حدث، لفظ عَام لَا يخْتَص بِحَدَث دون حدث.

ويُذْكَرُ عَنْ جابِرٍ أنّ النَّبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كانَ فِي غَزْوَةِ ذَاتِ الرِّقاعِ فَرُمِيَ رَجُلٌ بِسَهْمٍ فَنَزَفَهُ الدَّمُ فَرَكَعَ وسَجَدَ ومَضَى فِي صَلَاتِهِ

الْكَلَام فِيهِ على أَنْوَاع.

الأول: أَن هَذَا الحَدِيث وَصله ابْن إِسْحَاق فِي الْمَغَازِي، قَالَ: حَدثنِي صَدَقَة بن يسَار عَن عقيل ابْن جَابر عَن ابيه قَالَ: (خرجنَا مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) . يَعْنِي فِي غَزْوَة ذَات الرّقاع فَأصَاب رجلٌ أمْرَأَة رجلٍ من الْمُشْركين، فَحلف أَن لَا أَنْتَهِي حَتَّى أهريق دَمًا فِي أَصْحَاب مُحَمَّد، فَخرج يتبع أثر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَنزل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم منزلا فَقَالَ: من رجل يكلؤنا؟ فَانْتدبَ رجل من الْمُهَاجِرين وَرجل من الْأَنْصَار، قَالَ: كونا بِفَم الشّعب. قَالَ: فَلَمَّا خرج الرّجلَانِ إِلَى فَم الشّعب اضْطجع الْمُهَاجِرِي وَقَامَ الْأنْصَارِيّ يُصَلِّي، وأتى الرجل، فَلَمَّا رأى شخصه عرف أَنه ربيئة للْقَوْم، فَرَمَاهُ بِسَهْم فَوَضعه فِيهِ، ونزعه حَتَّى مضى ثَلَاثَة أسْهم، ثمَّ ركع وَسجد، ثمَّ انتبه صَاحبه، فَلَمَّا عرف أَنه قد نذروا بِهِ هرب، وَلما رأى الْمُهَاجِرِي مَا بِالْأَنْصَارِيِّ من الدِّمَاء قَالَ: سُبْحَانَ الله أَلا أنبهتني أول مَا رمى؟ قَالَ: كنت فِي سُورَة أقرؤها فَلم أحب أَن اقطعها.

الثَّانِي: أَن هَذَا الحَدِيث صَحِيح. أخرجه ابْن حبَان فِي (صَحِيحه) وَالْحَاكِم فِي (مُسْتَدْركه) وَصَححهُ ابْن خُزَيْمَة فِي (صَحِيحه) وَأحمد فِي (مُسْنده) وَالدَّارَقُطْنِيّ فِي (سنَنه) كلهم من طَرِيق إِسْحَاق. فَإِن قلت: إِذا كَانَ كَذَلِك فَلِمَ لم يجْزم بِهِ البُخَارِيّ؟ قلت: قَالَ الْكرْمَانِي: ذكره بِصِيغَة التمريض لِأَنَّهُ غير مجزوم بِهِ، بِخِلَاف قَوْله: قَالَ جَابر فِي الحَدِيث الَّذِي مضى هُنَا، لِأَن: قَالَ، وَنَحْوه تَعْلِيق بِصِيغَة التَّصْحِيح مَجْزُومًا بِهِ. قلت: فِيهِ نظر، لِأَن الحَدِيث الَّذِي قَالَ فِيهِ: قَالَ جَابر، لَا يُقَاوم الحَدِيث على مَا وقفت عَلَيْهِ، وَكَانَ على قَوْله يَنْبَغِي ان يكون الْأَمر بِالْعَكْسِ. وَقَالَ بَعضهم: لم يجْزم بِهِ لكَونه مُخْتَصرا. قلت: هَذَا أبعد من تَعْلِيل الْكرْمَانِي، فَإِن كَون الحَدِيث مُخْتَصرا لَا يسْتَلْزم أَن يذكر بِصِيغَة التمريض،، وَالصَّوَاب فِيهِ أَن يُقَال: لأجل الِاخْتِلَاف فِي ابْن إِسْحَاق.

الثَّالِث فِي رِجَاله، وهم: صَدَقَة بن يسَار الْجَزرِي، سكن مَكَّة، قَالَ ابْن معِين: ثِقَة. وَقَالَ ابو حَاتِم: صَالح، روى لَهُ مُسلم وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه أَيْضا. وَعقيل، بِفَتْح الْعين: ابْن جَابر الْأنْصَارِيّ الصَّحَابِيّ، وَلم يعرف لَهُ راوٍ غير صَدَقَة وَجَابِر بن عبد الله بن عمر والأنصاري.

الرَّابِع: فِي لغاته وَمَعْنَاهُ قَوْله: (فِي غَزْوَة ذَات الرّقاع) سميت بإسم شَجَرَة هُنَاكَ، وَقيل: باسم جبل هُنَاكَ فِيهِ بَيَاض وَسَوَاد وَحُمرَة، يُقَال لَهُ: الرّقاع، فسميت بِهِ. وَقيل: سميت بِهِ لرقاع كَانَت فِي أَلْوِيَتهم. وَقيل: سميت بذلك لِأَن أَقْدَامهم نقبت فلفوا عَلَيْهَا الْخرق، وَهَذَا هُوَ الصَّحِيح، لِأَن أَبَا مُوسَى حَاضر ذَلِك مُشَاهدَة وَقد أخبر بِهِ، وَكَانَت غَزْوَة ذَات الرّقاع فِي سنة أَربع من الْهِجْرَة. وَذكر البُخَارِيّ أَنَّهَا كَانَت بعد خَيْبَر، لِأَن أَبَا مُوسَى جَاءَ بعد خَيْبَر. قَوْله: (حَتَّى أهريق) أَي: أريق، وَالْهَاء فِيهِ زَائِدَة. قَوْله: (أثر النَّبِي، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام) ، بِفَتْح الْهمزَة والثاء الْمُثَلَّثَة، وَيجوز بِكَسْرِهَا وَسُكُون الثَّاء. قَوْله: (من رجل) ، كلمة: من، استفهامية أَي: أَي رجل يكلؤنا؟ اي: يحرسنا؟ من كلأ يكلأ كلاءة، من بَاب: فتح يفتح. كلأته أكلؤه فَأَنا كالىء، وَهُوَ مكلوء. وَقد تخفف همزَة الكلاءة وتقلب يَاء فَيُقَال: كلاية. قَوْله: (فَانْتدبَ) ، يُقَال نَدبه لِلْأَمْرِ فَانْتدبَ لَهُ اي: دَعَا لَهُ فَأجَاب، وَالرجلَانِ هما: عمار بن يَاسر وَعباد بن بشر. وَيُقَال الْأنْصَارِيّ، وَهُوَ عمَارَة بن حزم، وَالْمَشْهُور الأول. قَوْله: (الشّعب) ، بِكَسْر الشين: الطَّرِيق فِي الْجَبَل، وَجمعه شعاب. قَوْله: (وَقَامَ الْأنْصَارِيّ) ، وَهُوَ عباد بن بشر. قَوْله: (ربيئة) ، بِفَتْح الرَّاء وَكسر الْبَاء الْمُوَحدَة: هُوَ الْعين والطليعة الَّذِي ينظر للْقَوْم لِئَلَّا يدهمهم عَدو، وَلَا يكون إلَاّ على جبل أَو شرف ينظر مِنْهُ، من: ربأ يربأ من بَاب: فتح يفتح. قَوْله: (فَرَمَاهُ) ، الضَّمِير الْمَرْفُوع يرجع إِلَى الْمُشرك، والمنصوب إِلَى الْأنْصَارِيّ. قَوْله: (حَتَّى مضى ثَلَاثَة أسْهم) اي: حَتَّى كمل ثَلَاثَة أسْهم. قَوْله: (قد نذروا بِهِ) ، بِفَتْح النُّون وَكسر الذَّال الْمُعْجَمَة: أَي علمُوا وأحسوا بمكانه. قَوْله: (أَلا انبهتني) كلمة: ألَاّ، بِفَتْح الْهمزَة وَالتَّخْفِيف بِمَعْنى الْإِنْكَار، فَكَأَنَّهُ أنكر عَلَيْهِ عدم إنباهه، وَيجوز بِالْفَتْح وَالتَّشْدِيد، وَيكون بِمَعْنى: هلا، بِمَعْنى اللوم والعتب على ترك الإنباه. قَوْله: (كنت فِي سُورَة أقرؤها) ، وَكَانَت سُورَة الْكَهْف، حَكَاهُ الْبَيْهَقِيّ. قَوْله: (فنزفه الدَّم) ،

<<  <  ج: ص:  >  >>