فتتركوا الْعَمَل فتفرطوا وَقَالَ الْكرْمَانِي: أَي: لَا تبلغوا الْغَايَة بل تقربُوا مِنْهَا. قَوْله:(واغدوا) من الغدو وَهُوَ السّير من أول النَّهَار، والرواح السّير من أول النّصْف الثَّانِي من النَّهَار. قَوْله:(وَشَيْء من الدلجة) أَي: اسْتَعِينُوا بِبَعْض شَيْء من الدلجة بضمالدال وَإِسْكَان اللَّام، وَيجوز فِي اللُّغَة فتحهَا وَيُقَال بِفَتْح اللَّام أَيْضا وَهُوَ بِالضَّمِّ السّير آخر اللَّيْل وبالفتح سير اللَّيْل، وَقد بسطنا الْكَلَام فِيهِ فِي: بَاب الدّين يسر فِي كتاب الْإِيمَان. قَوْله:(وَالْقَصْد الْقَصْد) بِالنّصب على الإغراء أَي: إلزموا الطَّرِيق الْوسط المعتدل تبلغوا الْمنزل الَّذِي هُوَ مقصدكم، شبه المتعبدين بالمسافرين. فَقَالَ: لَا تستوعبوا الْأَوْقَات كلهَا بالسير بل اغتنموا أَوْقَات نشاطكم وَهُوَ أول النَّهَار وَآخره، وَبَعض اللَّيْل وارحموا أَنفسكُم فِيمَا بَينهمَا لِئَلَّا يَنْقَطِع بكم، قَالَ الله تَعَالَى:{أقِم الصَّلَاة طرفِي النَّهَار وَزلفًا من اللَّيْل}(هود: ٤١١) .
٤٦٤٦ - حدّثنا عَبْدُ العَزِيزُ بنُ عَبْدِ الله حدّثنا سُلَيْمانُ عنْ مُوسَى بنِ عُقْبَةَ عنْ أبي سَلَمَة بنِ عَبْدِ الرَّحْمانِ عنْ عائِشَةَ: أنَّ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (سَدِّدُوا وقارِبُوا واعْلَمُوا أنَّهُ لَنْ يُدْخِلَ أحَدَكُمْ عَمَلُهُ الجَنةَ، وأنَّ أحَبَّ الأعْمالِ أدْوَمُها إِلَى الله وإنْ قَلَّ) . (الحَدِيث ٤٦٤٦ طرفه فِي: ٧٦٤٦) .
مطابقته للجزء الثَّانِي للتَّرْجَمَة. وَعبد الْعَزِيز بن عبد الله بن يحيى بن عَمْرو بن أويس العامري الأويسي الْمدنِي، وَسليمَان هُوَ ابْن بِلَال أَبُو أَيُّوب الْقرشِي التَّيْمِيّ، ومُوسَى بن عقبَة بِسُكُون الْقَاف ابْن أبي عَيَّاش الْأَسدي الْمدنِي.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي التَّوْبَة عَن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم وَغَيره. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الرَّقَائِق عَن الْحسن بن إِسْمَاعِيل.
قَوْله:(سددوا وقاربوا) قد مضى شرحهما عَن قريب. قَوْله:(إِنَّه) أَي: أَن الشَّأْن ويروى: أَن لن يدْخل. قَوْله:(لن يدْخل) بِضَم الْيَاء من الإدخال، وأحدكم مَنْصُوب لِأَنَّهُ مفعول وَعَمله مَرْفُوع لِأَنَّهُ فَاعل لقَوْله:(لن يدْخل) وَالْجنَّة نصب على الظّرْف. قَوْله:(أدومها) بِصِيغَة أفعل التَّفْضِيل، قيل: أدومها كَيفَ يكون قَلِيلا وَمعنى الدَّوَام شُمُول الْأَزْمِنَة؟ مَعَ أَنه غير مَقْدُور أَيْضا. أُجِيب: بِأَن المُرَاد بالدوام الْمُوَاظبَة الْعُرْفِيَّة وَهِي الْإِتْيَان بهَا فِي كل شهر أَو كل يَوْم بِقدر مَا يُطلق عَلَيْهِ عرفا اسْم المداومة. قَوْله:(وَإِن قل) أَي: أحب الْأَعْمَال وَهُوَ مَعْطُوف على مُقَدّر تَقْدِيره: أَن لم يقل وَإِن قل.