للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

أَي: هَذَا كتاب فِي بَيَان الدَّعْوَات، وَهُوَ جمع دَعْوَة بِفَتْح الدَّال وَهُوَ مصدر يُرَاد بِهِ الدُّعَاء، يُقَال: دَعَوْت الله أَي: سَأَلته، وَالدُّعَاء وَاحِد الْأَدْعِيَة واصله دَعَا وَلِأَنَّهُ من دَعَوْت إلَاّ أَن الْوَاو لما جَاءَت بعد الْألف همزت، وَالدُّعَاء إِلَى الشَّيْء الْحَث على فعله، ودعوت فلَانا سَأَلته، ودعوته استعنته، وَيُطلق أَيْضا على رفْعَة الْقدر كَقَوْلِه تَعَالَى: {لَيْسَ لَهُ دَعْوَة فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة فِي الْآخِرَة} (غَافِر: ٤٣) وَيُطلق أَيْضا على الْعِبَادَة، وَالدَّعْوَى بِالْقصرِ الدُّعَاء كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {وَآخر دَعوَاهُم} (يُونُس: ١٠) والإدعاء كَقَوْلِه تَعَالَى: {فَمَا كَانَ دَعوَاهُم إِذْ جَاءَهُم بأسنا} (الْأَعْرَاف: ٥) وَيُطلق الدُّعَاء أَيْضا على التَّسْمِيَة كَقَوْلِه عز وَجل: {لَا تجْعَلُوا دُعَاء ... . بَعْضكُم بَعْضًا} (النُّور: ٦٣) وَقَالَ الرَّاغِب: الدُّعَاء والنداء وَاحِد، لَكِن قد يتجرد النداء عَن الإسم، وَالدُّعَاء لَا يكَاد يتجرد.

وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {ادْعُونِي أَسْتَجِب لكم ... جَهَنَّم داخرين} (غَافِر: ٦٠)

وَلكُل نَبِي دعوةٌ مستجابةٌ

وَقَوله بِالْجَرِّ عطف على الدَّعْوَات وَفِي بعض النّسخ قَول الله تَعَالَى: {ادْعُونِي أَسْتَجِب لكم} بِرَفْع قَول الله، وَفِي بَعْضهَا: وَقَول الله عز وَجل: {ادْعُونِي} وَفِي رِوَايَة أبي ذَر: وَقَول الله تَعَالَى: {ادْعُونِي أَسْتَجِب لكم} . الْآيَة، وَفِي رِوَايَة غَيره سَاق الْآيَة إِلَى {داخرين} وَأول الْآيَة قَوْله تَعَالَى: {وَقَالَ ربكُم ادْعُونِي} . الْآيَة. قَوْله: {ادْعُونِي} أَي: وحدوني واعبدوني دون غَيْرِي أجبكم وأغفر لكم وأثبكم، قَالَه أَكثر الْمُفَسّرين: دَلِيله سِيَاق الْآيَة، وَيُقَال: هُوَ الدُّعَاء وَالذكر وَالسُّؤَال. قَوْله: (عَن عبادتي) أَي: توحيدي وطاعتي، وَقَالَ السّديّ: أَي عَن دعائي. قَوْله: {داخرين} أَي: صاغرين أذلاء. وَظَاهر هَذِه الْآيَة يرجح الدُّعَاء على تَفْوِيض الْأَمر إِلَى الله تَعَالَى، وَقَالَت طَائِفَة: الْأَفْضَل ترك الدُّعَاء والاستسلام للْقَضَاء، وَأَجَابُوا عَن الْآيَة: بِأَن آخرهَا دلّ على أَن المُرَاد بِالدُّعَاءِ الْعِبَادَة لقَوْله: {إِن الَّذين يَسْتَكْبِرُونَ عَن عبادتي} وَاسْتَدَلُّوا بِحَدِيث نعْمَان بن بشير عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ: الدُّعَاء هُوَ الْعِبَادَة، ثمَّ قَرَأَ: {وَقَالَ ربكُم ادْعُونِي أَسْتَجِب لكم إِن الَّذين يَسْتَكْبِرُونَ عَن عبادتي} . . الْآيَة. أخرجه الْأَرْبَعَة وَصَححهُ التِّرْمِذِيّ وَالْحَاكِم، وشذت طَائِفَة فَقَالُوا: المُرَاد بِالدُّعَاءِ فِي الْآيَة ترك الذُّنُوب، وَأجَاب الْجُمْهُور بِأَن الدُّعَاء من أعظم الْعِبَادَة فَهُوَ كالحديث الآخر: الْحَج عَرَفَة، أَي: مُعظم الْحَج وركنه الْأَكْبَر، وَيُؤَيِّدهُ مَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ من حَدِيث أنس رَفعه: الدُّعَاء مخ الْعِبَادَة، وَقد تَوَاتَرَتْ الْآثَار عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بالترغيب فِي الدُّعَاء وَالْحق عَلَيْهِ لحَدِيث أبي هُرَيْرَة رَفعه: لَيْسَ شَيْء أكْرم على الله من الدُّعَاء، أخرجه التِّرْمِذِيّ وَابْن مَاجَه وَصَححهُ ابْن حبَان وَالْحَاكِم، وَحَدِيثه رَفعه: من لم يسْأَل الله يغْضب عَلَيْهِ، أخرجه أَحْمد وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن مَاجَه، وَقَالَ الطَّيِّبِيّ شيخ شيخ أبي الرّوح السرماري: إِن من لم يسْأَل الله يبغضه، والمبغوض مغضوب عَلَيْهِ، وَالله يحب أَن يسْأَل. وَأخرج التِّرْمِذِيّ من حَدِيث ابْن مَسْعُود رَفعه: سلوا الله من فَضله فَإِن الله يحب أَن يسْأَل، وروى الطَّبَرَانِيّ من حَدِيث عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا إِن الله يحب الملحين فِي الدُّعَاء.

قَوْله: (وَلكُل نَبِي دَعْوَة مستجابة) وَفِي رِوَايَة أبي ذَر: بَاب، بِالتَّنْوِينِ، وَلكُل نَبِي دَعْوَة مستجابة، وَلَيْسَ فِي غير رِوَايَة أبي ذَر لفظ: بَاب، فعلى رِوَايَة أبي ذَر هَذِه اللَّفْظَة تَرْجَمَة مُسْتَقلَّة، وعَلى رِوَايَة غَيره من جملَة التَّرْجَمَة الْمَاضِيَة.

٦٣٠٤ - حدَّثنا إسْماعِيلُ قَالَ: حَدثنِي مالِكٌ عَنْ أبي الزِّنادِ عَنِ الأعْرَجِ عَنْ أبي هُرَيْرَةَ رَضِي الله عَنهُ أنَّ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: لِكُلِّ نَبِيّ دَعْوَةٌ يَدْعُو بِها، وأُرِيدُ أنْ أخْتَبىءَ دَعْوَتِي شَفاعَةً لأُمَّتِي فِي الآخِرَةِ. (انْظُر الحَدِيث ٦٣٠٤ طرفه فِي: ٧٤٧٤) .

<<  <  ج: ص:  >  >>