للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

رِوَايَة أبي ذَر: (المكثرون هم الأخسرون) وَمَعْنَاهُ: المكثرون من المَال هم المقلون فِي الثَّوَاب يَعْنِي كَثْرَة المَال تؤول بِصَاحِبِهِ إِلَى الإقلال من الْحَسَنَات يَوْم الْقِيَامَة إِذا لم يُنْفِقهُ فِي طَاعَة الله تَعَالَى، فَإِن أنفقهُ فِيهَا كَانَ غَنِيا من الْحَسَنَات يَوْم الْقِيَامَة.

وقَوْلُهُ تَعَالَى: {مَن كَانَ يُرِيدُ الْحَيَواةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ أُوْلَائِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِى الَاْخِرَةِ إِلَاّ النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُواْ فِيهَا وَبَاطِلٌ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} (هود: ٥١ ٦١) [/ ح.

سيقت هَاتَانِ الْآيَتَانِ بتمامهما فِي رِوَايَة الْأصيلِيّ وكريمة، وَفِي رِوَايَة أبي ذَر {من كَانَ يُرِيد الْحَيَاة الدُّنْيَا وَزينتهَا} ... الْآيَتَانِ وَفِي رِوَايَة أبي زيد بعد قَوْله: {وَزينتهَا نوف إِلَيْهِم أَعْمَالهم فِيهَا} ... الْآيَة وَمثله للإسماعيلي، لَكِن قَالَ إِلَى قَوْله: {وباطل مَا كَانُوا يعْملُونَ} قَوْله: {من كَانَ} . . إِلَى آخِره على عمومها فِي الْكفَّار وفيمن يرائي بِعَمَلِهِ من الْمُسلمين، وَقَالَ سعيد بن جُبَير: الْآيَة فِيمَن عمل عملا يُرِيد بِهِ غير الله جوزي عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا. وَعَن أنس: هم الْيَهُود وَالنَّصَارَى إِن أعْطوا سَائِلًا أَو وصلوا رحما عجل لَهُم جَزَاء ذَلِك بتوسعة فِي الرزق وَصِحَّة فِي الْبدن، وَقيل: هم الَّذين جاهدوا من الْمُنَافِقين مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَأَسْهم لَهُم من الْغَنَائِم، وَقَالَ الضَّحَّاك: يَعْنِي الْمُشْركين إِذا عمِلُوا عملا جوزوا عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا، وَهَذَا أبين لقَوْله تَعَالَى: {أُولَئِكَ الَّذين لَيْسَ لَهُم فِي الْآخِرَة إِلَّا النَّار} قَوْله: (نوف إِلَيْهِم أَعْمَالهم) أَي: نوصل إِلَيْهِم أجور أَعْمَالهم كَامِلَة وافية، وَهُوَ من التوفية، وقرىء. . يوف، بِالْيَاءِ على أَن الْفِعْل لله، وبالياء على صِيغَة الْمَجْهُول، ويوفي بِالتَّخْفِيفِ وَإِثْبَات الْيَاء. قَوْله: (فِيهَا) أَي: فِي الدُّنْيَا. قَوْله: {لَا يبخسون} من البخس وَهُوَ النَّقْص. قَوْله: (وحبط) أَي: بَطل يُقَال: حَبط عمله يحبط، وأحبطه غَيره، وَمعنى حَبط عَمَلهم لَيْسَ لَهُم ثَوَاب لأَنهم لم يُرِيدُوا بِهِ الْآخِرَة. قَوْله: {وباطل مَا كَانُوا يعْملُونَ} أَي: عَمَلهم فِي نَفسه بَاطِل، وقرىء: وَبَطل، على الْفِعْل، وَعَن عَاصِم: وباطلاً، بِالنّصب.

٣٤٤٦ - حدّثنا قُتَيْبَةُ بنُ سَعِيدٍ حدّثنا جَرِيرٌ عنْ عَبْدِ العَزِيزِ بنِ رُفَيْعٍ عنْ زَيْدِ بنِ وَهْبٍ عنْ أبي ذَرٍّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: خَرَجْتُ لَيْلَةً مِنَ اللَّيالِي فَإِذا رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَمْشِي وحْدَهُ ولَيْسَ مَعَهُ إنْسانٌ قَالَ: فَظَنَنْتُ أنَّهُ يَكْرَهُ أنْ يَمْشِيَ مَعَهُ أحَدٌ، قَالَ: فَجَعَلْتُ أمْشِي فِي ظِلِّ القمَرِ فالْتَفَتَ فَرآنِي. فَقَالَ: (مَنْ هاذا؟) قُلْتُ: أبُو ذَرٍّ، جَعَلَنِي الله فِدَاءَكَ، قَالَ: (يَا أَبَا ذَرٍّ {تَعَالَهْ) قَالَ: فَمَشَيْتُ مَعَهُ ساعَةَ، فَقَالَ: (إنَّ المُكْثِرِينَ هُمُ المُقِلُّونَ يَوْمَ القِيَامَةِ إلَاّ مَنْ أعْطَاهُ الله خَيْراً فَنَفَخَ فِيهِ يَمِينَهُ وشِمالَهُ وبَيْنَ يَدَيْهِ وَوَراءَهُ وَعَمِلَ فِيهِ خَيْراً) . قَالَ: فَمَشَيْتُ مَعَهُ سَاعَة، فَقَالَ لِي: (اجْلِسْ هاهُنا) . قَالَ: فأجْلَسَنِي فِي قاعٍ حَوْلَهُ حِجارَةٌ فَقَالَ لِي: (إجْلِسْ هاهُنا حتَّى أرْجِعَ إلَيْكَ) قَالَ: فانْطَلَقَ فِي الحَرَّةِ حتَّى لَا أراهُ، فَلَبِثَ عَنِّي فأطالَ اللُّبَّثَ، ثُمَّ إنِّي سَمِعْتُهُ وهْوَ مُقْبِلٌ وهْوَ يَقُولُ: (وَإنْ سَرَقَ وإنْ زَنَى) قَالَ: فَلمَّا جاءَ لَمْ أصْبِرْ حتَّى قُلْتُ: يَا نَبِيَّ الله} جَعَلَنِي الله فِداءَكَ {مَنْ تُكَلِّمُ فِي جانِب الحَرَّةِ؟ مَا سَمعْتُ أحَداً يَرْجِعُ إلَيْكَ شَيْئاً. قَالَ: (ذالِكَ جِبْرِيلُ، عَلَيْهِ السلامُ، عَرَضَ لِي فِي جانِبِ الحَرَّةِ قَالَ: بَشِّرْ أُمَّتَّكَ أنَّه مَنْ ماتَ لَا يُشْرِكُ بِاللَّه شَيْئاً دَخَلَ الجنَّةَ. قُلْتُ: يَا جِبْرِيلُ وإنْ سَرَقَ وإنْ زَنَى؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: قُلْتُ: وإنْ سَرَقَ وإنْ زَنَى؟ قَالَ: نَعْمَ} وإنْ شَرِبَ الخَمْرَ) .

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. والمطابقة أَيْضا بَين الحَدِيث وَالْآيَة الْمَذْكُورَة هِيَ أَن الْوَعيد الَّذِي فِيهَا مَحْمُول على التَّأْقِيت فِي حق من وَقع لَهُ ذَلِك من الْمُسلمين لَا على التَّأْبِيد لدلَالَة الحَدِيث على أَن المرتكب لجنس الْكَبِيرَة من الْمُسلمين يدْخل الْجنَّة، وَلَيْسَ فِيهِ مَا يَنْفِي أَنه يعذب قبل ذَلِك، كَمَا أَنه لَيْسَ فِي الْآيَة مَا يَنْفِي أَنه قد يدْخل الْجنَّة بعد التعذيب على مَعْصِيّة الزِّنَا.

<<  <  ج: ص:  >  >>