للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

بَيَان الْمَعْنى وَالْإِعْرَاب قَوْله: (أرسل إِلَى رجل من الْأَنْصَار) وَلمُسلم وَغَيره: مر على رجل، فَيحمل على أَنه مر بِهِ فَأرْسل إِلَيْهِ وسمى مُسلم هَذَا الرجل فِي رِوَايَته من طَرِيق أُخْرَى عَن ابي سعيد عتْبَان، بِكَسْر الْعين الْمُهْملَة، وَسُكُون التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق بعْدهَا بَاء مُوَحدَة، وَلَفظه: من رِوَايَة شريك بن أبي نمر عَن عبد الرَّحْمَن بن أبي سعيد عَن أَبِيه، قَالَ: (خرجت مَعَ النَّبِي، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، إِلَى قبا، حَتَّى إِذا كُنَّا فِي بني سَالم وقف رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على بَاب عتْبَان فَخرج يجر إزَاره فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أعجلنا الرجل) . فَذكر الحَدِيث بِمَعْنَاهُ، وعتبان الْمَذْكُور هُوَ ابْن مَالك الْأنْصَارِيّ الخزرجي السالمي البدري، وَإِن لم يذكرهُ ابْن إِسْحَاق فيهم، وَكَذَا نسبه تَقِيّ بن مخلد فِي رِوَايَته لهَذَا الحَدِيث من هَذَا الْوَجْه، وَوَقع فِي رِوَايَة فِي (صَحِيح ابي عوَانَة) أَنه ابْن عتبَة. وَالْأول أصح، وَرَوَاهُ ابْن إِسْحَاق فِي (الْمَغَازِي) عَن سعيد بن عبد الرَّحْمَن بن أبي سعيد عَن أَبِيه عَن جده، لكنه قَالَ: فَهَتَفَ بِرَجُل من أَصْحَابه يُقَال لَهُ: صَالح، فَإِن حمل على تعدد الْوَقْعَة وإلَاّ فطريق مُسلم أصح، وَقد وَقعت الْقِصَّة أَيْضا لرافع بن خديج وَغَيره. أخرجه أَحْمد وَغَيره، وَلَكِن الْأَقْرَب فِي تَفْسِير الْمُبْهم الَّذِي فِي البُخَارِيّ أَنه عتْبَان. وَالله اعْلَم. قَوْله: (فجَاء) أَي: الرجل الْمَدْعُو. قَوْله: (وَرَأسه يقطر) جملَة إسمية وَقعت حَالا من الضَّمِير الَّذِي فِي: جَاءَ، وَمعنى: يقطر، ينزل من المَاء قَطْرَة قَطْرَة من أثر الِاغْتِسَال، وَإسْنَاد الْقطر إِلَى الرَّأْس مجَاز من قبل: سَالَ الْوَادي. قَوْله: (لَعَلَّنَا) كلمة: لَعَلَّ، هُنَا لإِفَادَة التَّحْقِيق، فَمَعْنَاه: قد أعجلناك. وَقَوله: (فَقَالَ: نعم) مُقَرر لَهُ، وَلَا يُمكن أَن يكون: لَعَلَّ، هُنَا على بَابه للترجي، والترجي لَا يحْتَاج إِلَى جَوَاب، وَهنا قد أجَاب الرجل بقوله: نعم. (و: أعجلناك) من الإعجال. يُقَال: أعجله إعجالاً وعجله تعجيلاً: إِذا استحثه، وَمَعْنَاهُ: اعجلناك عَن فرَاغ شغلك وحاجتك عَن الْجِمَاع. قَوْله: (إِذا أعجلت) على بِنَاء الْمَجْهُول، وَفِي أصل أبي ذَر: (إِذا عجلت) ، بِفَتْح الْعين وَكسر الْجِيم المخففة، وَفِي رِوَايَة: (إِذا أعجلت) ، بِالتَّشْدِيدِ على صِيغَة الْمَجْهُول. قَوْله: (أَو قحطت) ، بِضَم الْقَاف وَكسر الْحَاء الْمُهْملَة. قَالَ ابْن الْجَوْزِيّ: أَصْحَاب الحَدِيث يَقُولُونَ: قحطت، بِفَتْح الْقَاف. وَقَالَ لنا شَيخنَا عبد الله بن احْمَد النَّحْوِيّ: الصَّوَاب ضم الْقَاف. وَفِي (صَحِيح مُسلم) : (أقحطت) ، بِفَتْح الْهمزَة والحاء، وَفِي رِوَايَة ابْن بشار بِضَم الْهمزَة وَكسر الْحَاء، وَالرِّوَايَتَانِ صحيحتان، وَمعنى الإقحاط هُنَا عدم الْإِنْزَال فِي الْجِمَاع، وَهُوَ اسْتِعَارَة من قُحُوط الْمَطَر، وَهُوَ انحباسه، وقحوط الأَرْض وَهُوَ عدم إخْرَاجهَا النَّبَات. وَحكى الْفراء: قحط الْمَطَر، بِالْكَسْرِ. وَفِي (الْمُحكم) : الْفَتْح أَعلَى، وقحط النَّاس بِالْكَسْرِ لَا غير وأقحطوا، وكرهها بَعضهم. وَلَا يُقَال: قحطوا وَلَا أقحطوا. وَحكى أَبُو حنيفَة: قحط الْقَوْم وَفِي (أمالي) الهجري: أقحط النَّاس. وَقَالَ التَّمِيمِي: وَقع فِي الْكتاب: قحطت، وَالْمَشْهُور أقحطت بِالْألف. يُقَال للَّذي أعجل فِي الْإِنْزَال فِي الْجِمَاع، فَفَارَقَ وَلم ينزل المَاء أَو جَامع فَلم يَأْته المَاء: أقحط. قَالَ الْكرْمَانِي: فعلى هَذَا التَّقْدِير لَا يكون لقَوْله: أعجلت فَائِدَة، اللَّهُمَّ إلَاّ أَن يُقَال: إِنَّه من بَاب عطف الْعَام على الْخَاص. فَإِن قلت: كلمة: أَو، مَا مَعْنَاهَا هَهُنَا؟ هَل هُوَ شكّ من روى أَو تنويع الحكم عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم؟ قلت: الظَّاهِر أَنه من كَلَامه، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، وَمرَاده بَيَان أَن عدم الْإِنْزَال سَوَاء كَانَ بِأَمْر خَارج عَن ذَات الشَّخْص أَو كَانَ من ذَاته لَا فرق بَينهمَا فِي الحكم فِي أَن الْوضُوء عَلَيْهِ فيهمَا. قَوْله: (فَعَلَيْك الْوضُوء) يجوز فِي الْوضُوء الرّفْع وَالنّصب، أما الرّفْع فعلى أَنه مُبْتَدأ وَخَبره قَوْله: (عَلَيْك) ، وَالنّصب على أَن مفعول: عَلَيْك، لِأَنَّهُ إسم فعل نَحْو: عَلَيْك زيدا، وَمَعْنَاهُ: فَالْزَمْ الْوضُوء.

بَيَان استنباط الْأَحْكَام الأول: فِيهِ جَوَاز الْأَخْذ بالقرائن، لِأَن الصَّحَابِيّ لما أبضأ عَن الْإِجَابَة مُدَّة الِاغْتِسَال خَالف الْمَعْهُود مِنْهُ، وَهُوَ سرعَة الْإِجَابَة للنَّبِي، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، فَلَمَّا رأى عَلَيْهِ أثر الْغسْل دلّ على أَنه كَانَ مَشْغُولًا بجماع. الثَّانِي: يسْتَحبّ الدَّوَام على الطَّهَارَة لكَون النَّبِي، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، لم يُنكر عَلَيْهِ تَأْخِير إجَابَته، وَكَأن ذَلِك كَانَ قبل إِيجَابهَا، إِذْ الْوَاجِب لَا يُؤَخر للمستحب. الثَّالِث: أَن هَذَا الحكم مَنْسُوخ، وَلم يق بِعَدَمِ نسخه إلَاّ من روى عَن هِشَام بن عُرْوَة وَالْأَعْمَش وسُفْيَان بن عُيَيْنَة وَدَاوُد، وَادّعى القَاضِي عِيَاض أَنه لَا يعلم من قَالَ بِهِ بعد خلاف الصَّحَابَة إلَاّ الْأَعْمَش وَدَاوُد. وَقَالَ النَّوَوِيّ: إعلم أَن الْأمة مجمعة الْآن على وجوب الْغسْل بِالْجِمَاعِ، وَإِن لم يكن مَعَه إِنْزَال، وعَلى وُجُوبه بالإنزال، وَكَانَت جمَاعَة من الصَّحَابَة على أَنه لَا يجب إلَاّ بالإنزال، ثمَّ رَجَعَ بَعضهم وانعقد الْإِجْمَاع بعد الآخرين. وَفِي (الْمحلى) : وَمِمَّنْ رأى أَن لَا غسل من الْإِيلَاج فِي الْفرج إِن لم يكن إِنْزَال عُثْمَان بن عَفَّان وَعلي بن أبي طَالب وَالزُّبَيْر بن الْعَوام وَطَلْحَة بن عبيد الله وَسعد بن أبي وَقاص وَعبد الله بن مَسْعُود وَرَافِع بن خديج وَأَبُو سعيد الْخُدْرِيّ وَأبي بن كَعْب وَأَبُو أَيُّوب الْأنْصَارِيّ وَابْن عَبَّاس والنعمان بن

<<  <  ج: ص:  >  >>