والْحَدِيث مر فِي ذكر بني إِسْرَائِيل عَن أبي الْوَلِيد وَيحيى فِي التَّوْحِيد عَن عبد الله بن أبي الْأسود. وَأخرجه مُسلم فِي التَّوْبَة عَن عبيد الله بن معَاذ وَغَيره.
قَوْله:(أَو قبلكُمْ) ، شكّ من الرَّاوِي. قَوْله:(يَعْنِي: أعطَاهُ مَالا) ، هَذَا تَفْسِير لقَوْله:(آتَاهُ الله) وَهُوَ بِالْمدِّ بِمَعْنى: أعطَاهُ وبالقصر بِمَعْنى الْمَجِيء. قَوْله:(مَالا) بعد قَوْله: (أعطَاهُ) رِوَايَة الْكشميهني، وَلَا معنى لإعادة لفظ: مَالا، وَفِي رِوَايَة غَيره: أعطَاهُ، بِلَا ذكر مَالا. (فَلَمَّا حضر) بِضَم الْحَاء وَكسر الضَّاد الْمُعْجَمَة أَي: فَلَمَّا حَضَره أَوَان الْمَوْت. قَوْله:(خير أَب) بِالنّصب أَي: كنت خير أَب، وبالرفع أَي: أَنْت خير أَب. قَوْله:(لم يبتئر) من الابتئار افتعال من الْبَار بِالْبَاء الْمُوَحدَة وَالرَّاء وَمَعْنَاهُ لم يدّخر وَلم يخبأ، هَكَذَا فسره قَتَادَة، وَأَصله من البئيرة بِمَعْنى الذَّخِيرَة والخبيئة، قَالَ أهل اللُّغَة: بارت الشَّيْء وابتأرته إبارة وابتئره إِذا خبأته، وَوَقع فِي رِوَايَة ابْن السكن: لم يأبتر، بِتَقْدِيم الْهمزَة على الْبَاء الْمُوَحدَة حَكَاهُ عِيَاض وَمَعْنَاهُ: لم يقدم خيرا يُقَال: بأرته وابتارته، كَمَا ذَكرْنَاهُ، وَوَقع فِي التَّوْحِيد فِي رِوَايَة أبي زيد الْمروزِي: لم يبتئر أَو لم يبتئر بِالشَّكِّ فِي الزَّاي أَو الرَّاء، وَفِي رِوَايَة الْجِرْجَانِيّ بنُون بدل الْبَاء الْمُوَحدَة، وَالزَّاي، قيل: كِلَاهُمَا غير صَحِيح، ويروى فِي غير البُخَارِيّ: يبتهر، بِالْهَاءِ بدل الْهمزَة وبالراء ويمتئر بِالْمِيم بدل الْبَاء الْمُوَحدَة وبالراء. قَوْله:(وَإِن يقدم على الله يعذبه) كَذَا هُنَا بِسُكُون الْقَاف وَفتح الدَّال من الْقدوم وَهُوَ بِالْجَزْمِ على الشّرطِيَّة، وَكَذَا يعذبه بِالْجَزْمِ لِأَنَّهُ جَزَاء، وَالْمعْنَى أَنه إِن بعث يَوْم الْقِيَامَة على هَيئته يعرفهُ كل أحد، فَإِذا صَار رَمَادا مبثوثاً فِي المَاء أَو الرّيح لَعَلَّه يخفى. وَوَقع فِي حَدِيث حُذَيْفَة عِنْد الْإِسْمَاعِيلِيّ من رِوَايَة أبي خَيْثَمَة عَن جرير بِسَنَد حَدِيث الْبَاب: فَإِنَّهُ إِن يقدر عَليّ رَبِّي لَا يغْفر لي، وَكَذَا فِي حَدِيث أبي هُرَيْرَة: لَئِن قدر الله عَليّ، قيل: كَيفَ غفر لهَذَا الَّذِي أوصى بِهَذِهِ الْوَصِيَّة وَقد جهل قدرَة الله على إحيائه؟ . وَأجِيب: بِأَن النَّاس اخْتلفُوا فِي تَأْوِيل هَذَا الحَدِيث، فَقيل: أما عَفْو الله عَمَّا كَانَ مِنْهُ فِي أَيَّام صِحَّته من الْمعاصِي فلندمه عَلَيْهَا وتوبته مِنْهَا عِنْد مَوته، وَلذَلِك أَمر وَلَده بإحراقه وتذريته فِي الْبر وَالْبَحْر خشيَة من عَذَاب ربه والندم تَوْبَة.
قلت: فِيهِ نظر، لِأَن كَون النَّدَم تَوْبَة إِنَّمَا هُوَ لهَذِهِ الْأمة، أَلا يُرى مَا حكى الله عَن قابيل بقوله:{فاصبح من النادمين}(الْمَائِدَة: ١٣) فَلم يكن ندمه تَوْبَة، وَقيل: إِن معنى قَوْله: إِن قدر الله على الْقُدْرَة الَّتِي هِيَ الْعَجز وَإنَّهُ كَانَ عِنْده أَنه إِذا أحرق وذري أعجز ربه عَن إحيائه، فَهُوَ على أَنه غفر لَهُ لجهله بِالْقُدْرَةِ لِأَنَّهُ لم يكن تقدم فِي ذَلِك الزَّمَان أَنه لَا يغفرالشرك بِهِ، وَلَيْسَ فِي الْعقل دَلِيل على أَن ذَلِك غير جَائِز فِي حِكْمَة الله تَعَالَى، وَإِنَّمَا نقُول: لَا يجوز أَن يغْفر الشّرك بعد نزُول قَوْله تَعَالَى: {إِن الله لَا يغْفر أَن يُشْرك بِهِ}(النِّسَاء: ٨٤ و ٦١١) . وَأما جَوَاز غفران الله ذَلِك فلفضله الْأَعَمّ وغنائه الأتم لِأَنَّهُ لَا يضرّهُ كفر كَافِر وَلَا يَنْفَعهُ إِيمَان مُؤمن. وَقيل: معنى أَن قدر الله عَليّ أَن ضيق على كَقَوْلِه تَعَالَى: {وَمن قدر عَلَيْهِ رزقه}(الطَّلَاق: ٧) أَي: ضيق وَلم يرد بذلك وصف خالقه بِالْعَجزِ عَن إِعَادَته، وَقيل: إِنَّمَا غفر لَهُ لِأَنَّهُ غلب على فهمه من الْجزع الَّذِي كَانَ لحقه من خوف الله وعذابه فيعذر، وَمثل هَذَا إِنَّمَا يكون كفرا مِمَّن يقْصد بِهِ الْكفْر وَهُوَ يعقل مَا يَقُول، وَقيل: غفر لَهُ بِأَصْل توحيده الَّذِي لَا تضر مَعَه مَعْصِيّة، وعزى ذَلِك إِلَى المرجئة. قَوْله:(فأحرقوني) وَفِي رِوَايَة حُذَيْفَة الَّذِي أخرجه البُخَارِيّ فِي بني إِسْرَائِيل فاجمعوا لي حطباً كثيرا ثمَّ أوروا نَارا حَتَّى إِذا أكلت لحمي وخلصت إِلَى عظمي فخذوها واطحنوها. قَوْله:(فاستحقوني) من السحق وَهُوَ دق الشَّيْء نَاعِمًا، أَو قَالَ:(فاسهكوني) ، شكّ من الرَّاوِي من السهك. قَالُوا: السحق والسهك بِمَعْنى وَاحِد. وَقيل السهك ونه وَهُوَ أَن يفت الشَّيْء أَو يدق قطعا صغَارًا. قَوْله:(فاذروني) يَصح أَن يقْرَأ مَوْصُول الْألف من ذرأت الشَّيْء فرقته، وَيصِح أَن يكون أَصله من الثلاثي الْمَزِيد فِيهِ فَيقطع الْهمزَة من قَوْلهم: أذرت الْعين دمعها، وأذريت الرجل عَن فرسه أَي: رميته. وَقَالَ ابْن التِّين: قرأناه بِقطع الْهمزَة. قَوْله:(فَأَخذه مواثيقهم) جمع مِيثَاق وَهُوَ الْعَهْد. قَوْله:(وربي) هُوَ على الْقسم عَن الْمخبر بذلك عَنْهُم لتصحيح خَبره، وَيحْتَمل أَن يكون حِكَايَة الْمِيثَاق الَّذِي أَخذه، أَي: قَالَ لمن أوصاه: قل: وربي لافعلن ذَلِك، وَفِي (صَحِيح مُسلم) : فَأخذ مِنْهُم ميثاقاً فَفَعَلُوا ذَلِك، وربي قَالَ القَاضِي عِيَاض. وَفِي بعض نسخه. فَفَعَلُوا ذَلِك وذرى، قَالَ: فَإِن صحت هَذِه الرِّوَايَة فَهِيَ وَجه الْكَلَام وَلَعَلَّ الذَّال سَقَطت لبَعض النساخ وَتَابعه الْبَاقُونَ، وَقَالَ الْكرْمَانِي: وَلَفظ البُخَارِيّ يحْتَمل أَن يكون بِصِيغَة الْمَاضِي من التربية. أَي: رَبِّي أَخذ المواثيق والمبايعات لكنه مَوْقُوف على الرِّوَايَة، وَقَالَ بَعضهم: وَأبْعد الْكرْمَانِي ثمَّ نقل ذَلِك عَنهُ.
قلت: مَا جزم بذلك حَتَّى يُقَال فِيهِ: وَأبْعد، وَإِنَّمَا قيد بِصِحَّة الرِّوَايَة